تابعت معكم، فى مقالي، الأسبوع الماضي، كيف كان أول أهدافي، بوصولى إلى دار الأوبرا، هو أن أحطم أسوارها، ليصبح هذا المركز الثقافى القومي، ملكاً لكل المصريين. وبعد نجاح حضور 400 طالب، يومياً، من جامعة القاهرة، للحفلات المسائية لدار الأوبرا المصرية، بمختلف أنواع أنشطتها، بدأت فى التفكير بالخروج بالأوبرا نفسها إلى الأقاليم المصرية، على أن تكون البداية فى المحافظات التى يوجد بها جامعات. وبدأت فى الإعداد لهذه الحملة الثقافية، لتكون شاملة، ولتتماشى مع فكر المركز الثقافى القومى المصري، فقررت أن تتكون من عدة فقرات، من أجل جذب الشباب فى تلك الجامعات. فكانت الفقرة السياسية، والتى زاملنى فيها، صديقى المفكر الدكتور مصطفى الفقى، الذى جال معنا فى معظم محافظات مصر، وجامعاتها، يحاور الشباب فى مجالات السياسة وعن تجاربه الشخصية فيها، ويستمع إليهم ويتناقش معهم فيها. تليها الفقرة الفنية، والتى حرصت فيها على اختيار فنانين ممن لهم مكانة فنية، وأدبية متميزة بين الشباب؛ ليتحاوروا معهم ويشاركوهم تجاربهم، وكان هدفى من ذلك جذب الجمهور لحضور الفاعليات والمشاركة فيها. وطرحت الفكرة على الراحلة العظيمة، فاتن حمامة، والتى رحبت بها بشدة، وشاركت معنا فى تلك الحملة، معطية، للشباب، العديد من الدروس فى الانتماء، والإخلاص للوطن، وللرسالة الفنية. كما انضم إلينا، كذلك، الفنان الراحل نور الشريف، ذو الشعبية الجارفة، خاصة أنه كان قد أنهى لتوه، مسلسله الشهير «عائلة الحاج متولي». وشاركنا، كذلك، أصدقائى الأعزاء، الفنان يحيى الفخرانى، والفنان عزت العلايلي، وعمدة ليالى الحلمية، الفنان صلاح السعدني، بالإضافة لأكثر من عشرين فناناً، من رموز مصر الفنية. يلى كل ذلك، الفقرة الثالثة، وكانت عبارة عن مقتطفات من دار الأوبرا المصرية، من الأوركسترا السيمفوني، والغناء الأوبرالي، والبالية، وكانت اختيارات الفقرات الفنية بسيطة، بهدف الوصول إلى عقل الشاب المصري، الذى يستمع لهذه الأنواع من الفنون لأول مرة. واعتمدت على ما للفنان حسن كامى من شعبية وحضور، فلاقى استحسان الجميع وهو يغنى أوبرا نابوليتان الشهيرة، وبدأ الشباب يتعرف على هذا النوع من الفنون، بل ويتذوقه. كما تضمنت هذه الفقرة فرعاً آخر من فروع الفنون، وهى معارض اللوحات والرسومات، فى ثلاث قاعات كبرى بدار الأوبرا، لعرض لوحات مختلف الفنانين؛ وشرفنا فيها الفنان عمرو فهمي، بمعرضه من اللوحات الكاريكاتيرية، التى كان ينتقد فيها الحكومة، رئيسها ووزراءها. فكان لنا، فى كل جامعة، مظاهرة فنية ... ندخلها صباحا، ومعنا هذه الحشود المتميزة من رموز الفكر، والثقافة، والفن، لنبدأ بالفقرة السياسية، ثم الفقرات الفنية، يليها معارض الرسومات واللوحات. وفى المساء كنا نبنى مسرحاً كاملاً، بجميع تجهيزاته من الصوت والإضاءة، ليشدو عليه بعض فنانى الأوبرا، فى الجزء الأول من الحفل، ومنهم على سبيل المثال، الفنان القدير محمد ثروت. ولقد انضم لنا، فى هذه الحفلات، الكينج محمد منير، والذى أقمت له أولى حفلاته فى الأوبرا ... أقمتها فى المسرح المكشوف، ووصل عدد الحضور فيها إلى ثلاثين ألف ضيف، معظمهم، إن لم يكن جميعهم، من الشباب ... وسأسرد تفاصيلها فى مقال لاحق. وبما أننا فى وسط شباب الجامعة، فكان الجزء الثاني، من الحفل، يخصص للفقرات الشبابية، والتى عملت فيها على اختيار الفرق الجديدة من شباب مصر. وكنت فى بعض الأحيان، أشرك بعض الفنانين، أو الهواة، من أبناء المحافظة التى نزورها فى الاحتفال، وأذكر أننى عدت من احتفالى بورسعيد والمنوفية، بأصوات جديدة، انضمت إلى دار الأوبرا، ولمعت أسماؤهم فيما بعد. ولأننى أؤمن بالمثل الإنجليزى The first impression is the last impression، بمعنى أن الانطباعات الأولى تدوم للنهاية، فقد حرصت أن تكون بداية هذه الجولات، بمشاركة سيدة الشاشة العربية، الفنانة الراحلة، فاتن حمامة، التى خرجت المدينة بأكملها لاستقبالها. وبالرغم من قلقها من نجاح التجربة، فى البداية، إلا أنها، وبعد انتهاء فقرتها فى الصباح، وما شهدته من حب وترحيب وإقبال، قررت أن تبقى معنا لحضور الحفل المسائي، عكس ما كان متفقا عليه من أن تغادر بعد الانتهاء من فقرتها، قائلة لي: «إن هذا اليوم من أسعد أيام حياتي». وفى تقديري، أن أكبر مكاسب هذه الجولات الفنية، كان فى سعادة أهل الصعيد بها، وشعورهم باهتمام الدولة بهم، فقد رأيت الفرحة فى عيون أبناء أسوان، على سبيل المثال، وهم يرون الفنانين بينهم، جاءوا خصيصاً للاحتفال معهم. ومع نجاح هذه الجولات الفنية، أصبح الفنانون يتسابقون للمشاركة فيها. وأعتقد أن هذه التجربة، كانت من أهم نجاحات دار الأوبرا المصرية، ومن أهم إنجازاتها لشعب مصر العظيم. أما التجربة الأخرى.. فلقد تعلمتها فى أوبرا فيينا، عندما زرتها لأتعرف على المسرح من الداخل، وأسلوب عمله، وإدارته ... فرأيت طلبة المدارس الثانوية، يحضرون بروفات الأوركسترا السيمفوني، مجاناً، وذلك، بالطبع، بهدف غرس، وإرساء ثقافة الفن الكلاسيكى فى الأجيال القادمة، وما لذلك من أثر كبير فى رقى الشعوب. فعدت إلى دار الأوبرا المصرية، ونفذت هذه الفكرة، وشهدت نجاحاً كبيراً، إلا أن الاستفادة منها اقتصرت،للأسف، على طلبة المدارس الخاصة، القادرة على توفير وسائل انتقال لطلابها! إن مصر لديها الكثير لتقدمه لأبنائها وشبابها، أجيال المستقبل، وأمل مصر. لمزيد من مقالات لواء أ. ح. د. م. سمير فرج