يكثر الحديث عن سيناريوهات الخروج من الوضع الراهن.. وبعيدا عن الصخب والضجيج من الضروري تفكيك بعض الاساطير التي صاحبت ولاتزال دراما الانتخابات الرئاسية وذلك قبل الحديث عن الخروج من المأزق الراهن.. ويجب أن نعترف أن أزمة الانتخابات الرئاسية اليوم إنما هي بمثابة النهاية الطبيعية لانتقال ديمقراطي كانت فرص فشله أقرب بكثير من فرص نجاحه, فقد كرسته أخطاء النخبة السياسية وصراعاتها وانتهازيتها ووقعت في براثنه الكتل الثورية التي اكتفت بالمشاهدة ولم تطرح بديلا ناجحا وواقعيا للوضع القائم.. ولم يكن الاطار الدستوري الذي جرت في ظله الانتخابات الرئاسية سوي قفص حديدي لترويض الحالمين بالمنصب الرئاسي والساعين إلي تفكيك مراكز القوي القديمة, والمسألة لاتتعلق فقط بالحصانات غير الدستورية التي منحت للجنة المشرفة علي الانتخابات والتي شاب عملها قدر ملحوظ من التسييس وإنما ايضا نتيجة لحالة الميوعة والضبابية في تحديد الاختصاصات والسلطات والصلاحيات, فالرئيس القادم ليس معروفا بأي قواعد سوف يحكم البلاد بعد فشل القوي السياسية والبرلمانية في كتابة مسودة الدستور الجديد التي تحدد سلطات وصلاحيات البرلمان والرئيس والحكومة وتباينت آراء المواطنين بعد الجولة الاولي من الانتخابات الرئاسية فقد ذهب فريق إلي أنه لن يعطي صوته للدكتور مرسي لانه لو فاز فسوف تنفرد جماعة الاخوان بالسلطات وبالتالي حتي وان صدقت النيات فإنهم بالطبع سوف يؤسسون لديكتاتورية جديدة لاتقل خطرا عن ديكتاتورية الحكم السابق وذهب فريق اخر إلي أنه لن يعطي صوته إلي الفريق شفيق لانه ينتمي لنظام مبارك قلبا وقالبا وامتداد للطبقة السياسية التي حكمت مصر طيلة العقود السياسية الماضية وينتمي لنفس مدرستها التي لاتري في الشعب شريكا وإنما كتلة سلبية وخاضعة وكأننا خلعنا نظام مبارك بثورة ثم أتينا به عن طريق الانتخابات! وحتي المرشحين الذين ينتمون إلي التيار الثوري والذين حصلوا علي ضعف ما حصل عليه كل من مرسي وشفيق من عدد الاصوات لم يسلموا من النقد من ناحية أنهم لم يتحدوا فيما بينهم, وقد تصور كل منهم أنه قادر بمفرده علي الفوز بالرئاسة ومن ناحية أخري يري البعض أن أحلامهم الثورية أكبر بكثير من الواقع الذي نعيشه وتحده خطوط حمراء داخلية وخارجية كما أن سيناريو المجلس الرئاسي الذي يسعون اليه الآن بالاضافة إلي أنه جاء متأخرا يعني مباشرة الانقلاب علي شرعية الانتخابات لمصلحة شرعية الثورة مع مايحمله ذلك من مسار جديد لانتخابات الرئاسة وتسليم العسكر للسلطة وهو لاشك مسار غامض ومثير للقلق داخليا وخارجيا.. وهذا الطريق المسدود كان مفروشا بالنيات الطيبة ومحددا سلفا بمجموعة من الاجراءات والاتفاقات السياسية علي الانتخابات وتشكيل لجنة كتابة الدستور ومحاكمة رموز النظام السابق ورغم ضعف كثير من الاجراءات وغموضها وافتقارها للعدالة والمساواة وبرغم رفض بعض شباب الثورة وتحذيرات العقلاء إلا أن الاخوان والسلفيين وكل الاحزاب القديمة والجديدة ساروا في ذلك الطريق وتشكك بعضهم أو انتقد قواعد اللعبة السياسية, ولكنه فضل المشاركة والاستمرار ربما طمعا في السلطة, والمفارقة هي انه كلما جاءت نتائج المشاركة في الانتخابات لغير مصلحة أحد الاطراف يعود ويشكك بأثر رجعي ويطعن في نتائجها ويرفضها وهو ماحدث في قضية مبارك ورموز نظامه وفي الانتخابات الرئاسية. وماغاب عن القوي المتصارعة بعد الثورة هو أن الثورات لاتكون من أجل تحقيق الحرية والكرامة واسقاط أنظمة الاستبداد والفساد إلا حينما تكون ثورة باسم الشعب.. والشعب هنا ليس دينا أو مذهبا أو جماعة أو طائفة أو حزبا وإنما هو اسم يجمع كل الاطياف والالوان والطوائف والمذاهب التي تنضوي جميعها تحت مسمي واحد هو الوطن حينما لاتكون الثورة من أجل الحرية للجميع فإنها تحمل في رحمها استبدادا بصورة أخري وبلون جديد واخيرا عندما تعلو مصلحة جماعة دينية معينة أو قوة قديمة كانت محتكرة الاقتصاد والسياسية لصالحها فوق مصلحة الوطن فلن تكون هناك ديمقراطية حقيقية في المنظور القريب وانما يمكن أن تكون هناك مجرد مواءمات سياسية ولكن يجب ألا يتملكنا اليأس, فالثورات بصفة عامة لاتؤتي أكلها في المنظور القريب. فالثورة الفرنسية علي سبيل المثال تعرضت لانتكاسات متعددة بعد قيامها حتي أن الملكية والديكتاتورية عادت من جديد قبل أن نري فرنسا علي ما نراها الآن, فطريق الالف ميل يبدأ بخطوة وبالفعل وبقيام ثورة25 يناير فقد وضعنا أقدامنا علي بداية الطريق مهما يكون من بعض الانتكاسات هنا أو هناك. د. عماد إسماعيل