لماذا كان تفويض الشعب يوم 26 يوليو ضروريا لمواجهة الإرهاب المتصاعد من جماعة احترفت القتل والتدمير؟ العميد خالد عكاشة، مدير المركز الوطنى للدراسات الأمنية، يقول إن رؤية مصر بدأت تشكل نفسها اعتبارا من 30 يونيو 2013 عندما رصدت مساحة كبيرة من المخاطر التى تحيق بها من كل جانب ، وكان فى الواجهة تنظيم جماعة الإخوان الإرهابية ، حيث تكونت بؤرتان إرهابيتان فى رابعة العدوية والنهضة ، وكان بهما الآلاف من العناصر المسلحة والميليشيات بكل أنواع الأسلحة ، إلى جانب وجود نشاط غير طبيعى من باقى التنظيمات الإرهابية فى سيناء ومنها بيت المقدس وبدأوا فى نقل نشاطهم الإرهابى إلى مدن الدلتا ومنها الشرقية والقليوبية والبحيرة والدقهلية ، ناهيك عن العاصمة والجيزة ، وكانت رؤية مصر لهذين المسارين ليس وحدهما، بل رأت أن الإقليم داخل فى العمل المسلح بصورة غير مسبوقة ، لذا كان للقيادات العسكرية والأمنية من تقدير للموقف، فالتقارير تقول إن الإقليم من حولنا والذى يضم ليبيا وسوريا والعراق واليمن وقطاع غزة ودول جنوب الصحراء مثل مالى والنيجر، كلها تدعو إلى القلق وانتشار الإرهاب المسلح ، وأثبتت الشهور والسنوات صحة هذه التقديرات ورؤية مصر الثاقبة وتوقعاتها، وكان تفويض ال 26 من يوليو 2013 من الشعب المصرى لوزير الدفاع وقتها الفريق أول عبدالفتاح السيسى لمكافحة الإرهاب خير دليل على الرؤية المصرية من قادتها وشعبها لوأد الإرهاب واقتلاعه من جذوره . وأضاف عكاشة أن فكرة التفويض ومطالبة وزير الدفاع الشعب بمنحه حق محاربة الإرهاب تتمثل فى إخطار الرأى العام ووضعه فى الصورة ، إلى جانب وضع الشعب فى حالة اصطفاف كامل وحالة توحد لمجابهة أخطار غير مسبوقة ، وأخيرا ; الشعب المصرى قد حسم أمره منذ 30 يونيو بالوقوف صفا واحدا خلف قيادته لدفعها لخوض المعركة ضد هؤلاء الإرهابيين والقضاء عليهم ، مشيرا إلى أن الاستجابة الشعبية تحققت بالملايين فى الميادين ، وشاهدها ورآها الملايين فى كل أنحاء العالم. فالإخوان هم رعاة الإرهاب وسانده بقوة فى ليبيا ومصر وسوريا ، حيث هم من أول من حملوا السلاح فيها من خلال « جبهة النصرة»، وساندوا التنظيمات الأخرى ومنها «داعش» التى انتشرت فى كل مكان. وأكد مدير المركز الوطنى للدراسات الأمنية أن مصر نجحت فى مكافحة الإرهاب وكانت سباقة فى رؤيتها واستراتيجيتها ، والتى جعلت العالم كله الآن يحاول الوقوف صفا واحدا لمكافحة الإرهاب ، فأوروبا بدأ فيها الفصل الأول من اقتحام العناصر الإرهابية لها وقد شملت العمليات الإرهابية فرنسا وبلجيكا وألمانيا ، وسيمتد الإرهاب إلى أمريكا ودول أخرى ، رغم أن التحالف الدولى الذى تشكل منذ نحو سنتين يحاول محاربته ، لكن التعثر فى استراتيجيته ووجود بعض الفجوات والثغرات لم يستطع إنهاك الإرهاب ، وهذا ماجعل أمريكا تلجأ أخيرا إلى نسق آخر وبدأت فى التعاون مع الجانب الروسى ، وعمل مراجعة جديدة للخطط ، وإنتاج استراتيجية جديدة فى المواجهة . ويتفق فى الرأى النائب محمد بدراوي، رئيس الكتلة البرلمانية لحزب الحركة الوطنية المصرية فى أن الفريق أول عبد الفتاح السيسى وزير الدفاع وقتها - كان بعيد النظر ولديه رؤية استراتيجية عميقة عندما طلب فى 24 يوليو عام 2013 من الشعب المصرى التفويض لمحاربة الارهاب الذى ينهش فى جسد الدولة ، ونزل الشعب يوم 26يوليو فى الميادين والشوارع لتفويضه ، مشدداً على أن الارهاب الآن بات خطرا يداهم كل الدول فى العالم حتى أوروبا نفسها لم تعد بمأمن من خطره . وأوضح بدراوى هكذا هم الزعماء يظهرون فى اللحظات الفارقة من تاريخ الشعوب ليغيروا المسارات المنحرفة إلى الطريق السليم بهدف الحفاظ على وحدة الدولة وحماية أراضيها ، مضيفاً لقد نجح الرئيس فى مواجهة الإرهاب خلال الثلاث سنوات الماضية ، فالعمليات الإرهابية تتراجع تدريجيًا ، رغم أن القضاء عليها يتطلب وقتًا أطول فى ظل ما تحظى به الجماعات الإرهابية من دعم القوى الدولية والمخابراتية المعادية لمصر ، مشددداً على أن السيسى لم يعد الآن بحاجة الى تفويض جديد لمحاربة الإرهاب ، لأنه الآن رئيس الدولة وله من الصلاحيات والسلطات ما يمكنه من اتخاذ الإجراءات اللازمة لمواجهة الإرهاب ، خاصة أن كل الشعب يقف خلفه ويدعم مسيرته ويؤيد الحرب الدائرة على الإرهاب . وأكد رئيس الكتلة البرلمانية لحزب الحركة الوطنية المصرية أن مصر عندما اكتوت بنار الارهاب فى السنوات الماضية لم يشعر بآلامها أحد من دول الغرب وبلاد ما وراء المتوسط ، جميعهم كانوا يتفرجون على مصر وهى تخوض حربها العاتية ضد من أرادوا هدمها ، جميعهم لم يسمعوا صوت الرئيس عبد الفتاح السيسى عندما حذر مراراً وتكراراً بان الارهاب يطول الجميع وخطره ممتد بلا حدود ، وشره لن يسلم منه أحد . من ناحية أخرى، يرى الباحث أحمد بان، المتخصص فى شئون الجماعات الإسلامية، أنه بالفعل كان يجب على الدولة مواجهة هاتين البؤرتين المسلحتين وهما رابعة العدوية والنهضة ، والتى كانت جماعة الإخوان الإرهابية تعول عليهما كثيرا ، بل وتراهن عليهما وتوظيفهما فى التصدى والمواجهة المسلحة مع الدولة ونشر الفوضى والتخريب فى أنحاء البلاد ، وهذا كان يستلزم المواجهة لهذين الفصيلين، مشيرا إلى أن الدولة تصدت لهما، لكن خطر الإرهاب مازال قائما، حيث إن اختزال الاستراتيجية فى المواجهة الأمنية فقط هذا قصور ، موضحا أن هناك تضحيات كثيرة يقدمها كل يوم رجال الجيش والشرطة فى سبيل تطهير البلاد ، لكنه يجب ألا تكون المواجهة أمنية فقط ، وإن كانت أحد الحلول ، بل يجب تكاتف كل مؤسسات الدولة لمواجهة هذه الظاهرة وتفكيكها ، فالتعاطى معها أصبح ضعيفا الآن . وأكد «بان» أن غياب المؤسسات الفاعلة فى مواجهة هذه الظاهرة التى أصبحت عالمية ، يؤثر بلا شك على انتشار الإرهاب من عدمه ، مضيفا أنه يجب أن تكون هناك حالة من الاصطفاف الوطنى وعمل استراتيجية عربية موحدة ، فلايعقل أنه لايوجد مركز عربى واحد لمكافحة الإرهاب ، فالفكر أصبح مختزلا فى البعد الأمنى فقط . مكافحة الإرهاب هو مسئولية مجتمع بأكمله .بهذه الكلمات قال اللواء فؤاد علام وكيل جهاز أمن الدولة الأسبق وخبير مكافحة الإرهاب الدولى ، مؤكدا أنه لاتوجد دولة فى العالم تكافح الإرهاب ، ولكنها تحبط مخططات إجرامية لتنظيمات إرهابية ، وهذا ماتقوم به كل دول العالم ، فالقضاء على الإرهاب يحتاج إلى منظومة علمية متكاملة تعتمد على عدة محاور وهى المحورالأمنى و السياسى والثقافى والاجتماعى والإعلامى والدينى والاقتصادى ، وهذه المحاور تتطلب مجموعة من المؤسسات تقوم برعايتها وتبنيها ، فمثلا المحور السياسى تأكد أن الأنظمة الديكتاتورية تسهم فى وجود كثير من الإرهاب من خلال تنظيمات سرية ، ففكرة أن العالم لايحقق العدل يولد العناصر الإرهابية ، خاصة إذا وقع عليها الظلم . المحور الاقتصادى وهذا مانجده فى التفاوت الشديد بين الطبقات ، والذى يخلق حقدا بين فئات المجتمع ، حيث لاتوجد عدالة اجتماعية ، وهذا ماكنا نلاحظه فى تجنيد بعض العناصر والتى كانت تعمل فى بعض الفنادق وتشاهد الأفراح والحفلات والتى تصرف عليها ملايين الجنيهات ، وقد كان تنظيم التكفير والهجرة يقوم بتجنيد هؤلاء العاملين ، بعدما شعروا ورأوا الأموال الطائلة التى تصرف ببذخ ، فكان تكفير المجتمع هو الحل لهم والانتقام منه وهكذا . بينما يكون المحور الدينى بمثابة طوق النجاة والتعديل فى أفكار الكثيرين وهذا ماكنا نقوم به فى المراجعات مع العناصر المتطرفة ، فوزارة الأوقاف والأزهر لهما دور كبير فى هذا ، وهذا ما أكده رئيس الجمهورية مرارا وتكرارا فى تجديد الخطاب الدينى ، والبعد عن المغالاة والتطرف والتشدد. وألمح علام إلى نقطة مهمة وهى أنه إذا كانت الأسباب التى تؤدى إلى الإرهاب موجودة ، فإنه سيكون هناك « تفريخ» لعناصر جديدة مسلحة ، فالإرهاب يهدأ فترة بسبب الملاحقات الأمنية ، لكنه سرعان ماينتشر من جديد وبصورة أكبر . وحول الدعاوى التى تقول إن العرب والمسلمين هم مصدرو الإرهاب إلى العالم قال اللواء فؤاد إن هذه الدعاوى غير صحيحة مطلقة ، فالتنظيمات الإرهابية ظهرت بعد الحرب العالمية الثانية ، وكانت ولادته فى أمريكا حيث العنصرية ، فعشرات التنظيمات ظهرت بها ، ثم فى أوروبا بدءا من إيطاليا ثم أسبانيا ، بينما ظهرت التنظيمات الإرهابية فى مصر فى الستينيات ، والكثير أخطأ عندما بدأ يروج أننا بلاد الإرهاب ، حتى إن كثيرا من أصحاب الأقلام والإعلاميين بدءوا يرددون مثلا تنظيم «الجماعة الإسلامية الإرهابية» ففكرة نسبة الإسلام إلى الإرهاب استغلها الجميع فى تشويه صورة الإسلام . وطالب علام الرئيس السيسى بإنشاء مجلس قومى لمكافحة الإرهاب، يكون نواة بعد ذلك لتشكيل مجلس عربى لمكافحة الإرهاب ، فنحن لنا خصوصية فى المنطقة تتطلب منا التعاون والتكاتف من خلال المحاور التى تم عرضها. وبين كل هذه الآراء التى عرضت رؤية لمكافحة الإرهاب فى مصر وفى الخارج، يقول الدكتور ناجح إبراهيم ،القيادى السابق فى الجماعة الإسلامية ،إنه لابد أن نفرق بين أمرين الأول هو وجود جماعة تحمل السلاح وتمارس الإرهاب ، وجماعة متطرفة فى الفكر ، فالأول له تعامل خاص وهذا يكون من خلال المواجهة ، بينما الثانى يكون من خلال المراجعات والفكر بالفكر ، أما المعالجة الأمنية وحدها فلاتصلح ، حيث قد يكون هناك عقاب جماعى مثلا لأسرة المتهم والقبض عليهم. وأضاف ناجح أن انهيار الدول أدى إلى وجود الإرهابيين ، فالقاعدة نشأت بعد انهيار أفغانستان ، وحركة شباب المجاهدين فى الصومال ، و«داعش» فى ليبيا ، وأنصار بيت المقدس فى سيناء ، خاصة بعد ثورة يناير وحكم الإخوان ، فعودة الدولة الوطنية العادلة هو أولى الخطوات لمحاربة الإرهاب ، ومنع كل الميليشيات المسلحة ، فلا يحمل السلاح إلا الجيش الوطنى ، وليس الميليشيات والتى نشاهدها الآن فى العراق ولبنان وليبيا.