في الليلة الأخيرة للمؤتمر الوطني للحزب الجمهوري قدم المرشح الجمهوري «دونالد ترامب» صورة قاتمة للواقع الذي تعيشه أمريكا وللمخاطر التي تواجه أمن البلاد واستقرارها في الوقت الحالي. وشدد على أن كل هذا حدث بسبب ادارة الرئيس باراك أوباما وبسبب المهاجرين غير الشرعيين والأمريكيين الخارجين عن القانون وأيضا بسبب داعش واللاجئين الآتين الى أمريكا . وأشار الملياردير الأمريكي في خطاب قبوله لترشيح الحزب كرئيس قادم للبلاد الى وعود كبرى سوف تتحقق معه اذا تم انتخابه ومعه أيضا سيتم استعادة مكانة أمريكا ونفوذها. وذكر انه بدءا من 20 يناير 2017 مع تسلم الرئيس القادم لمهامه -سوف يتم استعادة الأمان في أمريكا. وقال «ترامب» موجها كلامه للحاضرين ومن خلالهم للشعب الأمريكي: «اذا كنتم تريدون أن تسمعوا الأكاذيب وأساطير الصحافة فان المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي سوف يقام الأسبوع القادم أما نحن هنا في مؤتمرنا هذا فنحترم الشعب الأمريكي بقول الحقيقة ولا شئ غيرها.» الخطاب بشكل عام وصف أمريكا بأنها محاصرة بالارهاب من الخارج وبالفوضى من الداخل. وقد استمر الخطاب 75 دقيقة و شاهده نحو 35 مليونا. ومثلما كان الأمر طوال أيام المؤتمر فقد حرص «دونالد ترامب» أيضا على مهاجمة «هيلاري» شخصيا وانتقد بشدة أخطاءها وتاريخها السياسى والدبلوماسي قائلا: «ان أمريكا صارت أقل أمانا والعالم أصبح أقل استقرارا مما كان عليه عندما قرر أوباما أن يضع هيلاري كلينتون في موقع المسئولية عن السياسة الخارجية للولايات المتحدة». ذاكرا :«أنا متأكد بأنه كان قرار يشعر أوباما تجاهه الآن بالندم» وقال أيضا:«ان حسها الخاطئ وسوء تقديرها للأمور وهي أشياء أشار اليها بيرني ساندرز قد تسببت في كوارث تتكشف اليوم» واستمر «ترامب» في محاسبة «كلينتون» قائلا: «في عام 2009 وفي زمن ما قبل هيلاري لم يكن داعش أصلا موجودا على الخريطة. ليبيا كانت تتعاون معنا. ومصر كانت في سلام. والعراق كان يشهد انخفاضا في أعمال العنف. وايران كانت مخنوفة بالعقوبات. وسوريا كانت تحت السيطرة» ثم أضاف : «وبعد أربع سنوات من هيلاري كلينتون. ماذا صار لدينا؟ انتشر داعش عبر المنطقة والعالم. وأصبحت ليبيا في دمار كما أن سفيرنا وفريق العمل معه تم تركهم من غير مساعدة ليموتوا على يد قتلة وحوش. ومصر تم تسليمها لحركة الاخوان المسلمين الأصولية ومن ثم تم دفع المؤسسة العسكرية لتتسلم الأمور من جديد. وصار العراق في فوضى. وايران في طريقها للأسلحة النووية. وسوريا انجرفت الى حرب أهلية وأزمة لاجئين تهدد الغرب في الوقت الراهن» ولم يكتف باعطاء هذه الصورة القاتمة للعالم اذ قال «ترامب» أيضا: «..وبعد 15 عاما من الحروب في الشرق الأوسط وبعد صرف تريليونات من الدولارات وموت الآلاف فان الوضع أسوأ مما كان في أى وقت مضى.» مضيفا: « هذا هو ارث هيلاري كلينتون .. الموت والدمار والضعف. ولكن ارث هيلاري كلينتون لا يجب أن يكون ارث أمريكا. وان المشاكل التي نواجهها حاليا الفقر والعنف داخل البلاد.. والحرب والدمار خارجها سوف تستمر فقط طالما واصلنا الاعتماد على السياسيين أنفسهم الذين خلقوا هذه المشاكل» كما قام ترامب بانتقاد اتفاق ايران النووي واصفا اياه بأنه أسوأ اتفاق في التاريخ. ولم ينس الاشارة الى»السور العالي» الذي سيقام ما بين أمريكا والمكسيك. وهجوم ترامب على كلينتون شمل أيضا قضية الرسائل الالكترونية. ولاحظ المراقبون أن ترامب كرر في خطابه ما كان يقوله طوال السنة الماضية خلال الانتخابات التمهيدية وهو يخاطب مخاوف الأمريكيين و»يدغدغ مشاعرهم» . ذاكرا في لحظة ما بخطابه: « لا أحد يعرف النظام أفضل مني» وانه «الوحيد القادرعلى اصلاح الحال». كما أنه وعد باستعادة القانون والنظام في البلاد. وقال أيضا».. سوف أحارب من أجلكم وسوف أنتصر من أجلكم» و»أنا صوتكم». صحيفة «واشنطن بوست « وصفت «ترامب» في اليوم التالي للخطاب وفي افتتاحية لها بأنه بلا لبس «غير مؤهل» لكي يكون رئيسا وأنه يمثل «تهديدا مميزا» للديمقراطية الأمريكية والدستور الأمريكي. وبررت الصحيفة موقفها الاستباقي من المرشح ترامب وقالت: « نحن لا نستطيع توجيه التحية للمرشح الجمهوري أو التظاهر بأننا قد نؤيده في الخريف. ان رئاسة ترامب ستكون خطيرة للأمة وللعالم» ما شد الانتباه خلال أيام المؤتمرالوطني للحزب الجمهوري أن ما وحد ويوحد وسوف يوحد الحزب في الأيام والأسابيع المقبلة هو اذكاء الكراهية والعداء تجاه «هيلاري كلينتون» وتكرار الحديث بأن تسليم أمور البلاد لها لهو أمر خطير لا يمكن تقبله وقبوله أو السماح بحدوثه لأنها ستكون «كارثية» على أمريكا وشعبها. والكلمات التي ألقيت في المؤتمر بدت غالبا أنها «تنويعات مختلفة على نغمة واحدة» والعبارة التي تكررت على لسان أكثر من مشارك جمهوري في المؤتمر «بالنسبة لي واضح تماما ما فعلته هيلاري كلينتون وبالتالي الأمر المحسوم بالنسبة لي الي من سأعطي صوتي». والتنويعات شملت أن هيلاري كلينتون لا يمكن الوثوق بها. هيلاري كلينتون لا يمكن أن تقود البلاد ولا يمكن أن تكون رئيسا لأمريكا ولا قائدا أعلى لقواتها المسلحة. وقد وصفوا «هيلاري» بأنها «نصابة» وانطلقت في المؤتمر ولمرات عديدة صيحات مطالبة «بالقاء القبض عليها» أو «احتجازها» بسبب انتهاكها ومخالفتها للقوانين وخاصة في قضية الإيميلات واستهتارها في الحفاظ على أسرار الدولة أو هكذا قال من كان على المنصة وانطلقت الصرخات بين جمهور الحاضرين. وبانتهاء المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري في كليفلاند بولاية أوهايو تترقب الدوائر السياسية استطلاعات الرأي التي ستجرى عقب المؤتمر لقياس ومعرفة ما تحقق من شعبية للمرشح الرئاسي بسبب ما قاله ترامب وما قاله الآخرون خلال أيام المؤتمر وهل نجح المؤتمر في جذب الأصوات الحائرة والمترددة بين الجمهوريين والمستقلين، بالاضافة الى الدور الذي لعبه اختيار المرشح كنائب الرئيس ( مايك بنس حاكم ولاية انديانا) في توحيد صفوف الحزب وخاصة لدى اليمين المسيحي المتشدد، وهل من كانوا مع السناتور «تيد كروز» سيتخلون عنه ويذهبون الى «ترامب»؟ وبالطبع ما هي فرص واحتمالات فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية المقبلة؟. كما ستراقب الدوائر السياسية كيف سيحاول ترامب اضافة شرائح أخرى من المجتمع الأمريكي (بجانب الصوت الأبيض الغاضب المتشدد) لصالحه في العملية الانتخابية خاصة بعد أن صار المرشح الرسمي للحزب الجمهوري. وقد بدأ في تشكيل ادارته واختيار مستشاريه وتوسيع دائرة اتخاذ القرار لديه لتضاف الى خبرته الذاتية خبرة مؤسسة الحزب وآليات تحركاتها في تحقيق حملة انتخابية أكثر تنظيما وأعمق تأثيرا من الآن الى نهاية أكتوبر. ولا شك أن الحزب الجمهوري في مؤتمره المنعقد في كليفلاند ومن خلال اجتماعاته ولقاءاته ونقاشاته قد بدا منقسما ولديه تخبط واضح في ترتيب الأولويات وأيضا في حاجة الى اجراء مراجعات تقييم وتطوير وتحديث من أجل مواجهة تحديات الحاضر والمستقبل وأيضا من أجل التعامل مع التغيير الديموجرافي للشعب الأمريكي. الحزب الجمهوري بوضعه الحالي يثير القلق خاصة أنه صار حزب «ترامب» (مثلما حذر بعض حكماء الحزب). واذا كان «ترامب» هز أركان المعبد الجمهوري وأعمدته. فمن الذي سيأخذ الخطوات المقبلة حتى لا ينهدم المعبد على من فيه سواء كسب «ترامب» أو خسر في نوفمبر المقبل.