في قديم الزمان كان هناك فريق عربي للتجديف, واتفق العرب واليابانيون علي إقامة سباق سنوي للتجديف, علي أن يتكون كل فريق من ثمانية أشخاص, واستعد الفريقان بشكل جيد. وعند اليوم المحدد للسباق كانت تجهيزاتهما متشابهة, لكن اليابانيين فازوا بالسباق بفارق ميل واحد, فغضب العرب كثيرا وانفعلوا وتعكر مزاجهم, مما جعل المدير الأكبر يقول: يجب أن نفوز بالسباق في السنة المقبلة, وقام بتكوين فريق من المحللين لملاحظة ومرافقة السباق وتقديم الحلول المناسبة لما يعترض الفريق فيه من عقبات, وبعد تحاليل عديدة ومفصلة اكتشفوا أن اليابانيين, كان لديهم سبعة أشخاص للتجديف وكابتن واحد, وبالطبع كان لدي الفريق العربي سبعة أشخاص كلهم كباتن وهناك شخص واحد فقط يتولي عملية التجديف, حينها أظهرت الإدارة العربية حلا حكيما وغير متوقع لمواجهة هذا الموقف الحرج فاستعانوا بشركة استشارات متخصصة لإعادة هيكلة الفريق العربي, وبعد أشهر توصل المستشارون إلي مكمن الخلل, وهو وجود عدد كبير من الكباتن وعدد قليل من المجدفين في الفريق العربي, وتم تقديم الحل بناء علي هذا التحليل, وهو أنه ينبغي تغيير البنية التحتية للفريق العربي, وانطلاقا من اليوم سيكون هناك4 كباتن في الفريق يقودهم مديران, بالإضافة إلي مدير رئيسي أعلي, ويكون هناك شخص واحد للتجديف. واقترحوا تطوير بيئة عمل الشخص المجدف وتقديم حوافز أعلي له, وفي السنة التالية فاز الفريق الياباني بفارق ميلين فقام الفريق العربي باستبدال الشخص المسئول عن التجديف فورا بسبب أدائه غير المرضي, وتم تقديم مكافأة تشجيعية للإدارة نظرا لمستواها العالي الذي قدمته خلال مرحلة التحضير, وقامت شركة الاستشارات بتحضير تحليل جديد أظهرت فيه أن الاستراتيجية كانت جيدة والحوافز مناسبة, لكن الأدوات المستخدمة يجب تطويرها, ويقوم الفريق العربي حاليا بتصميم قارب جديد. هذه قصة رمزية إدارية بسيطة للتدليل علي ثقافة الاستحواذ التي أدت إلي فشل الفريق العربي في إحراز السباق, فقد كانت أنانية أفراد طاقم القارب العربي في اعتلاء كراسي الكبتنة هي السبب المباشر في تكرار عدم الفوز بالسباق, وعندما ننتقل إلي ما وصل إليه وضعنا السياسي الراهن من ارتباك وتشتت نجد أن من أهم أسبابه اعتناق هذه الثقافة. لقد بدأنا مشوارنا نحو إقامة دولة مصر الديمقراطية المدنية الحديثة بوضعنا السلم علي الحائط الخطأ, فأطاح بنا إلي بئر عميقة بكل ما فيها من تعقيدات وأخطاء سياسية جعلتنا نعيش حالة كمن يفرك الجرح بالملح.. فمتي نعي الدرس والعبرة مما تتسبب فيه ثقافة الاستحواذ؟ تلقيت هذه الرسالة من الدكتور عوض حنا سعد من سموحة بالإسكندرية, وما أروع المثال الذي ضربه لمسابقة في التجديف بين فريقين أحدهما عربي والآخر ياباني للتدليل علي الفارق الشاسع في التفكير وأسلوب الإدارة بيننا وبينهم, فلدينا الكل يريد أن يصبح رئيسا أو مسئولا, ولا نجد أحدا يفكر في أن يحصر دوره في فريق العمل, والنتيجة طبعا معروفة ونحن جميعا نردد المثل القائل المركب اللي لها رئيسين بتغرق, فما بالنا بأن الكل يريد أن يصبح رئيسا, فإذا تعثر في محاولاته صار يتحدث عن مجلس رئاسي, المهم أن يكسب ولو علي حساب الوطن! كذلك من يريدون الاستحواذ علي كل شيء فلا يكتفون بما هم فيه, ويتطلعون إلي ما في أيدي الآخرين, فهؤلاء آفة أخري موجودة في المجتمع ويجب كشفهم والحذر منهم, وعدم إتاحة الفرصة لهم لتحقيق مآربهم, والسعي إلي استئصالهم إذا لم ينصهروا في بوتقة الوطن, وتغليب مصلحة العامة علي مصالحهم وأهوائهم الشخصية.