شنت القوات الأمريكية هجمات جوية على ما وصفته بمعاقل تنظيم «داعش» فى سرت بليبيا فى مطلع شهر أغسطس الحالى. وأكد البنتاجون (وزارة الدفاع الأمريكية) أن الضربات تمت بطلب رسمى من حكومة الوفاق الوطنى الليبية لتكون تلك العمليات العسكرية الأمريكية هى الأولى التى يتم تنفيذها بالتنسيق «المعلن» مع حكومة الوفاق الليبية. وطرح التدخل العسكرى الأمريكى الأخير عدة تساؤلات حول طبيعة العملية وأهدافها بالإضافة إلى التأثير السياسى الذى يمكن أن ينجم عنها بعد أن أكدت إنحياز واشنطن «العلنى على الأقل» لحكومة الوفاق الوطنى. وجاء الكشف عن تفاصيل العملية العسكرية التى بدأت وزارة الدفاع الأمريكية تنفيذها فى سرت بناء على طلب تقدم به المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطنى عندما أعلن بيتر كوك السكرتير الصحفى للبنتاجون فى بيان له : «اليوم، بناء على طلب من حكومة الوفاق الوطنى الليبية، نفذ الجيش الأمريكى ضربات جوية دقيقة ضد أهداف داعش فى سرت، لدعم القوات التابعة للمجلس الرئاسى لحكومة الوفاق الوطنى التى تسعى لهزيمة داعش فى معقله الرئيسى فى ليبيا». وأضاف البيان أن الرئيس الأمريكى باراك أوباما أمر بتنفيذ الضربات عقب توصية من وزير الدفاع الأمريكى أشتون كارتر ورئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة الجنرال جوزيف دانفورد. وذكر البيان أن مزيدا من الضربات الأميركية ضد تنظيم «داعش» فى سرت ستمكن حكومة الوفاق الوطنى من تحقيق تقدم حاسم واستراتيجى. ونقل موقع «ديفنس نيوز» عن البنتاجون أن الضربات الأمريكية من المتوقع لها أن تستمر عدة أيام عبر مرورها بعدة مراحل ممنهجة تبدأ باستخدام مزيج من الطائرات التقليدية والطائرات بدون طيار. ولكن كما جرت عليه العادة لم تتم الإشارة لعمل أى قوات على الأرض. وقالت المصادر إن السفينة الهجومية المخصصة للعمليات البرمائية «واسب»، التي تحمل عناصر من الوحدة 22 من قوة مشاة الأسطول الإستطلاعية بما فى ذلك طائرات هارير الهجومية طراز «إيه فى 8بى»، تتمركز على مقربة من ليبيا. وجاء هجوم الأول من أغسطس ضمن عملية شاملة تتكون من ثلاث مراحل بتخطيط وتوجيه القيادة المركزية الأمريكية لأفريقيا (أفريكوم). حيث أطلق على المرحلة الأولى من هذه العملية إسم «عملية عزم أوديسا»، والتى تتألف من طلعات جوية مخابراتية وعمليات مراقبة واستطلاع مصممة لمواجهة التطرف العنيف فى ليبيا. والمرحلة الثانية التى أطلق عليها إسم «عملية تقاطع أو مفرق الثعبان» استهدفت تحديد الأهداف. أما المرحلة الثالثة، والتى أطلق عليها «عملية برق أوديسا»، فتشمل قيام طائرات مقاتلة بقصف تلك الأهداف. وكما أوضحت البيانات الأمريكية الرسمية فإن مجموعة العمليات تستهدف حرمان «داعش» من الحصول على ملاذ آمن فى ليبيا للقضاء الإستباقى على أى فرصة قد تمكنه من شن هجمات على الولاياتالمتحدة وحلفائه. ومن «الطريف» أن بيتر كوك المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية قد أشار إلى أن الهجمات استهدفت «أهدافا محددة بدقة»، حيث إستهدفت العمليات موقع دبابة واحدة فقط وسيارتين ل»داعش»!! وكانت مصادر أمريكية قد أعلنت منذ شهر فبراير الماضى أن عدد المقاتلين التابعين لتنظيم «داعش» فى ليبيا يتراوح بين 5 و6 آلاف مقاتل. كما أشارت التقديرات الأخيرة إلى أن عدد المقاتلين التابعين لداعش فى سرت قد تقلص ليصل إلى ألف مقاتل فقط. عمليات سرية وليست هذه المرة الأولى التى توجه فيها أمريكا ضربات لأهداف فى ليبيا. اذ سبق أن أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية أن زعيم تنظيم «داعش» فى ليبيا العراقى ابو نبيل (المعروف أيضا بوسام نجم عبد زيد الزبيدى)، تم قتله فى غارة أمريكية إستهدفت مركز قيادة وسيطرة خاص ب»داعش» على مقربة من درنة فى نوفمبر 2015. واعترفت الولاياتالمتحدة فى نهاية يناير 2016 بإنزال قوات محدودة فى ليبيا ل:»فتح قنوات إتصال بالقوات العاملة على الأرض». ومنذ يناير 2016 تشير الدلائل والتصريحات الصادرة عن القيادات السياسية والعسكرية فى الولاياتالمتحدة وأوروبا إلى وجود «تجهيز جاد» لعمل عسكرى فى ليبيا. فقد مهدت وسائل الإعلام الأمريكية للرأى العام بأن الولاياتالمتحدة وحلفاؤها فى أوروبا يستعدون لتنفيذ ضربات جوية وعمليات للقوات الخاصة داخل ليبيا ضد تنظيم «داعش»، بالإضافة إلى تكثيف عمليات الاستطلاع الجوية فوق ليبيا لجمع معلومات مخابراتية. ونقل عن رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية، الجنرال جوزيف دانفورد، قوله إن هناك حاجة لتحرك عسكرى حاسم لوقف انتشار تنظيم «داعش» فى ليبيا، مضيفا أن التنظيم يريد أن يستغل ليبيا لتكون منصة لتنسيق الأنشطة عبر أفريقيا. وعن توجيه الضربات قال «نحن نبحث فى الوقت الجارى تنفيذ عملية عسكرية حاسمة ضد توسع تنظيم «داعش» بالتزامن مع العملية السياسية فى ليبيا». وبالفعل جاء شهر فبراير 2016 لتستهدف ضربة أمريكية معسكرا تدريبيا تابعا لتنظيم «داعش» فى منطقة ريفية قريبة من صبراتة على مقربة من الحدود الغربية لليبيا وأدت على الأرجح الى مقتل نور الدين شوشان زعيم «داعش» فى ليبيا وعشرات من المقاتلين التابعين له. وتناقلت وسائل الإعلام الأمريكية فى شهر مارس 2016 أنباء عن وجود خطط أمريكية لضرب عدد كبير من الأهداف فى ليبيا بشكل يكفل إضعاف «داعش» إلا أن الخطة إبتلعتها الأدراج فى البيت الأبيض لأسباب سياسية. الدور العسكرى الخارجى وفيما يتعلق بالدور الدولى والتدخل العسكرى الخارجى فى الأزمة الليبية عقب عمليات سرت، أعلن رئيس حكومة الوفاق الوطنى الليبية فايز السراج بدء الضربات الأمريكية فى خطاب تليفزيونى أشار فيه إلى أنها المرة الأولى التى تشن فيها الولاياتالمتحدة مثل هذه العمليات فى سرت، وبموافقة ليبية. وقال السراج «بالاتفاق مع أمريكا بدأت اليوم اولى الضربات على مواقع محددة محدثة خسائر كبيرة ل»داعش» فى سرت. وأضاف السراج «نؤكد أن العمليات فى هذه المرحلة تأتى فى اطار زمنى محدد ولم تتجاوز سرت وضواحيها». وتابع «نكرر رفضنا التام لتدخل اى دولة كانت، وأى دعم مقدم يجب أن يكون بطلب مباشر من حكومة الوفاق الوطنى». وجاءت كلمات السراج لتلقى الضوء على حقيقية وجود تدخلات «سرية» خارجية على المستويات اللوجستية والمخابراتية والعسكرية فى ليبيا. فقد جاء مصرع الفرنسيين الثلاثة أثناء تنفيذ مهمة سرية فى ليبيا ليؤكد التواجد العسكرى الخارجى علي الساحة كما سبق وأن تمت الإشارة إلى وجود بريطانى عسكرى داخل البلاد للقيام بعمليات ذات طبيعة سرية أيضا وهناك قوات من دول أخرى أيضا تقوم بعمليات تحمل ذات الطابع. وعلي الرغم من إتفاق كل القوى «علنا» على أن التدخلات العسكرية السرية والعلنية فى ليبيا هدفها هو محاربة تنظيم «داعش» وأتباعه فإن بعض تلك القوى الأجنبية ثبت قيامها بتقديم خدمات متعددة لقوى ليبية متعارضة فى محاولة لحماية المصالح الإستراتيجية الخاصة بتلك الدول فى مرحلة ما بعد تراجع أو إختفاء «داعش» من الساحة. وبالتالى فإن مصالح القوى الخارجية تحاول فرض نفسها على ترتيبات المستقبل الليبى فى مرحلة ما بعد تحرير البلاد من خطر «داعش» والميلشيات المسلحة التابعة له، وهو ما قد يعود بالضرر على القوى الليبية الوطنية والشعب الليبى ذاته. ويمثل تكرار أكثر تعقيدا لسيناريو التدخل الدولى للإطاحة بالقذافى عام 2011.