تُحيرنى وتستفزنى بشدة حالة الصمت الرسمى على إجراءات وتحركات بريطانية تستهدف مصر، وأمنها، والتأثير على وضعها الدولى الجيد، إذ كنت انتظر رد فعل قويا وحاسما يتناسب مع مخطط خبيث تنفذه لندن بحرفية ومهارة، منذ مدة مستغلة انهماكنا فى ملاحقة همومنا ومشكلاتنا المتكاثرة والتى لا ننكرها ولا نتجاهلها، ونظن أن الوقت قد حان لمطالبة المملكة المتحدة بتحديد موقفها وبدون مواربة لنعرف مع أى جهة تقف بالضبط، هل تقف مع النظام الشرعى فى بلادنا الذى ارتضاه الشعب وجاء بواسطة عملية ديمقراطية نزيهة جرت تحت سمع وبصر الجميع فى الداخل والخارج، أم أنها تتضامن قلبا وقالبا مع جماعة خارجة على القانون، وتم تصنيفها جماعة إرهابية؟ على لندن أيضا أن تفسر لنا اسرار تقلبات سياساتها حيال القاهرة، بعد أن كانت تسير فى اتجاه ايجابى فى الآونة الأخيرة، فى أعقاب زيارات مسئولين بريطانيين آخرهم كان من مجلس العموم. ففى نهاية الأسبوع الماضى عدلت وزارة الداخلية البريطانية شروط منح حق اللجوء السياسى فى بريطانيا، إلى هنا لا توجد أزمة، غير أن المشكلة برزت فى تسهيلها حصول قيادات إخوانية على اللجوء بزعم تعرضهم للاضطهاد، والضرر الجسيم على يد السلطات المصرية، بسبب نشاطهم السياسي، ومشاركتهم فى المظاهرات!. فهم فى نظرهم أبرياء مغلوبون على أمرهم، ولا يخربون، ولا يقتلون، فهم مسالمون، ومحرومون من حقوقهم السياسية! العطف البريطانى السامى لن يقتصر على القيادات الاخوانية، بل سيمتد ليشمل معهم طائفة من الصحفيين الأعضاء فى الجماعة والمتعاطفين معها، والعاملين فى المنظمات غير الحكومية المشتبه فى صلتها بالاخوان وما أكثرهم ، وتكتمل الصورة بتوارد معلومات من مصادر موثوقة عن لقاءات تمت قبل أيام بين مسئولين بريطانيين كبار، وقادة إخوان بارزين، وخلالها وعدهم هؤلاء المسئولون بعدم التضييق على أنشطة الجماعة، وأن تعمل مراكزهم البحثية ووسائل اعلامهم المسمومة بحرية فى عاصمة الضباب. نفهم من ذلك أن بريطانيا قررت إقامة حديقة كبيرة على أراضيها « لثعالب وضباع الإخوان» يمرحون فيها بلا حواجز، وأن يكونوا أداة فى يدها تستغلها للضغط على مصر دائما لحسابها، أو لحساب واشنطن، البريطانيون لم ينتبهوا لوقوعهم فى المحظور، فقد تجاهلوا متعمدين الدلائل والبراهين المؤكدة لصلة الإخوان بالإرهاب والعنف، ولو أرهقوا أنفسهم قليلا باسترجاع جرائم الإخوان من احراق للكنائس، والمنشآت العامة، ومهاجمة قوات الجيش والشرطة، عقب ثورة 30 يونيو، وتصريحات قادتهم لعرفوا حقيقتهم، وأنهم ثعابين تتلون بحسب البيئة التى يعيشون فيها، وأنه لا أمان لهم، لكن يبدو أن التاريخ الوطيد بين لندن والإخوان، منذ عشرينيات القرن الماضى يجعل بريطانيا تشعر بالطمأنينة على أساس أنهم تربوا فى حجرها، وتتحكم فى مفاتيحهم. وربما بنت لندن تقديراتها على أن احتضانها للإخوان سيقيها مستقبلا التعرض للدغات الإرهاب، وترتكز على أن للجماعة كلمة مسموعة على التنظيمات الإرهابية، ومن بينها داعش، وذلك تفكير ساذج للغاية، لأنها لو تمعنت فى تجارب البلدان الأوروبية المجاورة لها لأدركت خطأ حساباتها، فهؤلاء بدورهم احتضنوا أئمة للتطرف والإرهاب خرجوا منها إلى سوريا، وأفغانستان وغيرهما، ثم عادوا لأوطانهم تملؤهم الكراهية، والنزعة الانتقامية، وتكفير مجتمعات وفرت لهم الملاذ الآمن. المحظور الثانى الذى وقع فيه البريطانيون هو التناقض، فحكومة السيدة ماى تتحدث عن اضطهاد الإخوان فى مصر دون دليل يدعم اتهامها، وبطبيعة الحال فإن الإخوان أساتذة بارعون فى فنون المظلومية والنواح، فهى متعاطفة مع «جماعة الشر» ، لكنها قبل أن تتعاطف معها كان عليها تذكر رفضهم الدعوة للمشاركة فى العمل السياسى بعد فقدهم السلطة، والعودة إلى التقرير الصادر عن حكومة ديفيد كاميرون فى ديسمبر 2015، الذى أشار نصا إلى أن للإخوان علاقات غامضة جدا، ومبهمة بشكل متعمد مع المتطرفين، وأن عضوية الجماعة يمكن أن تعتبر مؤشرا على التطرف. ما سلف ورد فى تقرير رسمي، وبعدها بأشهر قليلة تقرر الحكومة البريطانية فتح أبوابها لقيادات جماعة حددت صلاتها بالتطرف الذى يقود حتما للعنف والإرهاب، فهل هناك تناقض أكثر من هذا، وإن كانت بريطانيا حريصة على علاقتها مع القاهرة كما تذكر فى بياناتها الدبلوماسية الناعمة فلماذا تصر على منع سائحيها من القدوم للمقاصد السياحية المصرية مع العلم بأنهم لم يتعرضوا لأذي؟ إذن نحن إزاء مخطط شرير للإضرار بالشعب المصري، ولا يحترم اختيارات المصريين التى عبروا عنها بخروجهم بالملايين فى 30 يونيو، ومن خلال صناديق الاقتراع، فهم رافضون للإخوان ولفكرهم الشاذ الذى لا يريدون مراجعته، والاقرار بأخطائهم وجرائمهم فى حق وطنهم، ودعواتهم لرفع السلاح فى وجه القوات المسلحة والشرطة، وتخزين المتفجرات والأسلحة وسط المناطق السكنية المكتظة، فهل هذه تصرفات أناس حريصين على العيش بسلام مع أهلهم، ولا يتورعون عن الإساءة للوطن بشتى الصور والأساليب. تلك بعض تفاصيل مخطط خبيث لا يجب السكوت عليه وانما الرد عليه فورا من جهتنا، ولنظهر لبريطانيا حجتنا القوية، ورفضنا لتصرفاتها الغريبة غير البريئة، ولتكن البداية من الرد على التقرير المغرض والمغلوط لمجلة «الايكونوميست» المنشور أمس الأول عن مصر. [email protected] لمزيد من مقالات محمد إبراهيم الدسوقي