لا يختلف اثنان على حتمية الإصلاح الاقتصادى ولا على ضرورة اتخاذ قرارات صعبة للمضى قدماً فى طريق هذا الإصلاح ، وليس ثمة اختلاف كذلك على تقدير إصرار الرئيس على قبول التحدى بغض النظر عن الصعوبات ، ولكن هذا لا ينفى وجود هواجس مشروعة فى هذا الشأن، وهى هواجس مواطن أتيح له من التعليم ما يجعله قادرا على فهم الأبعاد السياسية لعملية الإصلاح الاقتصادى دون أن يكون غريباً عن أساسها الاقتصادى وتداعياتها الاجتماعية. وهواجسى تنبع من أمرين لا ثالث لهما أولهما التوقيت والثانى طريقة الإخراج أو التنفيذ ، أما التوقيت فإن القرارات المنتظرة للإصلاح سوف تأتى فى وقت يعانى فيه أبناء الطبقتين الفقيرة والمتوسطة بدرجات مختلفة موجة هائلة أخيرة من ارتفاع الأسعار بسبب تدهور قيمة الجنيه فى مواجهة الدولار لأسباب معروفة فى بلد يعتمد كثيراً على الاستيراد فى تلبية احتياجات أساسية ناهيك عن التداعيات السلبية لهذا التدهور على ارتباك أو توقف بعض أوجه النشاط الاقتصادى خاصة الإنتاجى منها كما فى صناعة الغزل والنسيج، ولذلك فإن قدرة المواطن العادى على تحمل أعباء القرارات القادمة يجب أن تُحسب بدقة شديدة توقياً لأى تداعيات سلبية علماً بأن السوابق لا تطمئن كثيراً ، ولقد استندت محاولة الإصلاح الاقتصادى فى 1977 لحسابات اقتصادية سليمة لكن الأبعاد الاجتماعية والسياسية غابت عنها فكان ما كان. وأتمنى أن تكون الأجهزة المعنية فى الدولة قادرة على القيام بهذه الحسابات الضرورية لنجاح قرارات الإصلاح وأمينة فى إبلاغ الرئيس بما تتوصل إليه من نتائج ، وأن تُدخل فى اعتبارها ما هو معروف من آثار مضاعفة يحدثها أصحاب الأعمال صغاراً وكباراً على أسعار السلع التى ينتجونها والخدمات التى يقدمونها بعد أى زيادة للأسعار خاصة أسعار الطاقة مهما تكن طفيفة، وهو الأمر الذى يجب التحسب له مقدماً بمعنى وضع الضوابط الكافية لأى ارتفاعات متوقعة من واقع الخبرات السابقة وهى عملية صعبة لكنها ليست مستحيلة والحوار حولها مطلوب والاقتراحات عديدة تضيق بها هذه السطور، أما الأمر الثانى الذى يشكل مصدراً للهواجس فهو طريقة الإخراج أو التنفيذ التى يجب أن يكون مبدأ التدرج المحسوب هو الحاكم لها . ويرتبط بما سبق تأكيد ضرورة الانحياز الاجتماعى الواضح فى أى قرارات قادمة لمحدودى الدخل وأبناء الطبقة المتوسطة التى بدأت شرائحها الميسورة تشعر بوطأة الغلاء ، ويؤكد الرئيس دائماً هذه المسألة كما أن ثمة خطوات فعلية اتُخذت فى هذا الاتجاه كبرنامج تكافل وكرامة والمعاشات الضمانية، غير أن الرئيس أشار بنفسه فى تصريحات سابقة إلى شعوره بأن هذه الخطوات لا تكفى لكن موارد الدولة لا تطيق حالياً أكثر من ذلك، ومن هنا أهمية وضوح الانحياز الاجتماعى للقرارات القادمة كما سبقت الإشارة علماً بأن هذا لا يزيد أعباء الدولة ولكنه يَعدِل فى توزيع الأعباء بحيث تعوض الأعباء الأكثر على الطبقات الثرية الأعباء الأقل على الطبقات الفقيرة والمتوسطة، وعلى سبيل المثال ما الذى يمنع من أن تكون هناك بطاقات لصرف الوقود بالأسعار الحالية بما يكفى لتشغيل سيارة صغيرة بحيث يتحمل أصحاب السيارات المتوسطة عبئاً معقولاً ويتحمل أصحاب السيارات الفارهة العبء الأكبر. وقد تُصرف هذه البطاقات أصلاً لأصحاب السيارات الصغيرة والمتوسطة حصراً، والأمر نفسه يمكن تطبيقه على دعم الكهرباء والغاز والمياه بمعنى تثبيت الأسعار بالنسبة للشرائح الأدنى والتدرج بعد ذلك فى رفع الأسعار وهكذا. من ناحية أخرى آن الأوان لدعم عملية الإصلاح بطرق أبواب بدائل أخرى يمكن أن يأتى بعضها بنتائج سريعة كالمكافحة الجادة والفاعلة للتهرب الضريبى وتعديل المنظومة الضريبية نحو التأكيد القاطع على مزيد من العدالة الاجتماعية وهو أمر معمول به فى النظم الرأسمالية ، ومراجعة الرواتب الهائلة لبعض الفئات بالحسم الذى التزم به الرئيس فى اتخاذ قرارات الإصلاح وعدم الالتفات إلى أن هذه الرواتب هى التى تبقيهم فى مناصبهم لأن مصر مليئة بالمواهب الشابة التى يمكن أن تسد أى فراغ، والجمع بين إثارة الحمية الوطنية لدى المصريين فى الخارج وتوجد سوابق مشجعة فى هذا الشأن وتقديم حوافز معقولة فى الوقت نفسه تشجعهم على تحويل أموالهم عبر القنوات الشرعية وملاحقة العمليات غير السوية لجمع هذه الأموال فى بلدان إقامتهم وتحويلها من خلال قنوات غير مشروعة. ناهيك عن الاهتمام الحقيقى بترشيد الواردات التى تكشف عن أنماط استهلاكية استفزازية ونفوذ مستقر لجماعة المستوردين، ويرتبط بذلك العمل على إحداث نهضة صناعية يمكن أن يكون مردودها سريعاً بحل المشكلات الملحة لصناعات كالغزل والنسج والحديد والصلب والسيارات وغيرها وبذل مزيد من الجهود الجادة لإقالة السياحة من عثرتها خاصة أن ثمة مؤشرات مشجعة فى هذا الشأن . ليست هذه سوى هواجس تهدف إلى أن نمضى واثقين على طريق الإصلاح الحتمى بعيداً عن أى هزات يمكن لا قدر الله أن تؤثر على ما يجرى من جهود هائلة من أجل النهوض بالوطن . لمزيد من مقالات د. أحمد يوسف أحمد