من اجل اهرام افضل

كتب الراحل محمود عبدالعزيز مدير تحرير الأهرام هذا المقال فى 13 يونيو عام 1976 بمناسبة مرور 100 سنة على صدور «الاهرام»

‬ينتقل ‬‮«‬الأهرام‮»‬ ‬قبل ‬نهاية ‬هذا ‬العام ‬وبمناسبة ‬عيده ‬المئوى ‬إلى ‬عصر ‬جديد ‬من ‬التقدم ‬التكنولوجى، ‬وعشق ‬‮«‬الأهرام‮»‬ ‬منذ ‬مولده ‬البحث ‬عن ‬كل ‬جديد ‬فى ‬الطباعة ‬والصورة والفنالصحفى، ‬وهو ‬لا ‬يبخل ‬بجهد ‬أو ‬مال ‬فى ‬إيفاد ‬رجاله ‬وشبابه ‬إلى ‬كل ‬مركز ‬متقدم ‬فى ‬العالم ‬للبحث ‬والدراسة ‬والاحتكاك ‬والنقل ‬ليحفظ ‬مقوماته ‬القومية ‬والعالمية، ‬ولقد ‬كان ‬هذا ‬شأنه ‬دائما ‬منذ ‬كانت ‬مصر ‬خديوية، ‬وكان ‬على ‬صلة ‬لا ‬تنقطع ‬مع ‬أمهات ‬الصحف ‬فى ‬العالم ‬من ‬التايمز ‬البريطانية ‬والتامب ‬الفرنسية ‬إلى ‬صحف ‬بوليتزر ‬الأمريكية ‬رائدة ‬الصحافة ‬الحديثة ‬فى ‬أمريكا.‬
ولعل ‬التقدم ‬التكنولوجى ‬الجديد ‬فى ‬عالم ‬الطباعة ‬هو ‬الثورة ‬الثالثة ‬فى ‬صناعة ‬الكلمة ‬المطبوعة ‬منذ ‬عهد ‬جوتمبرح (‬1453)‬، ‬ويطلقون ‬على ‬هذه ‬الثورة ‬‮»‬الجمع ‬التصويرى‮«‬، ‬ولأول ‬مرة ‬سوف ‬يختفى ‬القلم ‬والورق ‬بين ‬أيدى ‬الصحفيين، ‬وسوف ‬يختفى ‬الرصاص ‬المنصهر ‬وآلات ‬الجمع ‬الميكانيكية ‬أو ‬الاليكترونية ‬بين ‬أيدى ‬العمال، ‬سيختفى ‬عصر ‬الجمع ‬والتوضيب ‬من ‬عنابر ‬الصحف، ‬وتحل ‬محلها ‬قاعات ‬مكيفة ‬يحرم ‬فيها ‬حتى ‬التدخين ‬لحساسية ‬الآلات ‬الشديدة ‬التى ‬جاءت ‬بها ‬هذه ‬الثورة، ‬سيعمل ‬الصحفيون ‬على ‬شاشات ‬التليفزيون ‬التى ‬تديرها ‬عقول ‬اليكترونية ‬تعمل ‬بالنبض ‬الضوئى ‬وتختزن ‬الكلمات ‬على ‬أشرطة ‬ممغنطة ‬وذاكرات ‬اليكترونية ‬سعتها ‬أكثر ‬من ‬مليون ‬كلمة، ‬وسرعة ‬ملئها ‬تصل ‬إلى ‬3000 ‬سطر ‬فى ‬الدقيقة.‬
والتقدم ‬رهيب ‬فى ‬إنتاج ‬هذه ‬الآلات، ‬فأجيال ‬هذه ‬الآلات ‬تأكل ‬بعضها ‬كالسمك، ‬كبيرة ‬يأكل ‬صغيرة، ‬فبعض ‬أجيال ‬هذه ‬الماكينات ‬لا ‬يرى ‬النور، ‬فلا ‬يكاد ‬يتم ‬إنتاج ‬بعضها ‬ويستعد ‬للخروج ‬إلى ‬السوق ‬حتى ‬يظهر ‬جيل ‬آخر ‬أقوى ‬وأسرع، ‬فيختفى ‬الجيل ‬السابق ‬بعد ‬أن ‬تعاقدت ‬عليه ‬الصحف، ‬ولهذا ‬أطلقوا ‬عليها ‬اسم «‬الوحش ‬الأسود»‬، ‬ونفس ‬الحال ‬بين ‬شركات ‬الطباعة ‬نفسها ‬بعضها ‬يأكل ‬بعضه ‬كما ‬حدث ‬فى ‬أمريكا، ‬والصراع ‬مرير ‬فى ‬شوارع ‬الصحافة ‬فى ‬غرب ‬أوروبا ‬والولايات ‬المتحدة ‬بين ‬الثورة ‬الجديدة ‬ونقابات ‬العمال، ‬نفس ‬الحرب ‬الأزلية ‬بين ‬الآلة ‬والإنسان، ‬ونفس ‬الحرب ‬التقليدية ‬بين ‬أصحاب ‬رؤوس ‬الأموال ‬والعمال، ‬حيث ‬وصلت ‬نفقات ‬التشغيل ‬فى ‬الصحف ‬إلى ‬أرقام ‬فلكية ‬اختفت ‬معها ‬على ‬مر ‬السنين ‬عشرات ‬الصحف، ‬وأمل ‬الصحف ‬ ‬فى ‬هذه ‬الرقعة ‬من ‬العالم ‬ ‬فى ‬البقاء ‬معقود ‬على ‬الثورة ‬الجديدة، ‬لأنها ‬الاوفر ‬فى ‬النفقات ‬رغم ‬تكلفتها ‬العالية، ‬والصراع ‬نتيجته ‬محتومة، ‬فالغلبة ‬دوما ‬للإنسان ‬رب ‬الآلة ‬رغم ‬جمود ‬نقابات ‬العمال.‬
والثورة ‬الجديدة ‬ستنقل ‬الصحفيين ‬فى ‬مصر ‬40 ‬سنة ‬إلى ‬الأمام ‬دفعة ‬واحدة، ‬فسوف يتجاوزون ‬عصر ‬الآلة ‬الكاتبة ‬التى ‬فشلوا ‬فى ‬استخدامها ‬ويقفزون ‬من ‬مرحلة ‬الكتابة ‬بالقلم ‬إلى ‬الكتابة ‬باللمس ‬على ‬الآلات ‬الاليكترونية، ‬نفس ‬الأزمة ‬ولعلها ‬نفس ‬الثورة ‬‬الاليكترونية ‬التى ‬واجهها ‬الصحفيون ‬فى ‬الغرب ‬عندما اخترعوا ‬الآلة ‬الكاتبة، ‬ولكن «العادة غلابة»، ‬فحتى ‬مع ‬الآلة ‬الكاتبة اعتاد الصحفى أن ‬يسمع ‬‬وقع ‬ذراع ‬الآلة ‬ويرى ‬كلماته ‬مكتوبة ‬أمامه ‬على ‬الورق، ‬فحواسه ‬جميعا ‬تعمل ‬معه ‬والآلات ‬الحديثة ‬صماء ‬بكماء ‬ليس ‬فيها ‬مجاوب ‬يذكر ‬مع ‬حواس ‬السمع ‬أو ‬اللمس ‬أو ‬حتى ‬البصر.‬
ولقد ‬أصيب ‬الصحفيون ‬فى ‬أوروبا ‬وأمريكا ‬فى ‬بداية ‬الأمر ‬بأسى ‬شديد، ‬فقد ‬توهموا ‬أن ‬هذه ‬نهاية ‬الخلق ‬والإبداع، ‬فلم ‬يعد ‬هناك ‬قلم ‬يسيل ‬أو ‬يحجم، ‬ولم ‬يعد ‬هناك ‬ورق ‬يملؤه ‬الصحفى ‬أو ‬يمزقه، ‬عينان ‬فقط ‬مشدودتان ‬إلى ‬شاشة ‬تليفزيونية ‬وأصابع ‬تهمس ‬إلى ‬مفاتيح ‬العقول ‬الاليكترونية.‬
ولكنها ‬الثورة ‬من ‬أجل ‬صحافة ‬أفضل، ‬وسباق ‬مع ‬الزمن ‬عدو ‬الصحافة ‬الأول، ‬وستظل هذه ‬الصناعة ‬أيا ‬كان ‬الوسيط ‬أعظم ‬الاختراعات ‬أثرا ‬فى ‬حياة ‬البشر، ‬لأنها ‬فى ‬خدمة ‬العلم ‬والفن ‬والمعرفة.‬
وسوف يشهد الأهرام ‬جيلا ‬جديدا ‬يتصدى ‬للثورة ‬الجديدة ‬من ‬أجل ‬‮«‬أهرام»‬ ‬أفضل.‬