المفاوضات تجري علي قدم وساق بين الحكومة المصرية وبعثة صندوق النقد الدولي التي وصلت إلي مصر يوم 30 يوليو الماضي. المفاوضات تستغرق أسبوعين، والحكومة أعلنت أنها تمثل الجولة الأخيرة في المباحثات التي كانت تجري بالفعل منذ شهور للحصول علي قرض بمبلغ 12 مليار دولار موزعة علي ثلاث سنوات. الحكومة أعلنت أيضا أنها تأمل في الحصول علي ملياري دولار في غضون شهرين، كدفعة أولي من التمويل المخصص للسنة المالية الحالية. وحيث أن أي اتفاق مع الصندوق يظل تفعيله رهنا بموافقة مجلس المديرين التنفيذيين للصندوق من جهة ومجلس النواب المصري من جهة أخري، فإن تحديد الحكومة لتلك المواعيد يعني أن كل حاجة (مترتبة) ومتفق عليها.. ولا ينقصها إلا شوية رتوش وتوقيعات!. لم يعد مجديا بالطبع تذكير الحكومة بأن العديد من الاقتصاديين المصريين قد قدموا حلولا بديلة للخروج من الأزمة الاقتصادية سواء فيما يتعلق بزيادة الإيرادات العامة وتخفيض عجز الموازنة ورفع معدلات الادخار أو تخفيض عجز ميزان التجارة ومواجهة نزيف موارد النقد الأجنبي وتدعيم القاعدة الإنتاجية المحلية. الحكومة تري أن الاتفاق مع الصندوق يعد هدفا في حد ذاته، حيث يمثل شهادة ثقة في قدرة الاقتصاد علي سداد التزاماته الخارجية، وهو ما يؤدي إلي تشجيع الاستثمارات الأجنبية وتدفق رؤوس الأموال إلي مصر. طبعا علينا الانتظار إلي انتهاء المفاوضات لمعرفة البنود التفصيلية للاتفاق، سواء تعلق الأمر بالشروط المالية من حيث تكلفة القرض، أو السياسات والإجراءات التي تتعهد الحكومة باتخاذها لتخفيض عجز الموازنة العامة وتدبير موارد النقد الأجنبي اللازمة للسداد. التوقعات كلها تستند إلي اتفاقيات الصندوق مع الدول المختلفة، والاتفاق المبدئي الذي سبق التوصل إليه مع مصر في نوفمبر 2012، فضلا عن تصريحات المسئولين الحكوميين. التوقعات بشأن الاتفاق تتحدث عن تخفيض الدعم، وتخفيض الأجور، وزيادة أسعار الخدمات الحكومية، وتطبيق الضريبة علي القيمة المضافة، وتخفيض قيمة الجنيه، ورفع سعر الفائدة، وبيع الأصول العامة بدءا بحصص في البنوك وقطاع البترول. الحكومة أعلنت أن سعر الفائدة علي القرض سيكون 1.5%، وحرصت علي تأكيد أن هذا المعدل يعد منخفضا للغاية، بما يوحي بأن فريق المفاوضين المصريين أنهك مفاوضي الصندوق في المباحثات واقتنص أفضل شروط مالية يمكن الحصول عليها! ولكن المعلومات المتوافرة تؤكد علي العكس أن هذه الشروط المالية أسوأ من التي سبق التوصل إليها مع الصندوق عقب الثورة عام 2011 إبان حكم المجلس العسكري، رغم أننا وقتها كنا نعاني من عدم الاستقرار السياسي والأمني، وضعف السيطرة علي سيناء، وغياب مجلس النواب، وعدم وجود رئيس للجمهورية. أما علي الصعيد الاقتصادي فقد كنا نعاني بالإضافة لعجز الموازنة العامة وعجز ميزان المدفوعات من التراجع الشديد في معدلات النمو الاقتصادي. في عام 2011 و في ظل تلك الظروف الصعبة وافق الصندوق علي أن يقرضنا بسعر فائدة 1% فقط مع الإعفاء من السداد لمدة 5 سنوات، وعلي أن يتم تطبيق سعر الفائدة علي ما ينفق فقط من قيمة القرض المطلوب وليس علي إجمالي القرض. أما فيما يتعلق بالإجراءات والسياسات التي تعهدت بها مصر آنذاك، فيمكننا الرجوع إلي تصريحات وزير المالية الأسبق الدكتور سمير رضوان الذي خاض تلك المفاوضات مع الصندوق والتي يقول فيها: أوضحنا أنه فيما يتعلق بالخصخصة هذا شأن داخلي ونفكر في إيجاد حل مبتكر له بما يحقق الإصلاح الاقتصادي. وفيما يتعلق بطلب رفع الدعم أوضحنا لهم أننا سنعطي له خطة تدريجية لرفعه تستغرق 5 سنوات، مع اشتراطنا أن أي دعم يتعلق بمحدودي الدخل لن يمس إطلاقا حتي بعد انتهاء مدة السنوات الخمس لحين تحسن الأوضاع الاقتصادية بشكل لا يمثل عبئا علي المواطن. وفيما يتعلق بالأجور لن نخفضها بل سنزيدها لأن المستوي العام للأجور منخفض. الصندوق وافق وقتها علي إقراضنا بتلك الشروط ولكن المفاوضات توقفت، طبقا لما ذكره وزير المالية الأسبق، لأن المشير حسين طنطاوي وزير الدفاع ورئيس المجلس العسكري قال نصا: لى أنا مش عاوز احمل الأجيال المقبلة بعبء ديون جديدة. هل يعقل أن يتراجع المفاوض المصري الآن عما سبق أن توصل إليه منذ سنوات عندما كانت البلاد في مهب الريح؟ هل تتصور الحكومة أن الشعب يمكنه أن يتحمل المزيد من ارتفاعات الأسعار؟ وهل تتخيل أنه سيقبل بيع أصوله الإنتاجية وتبديد حصيلتها في حفرة الموازنة العامة؟. لمزيد من مقالات د. سلوى العنترى