الرئيس السيسي يصدر قرارين جمهوريين    البنك المركزي المصري يحسم اليوم مصير أسعار الفائدة في رابع اجتماعات 2025    محافظ أسيوط: إنشاء مصنع لإنتاج التقاوي والأسمدة واستصلاح 2 مليون فدان    وزيرا الكهرباء والإسكان يبحثان خطة دعم التوسع في استخدامات الطاقة المتجددة    تراجع أسعار النفط وسط قلق الأسواق من سياسات ترامب التجارية    وول ستريت جورنال: إدارة ترامب اقترحت على 5 دول إفريقية استقبال المهاجرين بعد ترحيلهم من أمريكا    كييف تحترق، انفجارات قوية تهز العاصمة الأوكرانية ودوي صفارات الإنذار (فيديوهات)    إصابة جندي إسرائيلي في عملية طعن بالضفة الغربية    باريس سان جيرمان وتشيلسي في نهائي كأس العالم للأندية.. الباريسي يكتسح الريال برباعية ويسعى للخماسية.. عثمان ديمبلي يقترب من الكرة الذهبية.. وإنجاز تاريخي ينتظر حكيمي    امتحانات الثانوية العامة 2025، ولية أمر تنتظر ابنتها بالورود أمام لجنة بالجيزة (صور)    في حالة توتر وترقب، انتظار أولياء أمور الطلاب الثانوية العامة أمام لجان الامتحان (صور)    التركيز على السماعات، تفتيش ذاتي لطلاب الثانوية العامة بالدقهلية قبل دخول لجان الامتحانات (صور)    بصورة ودعاء، تامر حسني ينعي المخرج سامح عبد العزيز    بعد وفاته المفاجئة، تفاصيل الساعات الأخيرة في حياة المطرب الشعبي محمد عواد    الحكومة السورية: نرفض التقسيم أو الفدرلة و نؤكد تمسكنا بمبدأ سوريا واحدة    إسرائيل تعترض صاروخًا باليستيًا أُطلق من اليمن    بخطوة غير مسبوقة.. فرنسا وبريطانيا تعلنان استعدادهما لتنسيق ردعهما النووي    طقس اليوم الخميس.. تحذير للمصطافين    أمطار ورياح في «عز الحر».. فوضى مناخية تضرب الصيف    العمل تواصل جهودها لدعم التشغيل وتحقيق بيئة عمل آمنة بالمحافظات    تزوج روبي وأخرج «حلاوة روح».. 5 معلومات عن الراحل سامح عبد العزيز    أسعار الفراخ اليوم الخميس 10-7-2025 بعد الهبوط الجديد.. وبورصة الدواجن الرئيسية الآن    منذ فجر الأربعاء.. استشهاد أكثر من 100 فلسطيني في مختلف مناطق غزة    قانون الإيجار الجديد.. هل يُنهي صراعات الماضي؟    بعد اقتراب ياسين مرعي.. 7 لاعبين ارتدوا قميص الأهلي بعد الزمالك آخر 10 سنوات    «عشان أوضة اللبس».. محمد عمارة يُطالب الأهلي ببيع وسام أبو علي وزيزو وإمام عاشور    غضب داخل ليفربول تجاة ثنائي الفريق بسبب عدم احترام وفاة جوتا    بعد اقتراب رحيله.. ماذا قدم مصطفى شلبي مع الزمالك؟    «من أوروبا».. صفقة من العيار الثقيل على أعتاب الأهلي (تفاصيل)    أسعار الحديد والأسمنت اليوم الخميس 10-7-2025 بعد تجاوز حديد عز 39 ألف جنيه    رابط الاستعلام عن نتيجة التظلمات في مسابقة 20 ألف وظيفة معلم مساعد    الهيئة العليا للوفد توافق على طلب رئيس الحزب بطرح الثقة في نفسه    اليوم الخميس| آخر تقديم ل 178 فرصة عمل بالإمارات ب 24 ألف جنيه    "الأهالي مسكوه متلبس".. حكم قضائي ضد المتهم بسرقة شاب بالإكراه في الجيزة    "جروك".. آداة ماسك للذكاء الاصطناعي ترشّح "هتلر" للتعامل مع اليهود    فلكيًا.. موعد إجازة المولد النبوي 2025 في مصر للقطاع العام والخاص والبنوك والمدارس    البابا تواضروس الثاني يتحدث عن "صمود الإيمان" في اجتماع الأربعاء    هبوط حاد ل الدولار الأمريكي اليوم الخميس 10-7-2025.. وارتفاع باقي العملات الأجنبية    برومو فيلم «الشاطر» يقترب من تحقيق 8 ملايين مشاهدة في أقل من 24 ساعة    بالصور| السقا يحتفل بفيلمه "أحمد وأحمد" مع جمهوره في دبي    من مباراة الأهلي لشرط الحجاب.. القصة الكاملة لزوجة محمد النني للمرة الثانية    تفاصيل حلقة أحمد السقا في برنامج مها الصغير.. و"ON E" تحذف "البرومو"    الوداع الأخير.. المطرب محمد عواد في عزاء أحمد عامر ثم يلحق به اليوم فجأة    ما حكم الوضوء بماء البحر وهل الصلاة بعده صحيحة؟.. أمين الفتوى يحسم (فيديو)    الولايات المتحدة تشهد أسوأ تفش للحصبة منذ أكثر من 30 عاما    نجم الأهلي السابق ينصح برحيل ثلاثي الفريق    ما أحكام صندوق الزمالة من الناحية الشرعية؟.. أمين الفتوى يوضح    عانى من علامة "غريبة".. رجل يكتشف إصابته بسرطان عدواني    أهالي المفقودين في «غرق الحفار»: «منتظرين جثامينهم.. عايزين ندفنهم»    لرسوبه في التاريخ.. أب يعاقب ابنه بوحشية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 10-7-2025 في محافظة قنا    عصام السباعي يكتب: الأهرام المقدسة    تذكرتى تطرح برومو حفل أنغام نجمة افتتاح مهرجان العلمين بنسخته الثالثة    موقف صلاح مصدق من الرحيل عن الزمالك    عميد القلب السابق يكشف المؤشرات الأولية ل الإصابة ب الجلطات (فيديو)    مستشار الرئيس لشؤون الصحة: ظهور متحور كورونا الجديد «نيمبوس» في 22 دولة    أصيب به الفنان إدوارد.. 5 علامات تكشف إصابتك بسرطان الكلى    «ترقب ومعاناة».. طلاب الثانوية العامة يروون ل«المصري اليوم» رحلة البحث عن الإنترنت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الفساد مشكلة مجتمع أم نظام؟
نشر في الأهرام اليومي يوم 11 - 07 - 2016

على الرغم من الانتقادات التى يمكن أن توجه لمجلس النواب ككل، فإنه فى بعض الحالات يبدو وقد أصاب هدفه حتى قبل أن تنتهى المهمة، وأشير هنا إلى لجنة تقصى الحقائق التى شكلها المجلس بشأن إهدار المال العام فى توريد القمح، وبالرغم من أن عمل اللجنة لم ينته بعد، ومازال أمامه شوط طويل جدا، إلا أن بعض النتائج الأولية لما تم ضبطه ورصده من قبل اللجنة فى بعض الصوامع الحقيقية أو الوهمية يظهر نتائج مذهلة، وحين تكتمل اللجنة أعمالها فسوف نكون أمام واحدة من أكبر قضايا الفساد فى مصر. ونذكر هنا أنه أثناء توريد القمح المزروع محليا تم تصوير الأمر بأن هناك مشكلة كبرى قوامها أن الناتج أكبر بكثير من قدرات التخزين للصوامع التى تتعامل معها وزارة التموين، كما أثيرت مشكلة أخرى تتعلق بأن بعض التوريدات كانت خليطا من منتج محلى وآخر مستورد بهدف الحصول على فارق الدعم الذى تقدمه الدولة لمزارعى القمح، وكانت صور عديدة نشرتها صحف مختلفة لكميات من القمح إما على سيارات نقل أو فى مناطق مفتوحة تنتظر الفرج إلى أى صومعة تتجه، وعندها قيل الكثير من التعليقات والمقالات التى انتقدت أداء الحكومة التى ترى أمامها انتاجا غزيرا من القمح المحلى والذى يوفر لها العملة الصعبة النادرة ، ولكنها تعجز عن توفير الصوامع المناسبة لتخزين، مما دفع الحكومة إلى أن تتخذ قرارا بالسماح بتوريد كل الكميات المنتجة إلى ما يعرف بالُشون المفتوحة.
لقد بدا أمام الجميع أن موسم انتاج القمح المصرى قد حقق أهدافه فى توفير نسبة عالية من القمح المقرر استهلاكه، وبالتالى تخفيف الضغط على الموازنة العامة والتى بات عليها أن تستورد نسبة أقل مما كانت تستورده فى الأعوام السابقة، وترجمة ذلك تخفيف الضغط على طلب العملة الصعبة. كل ذلك يبدو الآن مجرد وهم وخديعة كبرى وخيال تم نسجه جيدا وتم تصديره للرأى العام من قبل أرفع مسئولى وزارة التموين باعتباره إنجازا كبيرا لم يتحقق من قبل. والمعلومات الأولية للجنة تقصى الحقائق بشأن توريد القمح وبعد زيارة عدد محدود جدا من الصوامع تكشف حقائق ألا يجب تمر مرور الكرام، فحين يقال رسميا إنه تم توريد أكثر من خمسة ملايين طن قمح، ثم يكتشف بعد الجرد الجزئى والحقيقى أن ما تم توريده لا يتجاوز نصف ما أعلن رسميا، وفى أكثر الأحوال ثلاثة ملايين طن، فنكون أمام أكبر سرقة تحدث جهارا نهارا لقوت المصريين والموازنة العامة.
مثل هذه السرقات الكبرى تكشف أنواعا من الفساد المركب ما بين متوسط المستوى والعالى المستوى، وأننا أمام مافيا مركبة ومعقدة تتشكل من موظفين فى وزارة التموين فى مستويات إدارية مختلفة لا ضمير لهم، وأصحاب صوامع حقيقيين أو وهميين كل ما يعنيهم هو الحصول على أموال لا يستحقونها، ووسطاء يعرفون طرق الإغواء والتلاعب بالأوراق والمحررات والمستندات, وطرق الحصول على العمولات وإخفاء الجريمة وكأن شيئا لم يكن. إنه فساد مجتمعى شبكى يجمع بين موظفين عامين ومواطنين عاديين، يمتزج فيه انحطاط الاخلاق والقيم وغياب الرقابة الذاتية، وضعف العقوبات القانونية، بل والقدرة على تجاوزها دون أى تردد أو تخوف من التعرض للعقاب. ومن وراء ذلك نظام إدارى بيروقراطى متهافت كلما بقى على حاله، سوف تستمر هذه الأنواع من الفساد الشبكى المركب. ولا عزاء لمن ينادون بضرورة وبسرعة هيكلة البيروقراطية المصرية رأسا على عقب، وألا تأخذنا شفقة أو رحمة فيمن اعتاد الفساد ونشره.
واليقين أن هذه ليست المرة الأولى التى يحدث فيها مثل هذا التلاعب وهذا الفساد المركب فى توريد القمح، وهو ما يطرح أسئلة عديدة حول فعالية الأجهزة الرقابية الموجودة داخل وزارة التموين وأين كانت فيما سبق، وكذلك دور الأجهزة الرقابية الأخرى التابعة للرئيس أو البرلمان أو غيرهما. ودون استباق للنتائج التى سوف تصل إليها لجنة تقصى الحقائق البرلمانية بعد أن تستكمل أعمالها يمكن الإشارة إلى ثلاث ملاحظات جوهرية؛ الأولى أن هذا النوع من الفساد الشبكى يتطلب تشريعات خاصة تفرض أقسى عقوبات ممكنة على كل المتورطين فيه مهما تكن مواقعهم أو نفوذهم. الثانية أن نجاح لجنة تقصى الحقائق فى التوصل إلى حجم المشكلة وفى رصد أسبابها والمتورطين فيها، كفيل بأن يصدر صورة إيجابية ولو نسبية لمجلس النواب من حيث قدرته على الحفاظ على حقوق البلاد، كما أنه كفيل بأن يصحح الصورة العامة لنظام 30 يونيو بأن مؤسساته وبعد أن اكتمل بناؤها أصبحت وسيلة فعالة فى القضاء على الفساد. وثالثا أن النتائج التى سيتم التوصل إليها لابد أن تترجم سريعا فى إجراء قانونى قضائى ضد كل من ثبت تورطه فى هذا العمل الدنىء، أيا كان منصبه فى وزارة التموين أو غيرها من الوزارات إن وجدت، وكذلك فى إجراء تشريعى يصحح الثغرات القانونية التى استفاد منها هؤلاء الفاسدون طوال السنوات الماضية مع تغليظ العقوبات بما يناسب حجم هذا الفساد الهائل، وكذلك وضع نظام محكم لتوريدات القمح المنتج محليا وبما يغلق الباب أمام أى فاسد حتى لو سعى لنشر فساده. ندرك جميعا أن الفساد بمستويات معينة، توصف بالمستويات الدنيا كالرشى البسيطة أو الإكراميات التى أصبحت بمنزلة عُرف مجتمعى من أجل إتمام أعمال قانونية غير مُجرمة يصعب القضاء عليها تماما، وهنا تبرز مسئولية المجتمع بمؤسساته الطوعية فى إعلاء القيم الإخلاقية والدينية والسلوكيات السوية، ويبقى على منظومة الحكم أن توفر أساليب الرقابة الفعالة والردع القانونى السريع، ودون التكامل بين هذين المسارين ستظل قضية مكافحة الفساد بمستوياته المختلفة نوعا من الأمل الكاذب.
لمزيد من مقالات د. حسن أبو طالب


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.