نتعاون بشكل وثيق مع الرئاسة الصينية ودعوتى إلى القمة تجسيد لعمق علاقات البلدين الشراكة الاستراتيجية بين القاهرة وبكين تشمل المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية «برنامج التنمية 2030» يهدف لجذب الاستثمار وتوفير فرص العمل وتحقيق العدالة الاجتماعية
أعرب الرئيس عبد الفتاح السيسى أمس عن ثقته بنجاح قمة مجموعة العشرين بما يلبى تطلعات شعوبنا والمجتمع الدولى ككل ، مؤكدا أن مصر مهتمة بالاستفادة من تجربة الصين الرائدة فى المجالات المختلفة، لاسيما أن العلاقات الثنائية تتوثق أكثر فأكثر. وأكد الرئيس السيسي، فى مقابلة خاصة مع وكالة أنباء « شينخوا» الصينية، أن دعوة الرئيس الصينى له للمشاركة فى اجتماعات قمة مجموعة العشرين تجسد عمق علاقات الصداقة والشراكة التى تربط بين البلدين، وتعكس اقتناعاً بأهمية وجود دولة بحجم وثقل مصر الإقليمى والدولى فى هذا المحفل المهم.. وقال السيسى « أؤكد أن مصر تحرص من خلال مشاركتها على دعم أولويات الرئاسة الصينية، وتتعاون بشكل وثيق معها لتحقيق تلك الأولويات، كما أود أن أهنئ الرئاسة الصينية لما قامت به من جهد كبير وخلاق فى قيادة المجموعة هذا العام، وإعداد مجموعة من المبادرات وخطط العمل فى مجالات مختلفة». وأبدى الرئيس ثقته فى «أن نتائج تلك القمة ستتوج جهود الرئاسة الصينية وجهودنا جميعاً بالنجاح، بما يلبى تطلعات شعوبنا والمجتمع الدولى ككل». ورأى السيسى أن عنوان القمة «بناء اقتصاد عالمى إبداعى ونشيط ومترابط وشامل»، يعكس بصدق ما يحتاجه الاقتصاد فى عالم اليوم، فهو يؤكد على بناء اقتصاد عالمى تتكاتف فيه جهود الجميع، مشيرا الى أن الدول النامية تحتاج إلى الخبرات الاقتصادية والقدرات التمويلية التى تمتلكها الدول المتقدمة، التى تحتاج بدورها إلى أسواق واعدة لتصريف منتجاتها فى الدول النامية. وأوضح أن «العنوان لم يغفل الحاجة إلى الإبداع والابتكار من أجل إتباع أنماط اقتصادية موفرة للطاقة فضلا عن زيادة الاعتماد على الطاقة المتجددة حفاظا على البيئة». وأضاف السيسى «شمل عنوان القمة التأكيد على أهمية بناء اقتصاد عالمى مترابط وشامل، حيث أن الأزمات الاقتصادية فى بعض الدول قد تمتد لغيرها أو تؤثر على قدرة تلك الدول على القيام بدور فاعل على الصعيد العالمي، مما قد يتسبب فى ركود اقتصادى وتراجع حركة التجارة البينية». وقال السيسى «إن هذا العنوان يلخص رؤية مصر إزاء سُبل الإدارة الاقتصادية العالمية، وأرجو أن تسهم دعوة مصر لحضور قمة مجموعة العشرين هذا العام فى توثيق أواصر التعاون بين مصر والمجموعة وأن يمتد أثرها بشكل عملى ويُترجم إلى واقع ملموس». وحول العلاقات الصينية - المصرية، قال الرئيس السيسى إنها «ليست وليدة اللحظة، لكنها علاقات وطيدة وممتدة؛ فقد كانت مصر من أوائل الدول العربية والأفريقية التى اعترفت بالصين فى عام 1956، ومن ثم فإن هناك رصيداً كبيراً من التعاون التاريخى بين البلدين يُمكن البناء عليه ويتيح فرصاً واعدة لمزيد من التعاون والتنسيق بين البلدين. وأضاف أن الصين دولة لها ثقلها الاقتصادى والديموجرافى على الصعيد الدولى فضلاً عن نفوذها السياسي، كونها إحدى الدول الخمس دائمة العضوية فى مجلس الأمن، كما لا يمكننى إغفال البعد الحضارى والثقافى الذى يجمع بين البلدين والشعبين المصرى والصيني، اللذين يمثلان حضارتين عظيمتين من أقدم حضارات التاريخ الإنسانى إن لم تكونا أقدمهما على الإطلاق. وأوضح الرئيس السيسى أن «العلاقات المصرية الصينية تكتسب يوماً تلو الآخر مزيداً من القوة وتتوثق أكثر فأكثر، وتمتد لتشمل مختلف مناحى ومجالات التعاون على كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية، والعسكرية والأمنية، وكذا الاجتماعية والثقافية، ولقد حرص البلدان على تنظيم العديد من الفعاليات الثقافية المتبادلة خلال عام 2016؛ احتفالاً بمرور 60 عاماً على إقامة العلاقات الدبلوماسية فيما بينهما». وأشار إلى أنه زار الصين مرتين فى عامى 2014 و2015، فيما سيقوم بزيارة ثالثة خلال أيام للمشاركة فى قمة العشرين، بينما قام الرئيس الصينى شى جين بينغ بزيارة مصر فى يناير الماضى الذى صادف الذكرى السنوية ال 60 لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. وأكد الرئيس أن الدولتين تتبادلان الحرص على تعزيز العلاقات الثنائية فى مختلف المجالات، ولقد شهدت زيارته للصين فى عام 2014 إعلان تأسيس الشراكة الاستراتيجية بين البلدين فى مختلف المجالات، وهو الإعلان الذى تعتبره مصر بمثابة تتويج لعلاقاتها مع الصين، وتواصل الحكومتان فى البلدين التشاور والتنسيق فى مختلف المجالات من أجل دفع التعاون الثنائى قدماً، آخذاً فى الاعتبار الإمكانات التكنولوجية والقدرات التمويلية للصين، وما توفره مصر من فرص واعدة للعمل والاستثمار. وأبدى الرئيس حرص مصر على استثمار العلاقات الوطيدة مع الصين من أجل إقامة تعاون ثلاثى لصالح الدول الأفريقية والعربية، والتعاون فى إطار جنوب - جنوب، آخذا فى الاعتبار توافر الخبرات الفنية والقدرات التمويلية لدى الصين، فى الوقت الذى تتمتع فيه مصر بموقع استراتيجى متميز يعتبر بمثابة بوابة للصين إلى أفريقيا، أخذاً فى الاعتبار أيضا أن مصر ترحب بالاستثمارات الصينية التى يمكن تصدير منتجاتها إلى دول القارة الأفريقية التى ترتبط معها مصر باتفاقيات للتجارة الحرة. وحول الإجراءات التى تنفذها مصر للتغلب على الصعوبات التى تواجه اقتصادها، قال الرئيس السيسى إن «الجهود المصرية نجحت فى إرساء أحد أهم نماذج التحول الديمقراطى فى منطقتها على الرغم مما تعانيه تلك المنطقة من أزمات، واستعادت هيبة الدولة وتماسك مؤسساتها، كما فرضت الأمن وسيادة القانون، فى ظل مناخ سياسى يُعلى من قيم الديمقراطية وسيادة القانون ويرسخ مبدأ الفصل بين السلطات مما يساعد على استعادة الاقتصاد لعافيته ويسهم فى توفير مناخ آمن للاستثمارات المحلية والأجنبية». وأضاف «ولا يمكن أن نغفل بأى حالٍ من الأحوال الظروف التى مرت بها مصر بعد يناير 2011؛ فحالة السيولة وتراجع الإنتاج وانخفاض عوائد السياحة تركت آثاراً سلبية يتعين تداركها، وهو ما تفعله مصر الآن من خلال سعيها للحصول على قرض من صندوق النقد الدولى لتمويل عجز الموازنة العامة وتعتبر مصر أن نجاح مفاوضاتها مع وفد الصندوق بمثابة شهادة ثقة فى مستقبل الاقتصاد المصرى وما يمتلكه من إمكانات واعدة». واستطرد السيسى « تعمل الحكومة على تطبيق إجراءات إصلاحية مثل ترشيد الدعم الحكومى وضمان وصوله إلى مستحقيه، كما تتخذ بالتوازى إجراءات أخرى لتحقيق الحماية الاجتماعية وتخفيف آثار الإصلاح الاقتصادى مثل زيادة الحد الأدنى للأجور، وزيادة المعاشات، والتوسع فى برامج الحماية الاجتماعية مثل برنامج تكافل وكرامة الذى سيتسع ليشمل مليونا ونصف المليون أسرة من الأُسر محدودة الدخل». وأشار إلى «البرنامج الشامل للتنمية المستديمة حتى عام 2030، والذى يهدف إلى جذب الاستثمارات وتوفير مناخ آمن ومستقر للعمل والتنمية، وذلك من خلال تحديث التشريعات المتعلقة بالاستثمار من منظور شامل، مع تشجيع القطاع الخاص على المشاركة فى تنفيذ خطة الحكومة للنهوض بالاقتصاد فى إطار تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص». وقال الرئيس «كما تتبنى مصر سياسة مالية توسعية تهدف لزيادة الاستثمارات الحكومية وتوفير فرص عمل جديدة، مع إصرار على محاربة الفساد وتحقيق العدالة الاجتماعية». وأضاف السيسي، « كما تعمل الحكومة بدأب لتوفير الفرص الاقتصادية الواعدة التى تتيحها المشروعات التنموية الكبرى التى تدشنها وتنفذها مصر، مثل مشروع قناة السويس الجديدة ومحور التنمية المحيط بها، ومشروع الريف المصرى الجديد الذى يهدف إلى إقامة مجتمعات تنموية وعمرانية متكاملة ومستدامة، ومشروع إنشاء العاصمة الإدارية الجديدة، ومشروعات البنية التحتية التى تضم الطرق والكبارى والأنفاق والموانئ البرية والبحرية، فضلاً عن مشروعات قطاع الطاقة التقليدية والمتجددة، أخذاً فى الاعتبار المقومات الاقتصادية الواعدة التى تمتلكها مصر، وفى مقدمتها موقعها الاستراتيجى وبنيتها التحتية المتميزة والأيدى العاملة منخفضة التكلفة نسبياً والكوادر المؤهلة». وردا على سؤال حول الاستراتيجية الصينية «الحزام والطريق»، ودورها فى تعزيز النمو الاقتصادى لمصر والدول التى تمتد إليها هذه الاستراتيجية، قال الرئيس « بكل تأكيد إن مصر تدعم المبادرة لإحياء طريق الحرير أخذاً فى الاعتبار أن مصر يمكنها أن تكون نقطة ارتكاز رئيسية لتنفيذ هذه المبادرة عبر المشروعات التى تشهدها قناة السويس، سواء من خلال حفر القناة الجديدة أو مشروع التنمية بمنطقة القناة الذى يشمل إنشاء وتطوير 7 موانئ، فضلاً عن مشروع تطوير الشبكة القومية للطرق، وهو الأمر الذى من شأنه تعزيز فرص التجارة بين مصر والدول الآسيوية، وفى مقدمتها الصين». وشدد على أن « مصر مهتمة بالاستفادة من تجربة الصين الرائدة فى المجالات المختلفة، ومنها تطوير الإدارة المحلية، والتنمية الإدارية، والحكومة الإلكترونية، وتطوير الجهاز الإدارى للدولة، بالإضافة إلى تطوير أنشطة البحث العلمى ومجال الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، وتطوير القدرات البشرية من خلال الاستفادة من برامج التدريب والتأهيل الفنى الصينية، وتحديث قطاع المشروعات المتوسطة والصغيرة والمتناهية الصغر، فضلاً عن تطوير تقنيات الزراعة، وخاصة فى مجال الرى والصرف، وكذلك الاستزراع ومكافحة التصحر وزيادة إنتاجية الرقعة الزراعية من المحاصيل الغذائية». وعن الإجراءات التى قد تنفذها الصين ومصر للتعاون فى مجال مكافحة الإرهاب والتطرف، أوضح الرئيس السيسي» بالطبع عالم اليوم أضحى معقداً ومتغيراً ويواجه بشكل مستمر تحديات جديدة تتداخل أسبابها وتتشعب آثارها ولا يمكن انحسارها فى منطقة دون أخرى، وفى مقدمة تلك التحديات يأتى الإرهاب الذى لايعرف ديناً ولا وطناً ولا حدوداً وتمتد يده الغادرة وآثاره السلبية لتدمر حياة الشعوب ومقدراتها وتقوض بنيان الدول وكياناتها ومؤسساتها الوطنية «. وأشار الرئيس إلى أن ظاهرة الإرهاب البغيضة تتداخل مع النزاعات الإقليمية الدائرة فى عدد من دول منطقة الشرق الأوسط، حيث تجد العناصر الإرهابية ملاذاً آمناً فى ظل الفوضى السائدة وغياب الأمن والاستقرار، وفى خِضَم كل هذه التحديات يبرز دور دول مجموعة العشرين، وفى مقدمتها الصين، وهى مجموعة مؤهلة لأن تلعب دوراً فاعلاً على الصعيد الدولى إزاء مختلف القضايا الدولية، وفى مقدمتها مكافحة الإرهاب، حيث تمثل دول المجموعة حوالى ثلثى سكان العالم، و85 فى المائة من إجمالى الناتج المحلى العالمي، وأكثر من 75 فى المائة من حجم التجارة العالمية، فضلاً عن أنها تضم الدول الخمس دائمة العضوية بمجلس الأمن والعديد من الدول ذات الاقتصادات البازغة». وقال السيسى فى ختام المقابلة، «إن مصر تحرص على توثيق تعاونها مع الصين فى مختلف المجالات، بما فى ذلك مكافحة الإرهاب التى تقدر مصر أنها يجب تتم من خلال استراتيجية شاملة لا تقف عند حدود التعاون العسكرى والأمني، لكن تمتد لتشمل الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية، وكذا الثقافية والفكرية؛ فتوفير الأمن والاستقرار يتعين أن يترافق مع إيجاد بيئة مناسبة للنمو الاقتصادى وتوفير فرص العمل، فضلاً عن تسوية الصراعات الممتدة، وهى جميعها ظروف تستغلها الجماعات الإرهابية من أجل استقطاب عناصر جديدة إلى صفوفها، ولن يفوتنى فى هذا المقام أن أنوه إلى ضرورة وقف إمداد تلك الجماعات بالمال والسلاح، وتطبيق إجراءات عقابية على الدول التى تدعمها».