طموحات لا حدود لها وآمال كبيرة في مستقبل أرقي وحياة أفضل وثراء سريع أحلام داعبت مخيلة الصغير، وأيقن أنها لن تتحقق إلا بالسفر إلي إحدي الدول الأوروبية. وراحت تراوده الأماني بالحصول علي فرصة عمل كريمة تخرجه من ضيق الحال إلي رغد العيش وسعة الرزق، راسما بريشته حياته الجديدة، وتعليمه الراقي، وعمله المرموق، ومنزله الأنيق، حينما يحط رحاله في القارة العجوز، إلا أن القدر لم يمهله الفرصة الكافية لتحقيق كل أحلامه، ليقف عداد عمره في الغربة عند 6 سنوات قضاها بين أغراب لايعرف عاداتهم ولا درس لغتهم. دأب « محمد عبدالفتاح النجار» منذ صباه علي معاونة أبيه في ورشة صناعة الموبيليا بعزبة المنشاوي القبلية التابعة لمركز السنطة بمحافظة الغربية، وكان يحب العمل، وكل همه مساعدة أسرته علي قسوة الحياة، والقفز بها نحو عيشة أيسر حالا، وكسب قوته بالحلال، من خلال الرحيل إلي بلاد الغرب، غير عابئ بما تؤول إليه الأحداث، وما يتعرض له من مخاطر، فضلا عن الغربة الموحشة، ويلقي مصرعه علي أيدي الشرطة الألمانية حسبما ذكر والده. راح الأب المكلوم يسرد بصوت محفوف بالحزن والحسرة قصة سفر ابنه إلي القارة العجوز، قائلا إنه بعد حصوله علي شهادة الإعدادية عام 2010 استأذن مني في الذهاب إلي الإسكندرية للعمل هناك فوافقت، وبعدها بفترة فوجئنا باتصال هاتفي يخبرنا محمد فيه أنه سافر إلي إيطاليا، ووقتها لم أصدق، وطلب مني إرسال شهادة ميلاده علي عنوانه هناك ليتمكن من استخراج جواز سفر، وأخبرني أنه يكمل درسته، ومن حين لآخر يهاتفنا ليطمئنا عليه، وبعدها انتقل إلي ألمانيا وعلمنا أنه طلب اللجوء الإنساني هناك ومكث فيها نحو 3 سنوات وكان يتقاضي راتبا شهريا من الحكومة الألمانية يقدر ب 400 دولار، وطوال هذه المدة لم يعود إلي مصر. وفي يوم 18 يوليو الحالي تلقيت اتصالا هاتفيا من زميله ويدعي «أمين فاروق» والذي يقيم معه في نفس السكن وأخبرني بوفاة محمد منذ 22يونيو الماضي، وأبلغني أنه تعرض للضرب من قبل الشرطة الألمانية مما أدي إلي إصابته بنزيف داخلي في المخ ومات في المستشفي، بعد أن ألقت القبض عليه بأحد الشوارع بمدينة فرانكفورت بتهمة كسر اللجوء الإنساني والسفر خارج البلاد. فذهبت إلي وزارة الخارجية وقدمت بلاغا، وبدورها خاطبت الخارجية سفارتنا هناك للوقوف علي حقيقة ماحدث مع ابني الذي تقول رواية زميلته أنه توفي في أحد السجون الألمانية، إلا أن الرد تأخر فذهبت مرة أخري إلي الخارجية لمعرفة ما توصلت إليه، وطلبوا مني كل البيانات عن ابني وما حدث معه، وهذا دليل علي أنها لم تعلم عن ابني شيئا، وفي هذه المرة تحركت السفارة وطلبت من السلطات الألمانية التحقيق في الحادث، وكل ما أطلبه هو إعادة جثمان ابني لدفنه في قريته، وسرعة التحقيق في الحادث للوقوف علي أسباب وظروف وملابسات سجن ابني وسبب وفاته، ومعاقبة المخطئ حتي لاتتكرر مثل هذه الجريمة مع أي شاب مصري، وليعلم الجميع أن حياة المصري ليست أقل قيمة من حياة غيره من سكان القارة العجوز. وعن حال الأسرة بعد تلقيها خبر وفاته يقول الأب إننا منذ تلقينا المكالمة المشئومة والأسرة كلها تتملكها الحسرة علي فقدان العزيز الغالي، الذي كتب عليه أن يذوق مرارة الغربة في الصغر، ويموت بعيدا عن أهله ويدفن في أرض غير التي ولد وتربي فيها، أما أمه التي عاشت طوال 7 سنوات تنتظر رجوعه، وتعد الأيام واليالي حتي تقر عيناها به، وتمنت لو كان تزوج قبل وفاته وترك لها حفيدا يحمل ملامحه ويعوضها عن فقدان فلذة كبدها، فقد كادت أن تفقد عقلها عندما سمعت بوفاة محمد، وبلهجة قانعة بقضاء الله وقدره راحت الأم تحتسب نجلها، وتدعو الله أن يزوجه بحور عين.