لمواجهة اكبر موجات الهجرة البشرية غير الشرعية منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية أعلن فيكتور اوربان رئيس الحكومة المجرية عن قراره بانشاء "نظام دفاعي" جديد على الحدود مع صربيا، واجراء استفتاء شعبي حول هذه القضية، التي وصفها بانها «السم الذي يريد ان يتجرعه»، في الوقت الذي تفتقت فيه أذهان البعض في المجر عن نشر دمى «خيال المآتة»، ومنها ما هو على هيئة «خنازير» كَفَزًاعات لإخافة المهاجرين من افريقيا والشرق الاوسط. منذ داهمت عشرات الالوف من المهاجرين حدود الدولة المجرية في صيف العام الماضي، والحديث لا يتوقف عما يمكن ان تتخذه بودابست للحد من هذه الظاهرة، ومواجهة ما يحاول الاتحاد الاوروبي فرضه عليها من قرارات، قالت الحكومة المجرية إنها لا تتفق وقدراتها وتوجهاتها. وفيما كانت المجر أول من أقام أسواره العازلة، لمواجهة تدفق المهاجرين من افريقيا وبلدان منطقة الشرق الاوسط، فقد عادت لتؤكد استراتيجيتها تجاه هذه القضية من خلال ما أعلنه فيكتور اوربان رئيس الحكومة المجرية حول انه” يجرى الآن التخطيط الفني لإقامة نظام دفاعي أكبر بجوار جدار الدفاع الحالي الذي شُيٍد على وجه السرعة في العام الماضي”. ونقلت المصادر عنه قوله “أن السياج الجديد الذي سيشيد إلى جوار الحاجز الحالي سيعمل على تعزيز الدفاعات لتكون قادرة على منع مئات آلاف المهاجرين المحتملين، إذا غيرت تركيا سياستها بشأن الهجرة”. واكدت المصادر الرسمية بناء منطقة عازلة مساحتها ثمانية كيلومترات بطول الحدود مع صربيا جنوب البلاد، بما يمكن معه حجز جموع المهاجرين وايوائهم الى حين تقرير مصيرهم، أو اعادتهم الى بلدانهم. وقد اتخذت السلطات المجرية ما يلزم من أجل دعم كوادر وزراتي الداخلية والدفاع، وتزويد هاتين الوزارتين بما يلزمهما من مختلف الادوات والمعدات ووسائل النقل البري والجوى، فيما دفعت بما يقرب من عشرة آلاف من كوادر مختلف الوزارات والمؤسسات لمساعدتهما في لاضطلاع بهذه المهام. وكانت المجر بادرت ببناء سورها العازل على الحدود المشتركة مع صربيا، ثم مع كرواتيا اعتبارا من سبتمبر من العام الماضي، فيما اصدرت عددا من القوانين التي تبدو على النقيض مما اتخذه الاتحاد الاوروبي من مواقف، اعتبرتها بودابست غير ملزمة لها، ومنها قبول حصة الزامية من المهاجرين في اطار نظام توزيع اللاجئين بين الدول الاعضاء، معلنة تمسكها بحق “تجريم” المهاجرين الذين يفدون الى البلاد بطرق غير شرعية، واعادتهم الى بلدانهم، في الوقت الذي ترفض فيه طلبات اللجوء التي يتقدم بها هؤلاء المهاجرون. ومن الطريف في هذا الصدد ما تناوله المشاركون في مواقع التواصل الاجتماعي، من اخبار تقول بان هناك من تفتقت اذهانه عن ابتكار الجديد من الوسائل اللازمة للحيلولة دون تسلل المهاجرين عبر الحدود المجرية وعبورهم الى داخل البلاد بطرق غير شرعية. ومن هذه السبل ما اشار اليه البعض حول نشر الدمى والفزًاعات التي تبدو اقرب الى “خيال المآتة” الذي راحوا يصنعونه من قش وعيدان البنجر في اشكال تضاهي اشكال الحيوانات البرية المفترسة، وكذلك “الخنزير” بما له من ايحاءات سلبية لدى الكثير من مواطنى البلدان الاسلامية. ومن اللافت وكما جاء على مواقع التواصل الاجتماعي، ان سلاح “خيال المآتة” اسفر بالفعل عما كان يُعَوٍل الكثيرون عليه من نتائج، حيث سجلت الاحصائيات انحسار اعداد المهاجرين الذين يحاولون عبور الحدود في المواقع التي تنتشر فيها هذه الدمى والاشكال المخيفة. وكانت نتائج استطلاع الرأي التي اجريت في عدد من بلدان الاتحاد الاوروبي في 11 اغسطس الجاري، كشفت عن أن الغالبية العظمى من سكان هذه البلدان لا يرحبون بهجرة الوافدين من بلدان افريقيا والشرق الاوسط. وهاهي المجر تستعد لاجراء استفتائها الشعبي في الثاني من اكتوبر المقبل حول الموقف من قبول هجرة الوافدين اليها، والرأي في مقررات الاتحاد الاوروبي بهذا الشأن، باقتراح من جانب فيكتور اوربان رئيس الحكومة المجرية. وكان اوربان قد انتقد ما صدر من مقررات عن الاتحاد الاوروبي بهذا الشأن، مؤكدا ان” الحصص المقررة من جانب الاتحاد الاوروبي يمكن أن تعيد رسم الهوية الثقافية والدينية لأوروبا. ولا يحق لبروكسل أو لأي جهاز أوروبي آخر فعل ذلك”. واضاف اوربان في تصريحات صحفية ان “ الحكومة تعتقد أن القرار بشأن تحديد الحصص الإلزامية لا يمكن أن يُتخذ بعيدا عن البرلمان المجري، الذي قال انه الجهة الوحيدة التي تملك الصلاحيات والحقوق التي تخول لها ذلك”. وبخصوص الاستفتاء، قال اوربان انه “من غير الممكن اتخاذ اية قرارات دون مشاركة المواطنين، وضد رغبات شعب أوروبي، لأنها تغير حياتهم بشكل جدي، كما تغير حياة الأجيال المستقبلية”. وكانت حكومة أوربان اعلنت عن رفضها للخطة الأوروبية التي اقرها الاتحاد الاوروبي في سبتمبر الماضي والتي تنص على توزيع 160 ألف مهاجر على الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بموجب نظام “المحاصصة”. وكانت المجر اعلنت ايضا عن انضمامها الى الشكوى القانونية التي تقدمت بها سلوفاكيا ضد الخطة التي تقضي باستقبال المجر 2300 مهاجرا، وهو ما لم يلق الموافقة عليه في حينه، رغم ما يحظي به موقف أوربان من تأييد كاسح في الاوساط المجرية، وغير المجرية، لما في ذلك من اعلاء لاولوية مصالح المواطن المجرى وحقوقه في العمل والصحة والتعليم والمسكن والرعاية الاجتماعية. وفي هذا الشأن يذكر الكثيرون ما وصف به الزعيم المجرى أوربان في 26 يوليو الماضي “تدفق جموع المهاجرين” على بلاده، بانه السم الذي لا تحتاجه المجر، مؤكدا انها “لن تتجرعه”. وتقول الأنباء الواردة من وارسو ان قضية الهجرة، وما يطرحه فيكتور اوربان رئيس الحكومة المجرية من افكار بهذا الشان، كانت في صدارة جدول اعمال الاجتماع الذي استضافته العاصمة البولندية بمشاركة زعماء مجموعة بلدان فيشجراد وهي بولندا والمجر وسلوفاكيا وتشيكيا، وشاركت فيه المستشارة الالمانية انجيلا ميركل. وكانت مصادر الاجتماع اكدت ان “أزمة الهجرة ومسألة الأمن كانتا من بين النقاط التي طرحت على مائدة المباحثات ، وان رئيسى حكومتي المجر وتشيكيا اعلنا عن دعوتهما الى الاتحاد الأوروبي من اجل إعادة النظر في طريقة تعامله مع هاتين المسألتين”، الى جانب الدعوة الى تأسيس جيش أوروبي مشترك. وفي هذا الصدد قال فيكتور أوربان رئيس الحكومة المجرية ان “اساس اقتراحاته يتمثل في الحفاظ على السياسة الإقتصادية الحالية القائمة على الصرامة، الإستقرار والإصلاح الهيكلي، وان ما يود أن يعالج كأولوية هو مسألة الدفاع، بما يعني ضرورة العمل من اجل تأسيس جيش أوروبي”. وتشير مصادر الاجتماع ايضا الى ترحيب رؤساء بلدان مجموعة “فيشجراد” ومعهم انجيلا ميركل يرحبون بعقد قمة رؤساء بلدان وحكومات الاتحاد الاوروبي في سلوفاكيا في منتصف سبتمبر المقبل، وهي القمة التي سوف تتطرق ضمنا الى قضايا الهجرة على ضوء معارضة بلدان أوروبا الشرقية ومنها بلدان “مجموعة “فيشجراد” لنظام الحصص لاستقبال المهاجرين الذي تدعو اليه بروكسل وتدعمه برلين. وفي هذا الشأن اعربت ميركل عن ارتياحها “ لاحتضان براتيسلافا للقمة الأوروبية القادمة، لأن العادة كانت تقضي بالإجتماع في بروكسل، وهو أمر طالما كان كثيرا ما يسفر عن تراجع وانحسار لفرص معايشة الواقع بكل تجلياته، وبما يمكن ان نكون معه أحيانا، بعيدين كل البعد عما تكون أوروبا في حاجة حقيقية له”، على حد قولها.