منذ سنوات وانا أحذر من كوارث كثيرة لحقت بالإعلام المصرى وكثيرا ما قلت ان الإعلام اصبح من اهم اسلحة الدمار الشامل فى العصر الحديث وان الحروب لم تعد جيوشا ومعارك فقط ولكن الإعلام اصبح الآن شريكا خطيرا ومؤثرا فى كل ما يجرى على الأرض من انتصارات وهزائم فلم تعد الدول فى حاجة الى الصواريخ عابرة القارات فقط ولكنها احوج ما تكون لإعلام قوى قادر على ان يقلب موازين الأشياء والأحداث والبشر.. للأسف الشديد اننا لم ننتبه لخطورة ما حدث للإعلام المصرى وعلى امتداد سنوات كان الإهمال والتواكل سببا رئيسيا فى موجات الفساد التى اجتاحت الإعلام المصرى بكل طوائفه واتجاهاته .. لا يستطيع احد ان ينكر حالة الكساد والترهل التى لحقت بالإعلام الحكومى فى السنوات الماضية امام اعداد رهيبة من البشر تكدست فى المكاتب حتى تجاوز عدد العاملين فى ماسبيرو 45 ألف موظف، بينما يحتاج العمل بضع آلاف لا تتجاوز اصابع اليد الواحدة, دخل الإعلام الحكومى حالة من الغياب وللأسف الشديد ان الدولة تركته يلقى هذا المصير المؤلم حين رحلت معظم الكفاءات فيه وارتفع حجم الديون حتى تجاوز الآن 20 مليار جنيه وكان ذلك كافيا لأن يضيع اى جهد او محاولة إنقاذ امام واقع مؤلم شديد الضراوة وكانت النتيجة ان انفض الشارع المصرى عن الإعلام الحكومى باحثا عن مصادر اخرى مصرية خاصة او عربية او مجهولة المصدر والمكان . حين تم مشروع الزواج الباطل فى السنوات العجاف فى العهد البائد كانت البداية, لدخول القطاع الخاص مجال الإعلام من خلال علاقة جديدة بين الدولة ورأس المال وفى البداية نشأت فضائيات قليلة كان لها دور بارز فى تنشيط الإعلام المصرى وقد حاولت هذه الفضائيات ان تلتزم بقضايا المجتمع والتحولات الكبرى فيه بجانب حرصها على جوانب مهنية واخلاقية التزم بها الإعلام المصرى طوال تاريخه . حين تشابكت العلاقات وامتدت بين السلطة ورأس المال توسع رأس المال فى الدخول الى الأنشطة الإعلامية فكان إصدار الصحف الخاصة وفتح آفاق جديدة للفضائيات على اساس انها تحمل فكر رجال الأعمال وتحمى انشطتهم واعمالهم بل ان البعض اعتبرها فى فترة من الفترات وسيلة ضغط على سلطة القرار إذا تطلبت الظروف ذلك .. حين قامت ثورة يناير وظهرت مؤشرات وبوادر تؤكد ان العهد البائد فى طريقه للرحيل تخلت حشود الإعلام الخاص عن النظام ولم تكن حريصة على حمايته او الدفاع عنه فقد بدا امامها ان فرصه فى البقاء والإستمرار تبدو مستحيلة وهنا شارك الإعلام الخاص فى إسقاط هذا النظام لتجئ مرحلة المجلس العسكرى بكل ما احاط به من الظروف والملابسات وان ابتعد عن الإعلام وبقى بعيدا عن الصدام معه او الإتفاق حتى كانت لحظة انقضاض الإخوان المسلمين على السلطة فى مصر . لاشك ان الإعلام المصرى ساهم بقوة فى إسقاط نظام الثلاثين عاما رغم انه نشأ فى رعايته وحمايته ودعمه .. على الجانب الآخر تحفظ الإعلام المصرى على موقفه مع المجلس العسكرى فهو إذا لم يكن قد شارك فى دعمه فقد حرص على ألا يواجه اعتقادا منه بأنه فترة عابرة وان هناك احداثا أخطر واهم سوف تأتى بها الأيام .. طوال فترة حكم الإخوان تحفظ الإعلام المصرى ما بين الخوف والحذر ولكنه استطاع ان يكسب مساحة واسعة فى معارضته وكشفه للمخاطر التى حملها حكم الإخوان على مصر والمصريين وهنا كان تأييده الشديد لثورة يونيو وموقفه المؤيد تماما للشارع المصرى ودعمه للجيش فى إسقاط نظام الإخوان .. وخرج الإعلام من معركته مع الإخوان منتصرا وهنا ازدادت ثقته فى نفسه ودوره ومدى تأثيره حتى انه تصور للحظة ما انه يمثل العنصر الأساسى فى قيام ثورتين وعزل رئيسين .. ورغم ان هذا الإحساس فيه شىء من الحقيقة إلا انه كان سببا فى حالة اعتداد شديد بالذات جعلت بعض الإعلاميين يتصورون انهم زعماء سياسيون وهنا اختلط دور الإعلامى والسياسى وكانت التجاوزات والأخطاء على المستوى المهنى والسلوكى والأخلاقى .. اختفى دور الإعلام بما يتطلبه من مقومات وطغى دور السياسى بحيث بدأ الصدام بين نظام ثورة يونيو وقد جاء بإرادة شعبية جارفة وبين رموز إعلامية تصورت انها صاحبة الثورة وانها قادرة ان تصنع اكثر من ثورة إذا كانت قد اسقطت نظامين واطاحت برئيسين .. هنا نصل الى القضية الأهم والأخطر وهى ان الإعلام كان دائما فى خلاف مع السلطة اى سلطة لأنه يبحث عن الحقيقة ولأنه أخذ موقف الشعوب دائما فى دفاعه عن الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية .. كان الإعلام دائما يجسد احلام الناس وتطلعاتهم ولهذا كانت السلطة دائما تتعامل معه بحذر شديد انها لا تثق فيه كثيرا ولكنها تحاول ان تصدقه, انها لا تأمن غدره ولكنها حريصة عليه وقبل هذا كله انها تخاف ان يتحول الى سلاح فى يد غيرها .. وفى السنوات الأخيرة من الزواج الباطل بين العهد البائد ورأس المال كان الإعلام طرفا مؤثرا ولكنه كان خاضعا بصورة ما لسلطة الدولة وان تمرد احيانا وعمل لحساب اصحابه وحين جاء وقت الحسم والإختيار لم يكن الإعلام حريصا على إنقاذ النظام وهو يتهاوى امامه وسرعان ما عاد الى سيرته الأولى فى احضان رأس المال صاحب القرار وصاحب المصلحة .. حين تخلى رجال الأعمال فى اللحظات الأخيرة عن العهد البائد كان الإعلام الأسرع فى السعى الى القادمين الجدد حتى وان كان لا يعرفهم . تحملت مصر اثارا كثيرة سيئة فى ظل الزواج الباطل بين السلطة ورأس المال كان هذا الزواج وراء إنشاء طبقة جديدة هدمت كل الثوابت التى قام عليها الواقع الإجتماعى المصرى فى توافر حد ادنى من العدالة والقيم الإجتماعية الراسخة وقضايا الحلال والحرام والفرص المتكافئة والمساواة وشىء من الحريات حتى وان كان قليلا .. كان زواج رأس المال والسلطة وبالا على المصريين حين تم اختصار المجتمع بكل فئاته فى مجموعة من الأشخاص استولوا بدون وجه حق على ثروة الوطن واستباحوا كل شىء فيه ولاشك ان هذا الزواج ترك اثارا سيئة على الشارع المصرى حين قسمه الى سكان المنتجعات وضحايا العشوائيات وانقسم المصريون فى اساليب الحياة والمعيشة والتعليم والصحة والإسكان وفرص العمل والوظائف .. كانت تجربة قاسية مازلنا حتى الآن نعانى منها وندفع ثمنها فى كل شىء ولاشك ان الإعلام لعب دورا سيئا فى هذا السياق فقد استخدمه رجال الأعمال لتهويش السلطة وتضليل الشعب ووضع قواعد جديدة لحركته واسلوبه فى الحياة حتى تأصلت الخطايا وأصبحت ثوابت اجتماعية واخلاقية وسلوكية . هنا اقول نحن الآن نعيش صورة جديدة من صور الزواج الباطل ليس بين السلطة ورأس المال ولكن بين رأس المال والإعلام وربما يكون هذا الزواج هو الأخطر والأسوأ لأنه يضع الإعلام فى مواجهة مع الشعب .. ان المفروض ان يقف الإعلام مع قضايا الشعب ضد السلطة وضد رأس المال وضد كل من يحاول ان يعتدى على حقوق هذا الشعب .. ان الإعلام هو محامى الشعب والمدافع عن حقوقه وحين يصبح شريكا او بوقا لرأس المال فهو يتخلى عن دوره ومسئولياته .. هناك هجوم كاسح على الإعلام الآن من رأس المال بالشراء والبيع والتنكيل والتقسيم والفصل وما يحدث فى الفضائيات كارثه كبرى فهى تقع كل يوم فريسة رجل من رجال الأعمال .. والغريب ان للإعلام اشخاصا ايبحثون عنه ويجيدون التعامل مع انشطته واستثماراته ولكن هناك اشخاص لا يملكون غير المال وينقضون الآن على هذا المجال الخطير ولا احد يعلم ماذا وراء ذلك كله .. هناك رءوس اموال اجنبية تتدفق الآن على الإعلام المصرى ولا احد يعلم مصادرها إلا إذا كانت الحكومة تعلم، وهناك شواهد كثيرة تؤكد ما اقول، وماذا يعنى كل هذا العدد من المسلسلات التى عرضت فى شهر رمضان وفيها عشرات بل مئات الألغام عن نماذج مشوهة للقدوة من تجار السلاح والمخدرات امام فشل ذريع للأمن وكأننا دولة بلا أمن ولا تجد من يحميها.. ماذا يعنى الإحتفال فى جاردن سيتى قلب القاهرة واقدم احيائها بتحويل طفل مصرى مسلم الى الديانه اليهودية وقوات الأمن تحرس الإحتفالية.. ماذا يعنى كل هذا الكم من تجار المخدرات وجلسات الشم والمصحات النفسية وهذه الخمور التى تتدفق على الشاشات كل ليلة .. ماذا تعنى هذه الإعلانات حول منتجعات القاهرة والشواطئ والفيلات والقصور التى تستفز اناسا يعيشون فى العشوائيات ولا يجدون الماء وليس الخمور.. ماذا يعنى هذا الكم الرهيب من إعلانات التسول للمستشفيات وما بين صور التسول والخيانه والخمور وسكان القبور تبدو صورة مصر العظيمة فى اسوأ احوالها.. لا اعتقد ان كل هذه المشاهد تتم بلا تخطيط او قصد.. إذا كانت بلا تخطيط فهذه كارثة وإذا كانت بلا وعى فهى مؤامرة فى كل الحالات ولابد ان نفيق.. كانت الحروب فى زمان مضى قاصرة على السلاح والفرسان والمعارك ولكن الإعلام الأن يقوم بكل هذه الأدوار انه يخرب ويهدم ويقتل ويشوه ويغير الأديان والعقائد. ليس لدى ما اقدمه للدولة غير ان اطالب الحكومة بأن تنظر للإعلام قليلا وان تتابع ما يجرى من صفقات مريبة واموال غريبة تتدفق الأن فى الساحة الإعلامية ولعل حالة الإنقسام التى يعيشها الإعلام المصرى الآن بكل اتجاهاته تؤكد اننا امام كارثة فهناك اكثر من إعلام.. نحن امام إعلام ماسبيرو بكل ازماته وامام الفضائيات الخاصة بكل ما يحيط بها وبأموالها واصحابها من الغموض وامام انتاج فنى نخطئ إذا تصورنا انه شىء عادى وليس وراءه سموما او اهدافا او اغراضا مشبوهة وقبل هذا كله من أين كل هذه الأموال وكيف وصلت الى هذه الأرقام التى تدخل فى دنيا المخدرات وليس عالم الفن والإبداع .. كان زواج السلطة ورأس المال اكبر خطايا العهد البائد ولا اتصور ان يكون زواج الإعلام ورأس المال من ثمار ثورة يونيو.. اللهم قد بلغت اللهم فاشهد لقد حذرت فى الماضى ولم يسمعنى احد.. واليوم أحذر وارجو ان يصل صوتى الى من يهمه الأمر . «قصيدة «أعاتب فيك عمرى» سنة 2000» ..ويبقى الشعر بُعْدى وَبُعْدٌكِ لَيْس فِى إمْكَانى فأنَا أمُوتُ إذا ابْتَعَدْت ثَوَانى وأنَا رَمَادٌ حَائر فِى صَمْتِهِ فإذا رَجَعْتِ يَعُودُ كَالبُركان ِ وَأنَا زَمَانٌ ضَائِعٌ فى حُزْنِهِ فإذا ابْتَسَمْتِ يَرَى الوُجُودَ أغَانِى وَأنَا غَمَامٌ هَائِمٌ فِى سِرِّهِ وَسَحَابَة ٌ كَفَّتْ عَن ِ الدَّورَان ِ وأنَا نَهَارٌ ضَللتْهُ نُجُومُهُ صُبْحٌ وَليْلٌ كَيفْ يَجْتمِعَان ِ وَأنَا أمَامَ النَّاس لَحْنٌ صَاخِبٌ وَأمَامَ حُزْنِى أشْتَكِى وَأعَانى وَأنَا أغِيبُ عَن ِ الوُجُودِ إذا الْتَقَى شَوْقِى وشَوْقُكِ فِى عِنَاق حَان ِ أنا لا أرَاكِ دَقيقَة ً ألْهُو بِهَا أوْ لَحْظَة ًحَيرَى بلا عُنوَان ِ أنَا لا أرَاكِ قَصِيدَة ًمِنْ سِحْرهَا سَكَرَ الزَّمَانُ وأطْرَبَتْهُ مَعَان ِ أوْ مَوْجَة ً أغْفُو قَليلا ًعِنْدَهَا فَإذا انتَشَتْ هَرَبَتْ إلَى الشُّطْان ِ أوْ رَشْفَة ًمِن كَأس ِ عُمْر ٍ هَاربٍ يَا وَيْحَ قَلبِى مِنْ زَمان ٍ فان ِ هلْ أسْتعيدُ لدَيْكِ كلَّ دقيقةٍ سرقتْ صباىَ وأخمدتْ نيرَانِى؟ مَنْ يُرْجعُ الطَّيْرَ الغريبَ لروضةٍ نسيتْ عبيرَ الزِّهْر والأغْصان ِ عُمْرٌ توارَى عانقتهُ دُمُوعُنا عَبَرتْ عليهِ مواكبُ الأحْزان ِ وَتَوَسَّدتْ أشواقنا أيَّامَهُ وتلألأتْ مِن شَدْوه ألحَانِى تبقينَ سرًّا فى الحَيَاة وفرْحَة أسْكنتهَا قلْبى ودفْء حَنانى أبْقيكِ فى صَمْتِ الخَريفِ سحابَة ً كمْ عطَّرَتْ بأريجهَا وجْدَانى عُمْرى وعُمْرُك قصة ٌ منقوشة ٌ فوْقَ القلوبِ بأجْمَل الالوَان ِ كمْ عشتُ قبلكِ ألفَ حلْم ٍ زائفٍ كمْ كبَّلتنى بالْخدَاع أمَانِى أنا لا ألُومُ العُمْرَ حينَ تبلدتْ أيَّامُهُ سَأمًا عَلى الجُدْران ِ لكنْ ألومُ الدهْرَ كيفَ تكسَّرَتْ فى راحتيْهِ أزاهرُ البُسْتان ِ يوْمًا حَسبْتُ بأنَّ آخرَ عهدنا بالُحبِّ لحنٌ عابرٌ أشجانِى وَالآنَ عُدْتُ كأنَّ لحْنِى ما ابْتدَا وكأنَّنَا فى عُمْرنَا طفلان ِ قدْ تسْألينَ الآنَ : ما أقْصَى المُنَى؟ قلْبِى وقلبُكِ حِينَ يلتقيان ِ إنِّى أعَاتبُ فيكِ عُمرى كلهُ يَا ليْتَ عُمْرى كانَ فى إمْكَانِى. [email protected] لمزيد من مقالات فاروق جويدة