مازالت الشكوك تراود الناخب الأمريكى حول قدرة وأمانة كل مرشح للرئاسة من كلا الحزبين. لم نشهد حتى الآن فى الصخب السائد من المواجهات السياسية والاعلامية الا ما يخص غالبا الأمور الشخصية وتاريخ كل مرشح ومدى الفساد فى سجله و"عدم الثقة" تجاهه. ما يعد جدلا بين مواقف وسياسات جادة لم يطرح على الساحة. وانحصر الحديث فى انتقاد "دونالد ترامب" وخطبه المتهورة ومواقفه العنصرية وأيضا حول مدى قدرته على ادارة شئون البلاد. فى حين اقتصر الحديث عن "هيلارى كلينتون" حول أخطائها وفساد تاريخها وأكاذيبها المتواصلة و"تضليلها" للرأى العام ووسائل الاعلام. انه موسم انتخابات رئاسية غير تقليدية وأيام تتصف وتتشكل بالاضطرابات والتقلبات والمفاجآت المتوالية. الباقى من الزمن أربعة أشهر.وقد بدأت مرحلة جديدة للسباق الانتخابى مع عيد الاستقلال الأمريكى (4 يوليو) وسوف تستمر هذه المرحلة لنحو أسبوعين لحين انعقاد المؤتمر العام للحزب الجمهورى فى كليفلاند بولاية أوهايو ( ما بين 18 و21 يوليو) ثم انعقاد المؤتمر العام للحزب الديمقراطى فى فيلادلفيا بولاية بنسلفانيا (ما بين 25 و28 يوليو) ولعل أبرز ما فى هذه المرحلة الانتخابية الحالية هو قيام الرئيس أوباما بمشاركة المرشحة الديمقراطية هيلارى كلينتون فى حملتها الانتخابية من أجل ضمان ذهاب الأصوات التى صوتت له من قبل لصالح "هيلاري" والمحطة الأولى لهما معا هى شارلوت بولاية نورث كارولينا. الحملة المشتركة تستهدف الولايات المتأرجحة التى لم تحسم أمرها بعد بخصوص مرشحها المفضل. وهى الولايات التى ستحسم نتيجة الانتخابات فى نوفمبر المقبل ومنها بجانب نورث كارولينا كل من أوهايو وفلوريدا وكولورادو وويسكونسن وأريزونا. ان الأصوات "غير البيضاء" (كما يتم وصفها) وتحديدا أصوات "الاتينو" ستكون عنصرا حاسما فى الانتخابات الحالية. هذا اذا تم ضمان مشاركتهم فى التصويت. أمر مشابه وارد مع أصوات المرآة الغاضبة (باختلاف تصنيفاتهن) والرافضة لتصريحات "ترامب". استطلاعات الرأى الأخيرة تشير الى حدة المنافسة بين المرشحين الا أن الفارق بينهما ربما يكون واضحا أكثر فى الأسابيع المقبلة مع انعقاد المؤتمرين العامين وبعدهما. ومن المحتمل أن يتم خلال الأيام المقبلة الاعلان عن ترشيح اسم نائب الرئيس. الأكثر احتمالا بالنسبة ل"ترامب" هما "نيوت جنجريتش" القيادى الجمهورى البارز ورئيس مجلس النواب السابق (فى فترة التسعينيات) و"كريس كريستي" حاكم ولاية نيوجرسى وأحد الذين نافسوا "ترامب" فى الانتخابات التمهيدية ثم انسحب من السباق وانضم لحملة "ترامب". "جنجريتش" يعد ممن لهم خبرة كبيرة ومعرفة عميقة بآليات القرار فى واشنطن. فى حين أن "كريستي" (كما يقال) أكثر قربا من أذن "ترامب" ويمكن أن يقوم بالتغيير الذى نادى به "ترامب". ولا يستبعد المراقبون أن "كريستي" فى كل الأحوال سيكون له دور فى حالة وصول "ترامب" الى البيت الأبيض. اذ قد يكون كبير موظفى البيت الأبيض. وفى الأيام الأخيرة لاحظ المراقبون أن "ترامب"أعاد ترتيب فريق حملته وقد "تخلص من بعض الأفراد". كما أن أفراد أسرته أخذوا يلعبون أدوارا أكبر وصاروا أكثر ظهورا فى الحملة وفى الدفاع عن "ترامب" أو الهجوم على "هيلاري". فالابن "ايريك" هاجم منذ أيام وسائل الاعلام وانحيازها ضد والده. كما أنه وصف "آل كلينتون" بأنهم آل فساد. أما بالنسبة للمرشحة الديمقراطية "هيلارى كلينتون" فان قائمة المرشحين كنائب للرئيس تضم ما بين 4 و6 أسماء. الا أن الاسم الأكثر ترديدا هو السناتور "تيم كين" من ولاية فرجينيا. وكان أحد الأسماء المطروحة كنائب لأوباما فى حملة عام 2008. كما ورد اسم السناتور "اليزابيت وارن" وهى من القيادات الليبرالية البارزة فى الحزب الديمقراطى على أساس أنها القادرة على ضم أصوات السناتور "بيرنى ساندرز" المنافس القوى ل"هيلاري" فى الانتخابات التمهيدية والذى ما زال يحظى بشعبية كاسحة لدى الشباب وقد استطاع اقناع الكثير منهم بالدخول فى عالم السياسة. ما تراقبه وتتابعه وسائل الاعلام والصحف الأمريكية هذه الأيام باهتمام هو ما يحدث داخل صفوف الحزبين خصوصا ان حركات التمرد والانشقاق ازدادت كما وكيفا .. وهذا سينعكس بشكل أو آخر فى فعاليات ونقاشات واجتماعات المؤتمر العام لكلا الحزبين. وكان الانتقاد المتكرر والموجه للمؤتمرات العامة لكلا الحزبين فى السنوات الماضية أنها صارت مملة وروتينية و"دعاية سياسية تليفزيونية" يتردد فى مشاهدتها الشعب الأمريكي. هذا التوصيف بالتأكيد ليس قائما هذا العام. أو هكذا يبدو بناءا على ما حدث من قبل وما يقال فى الوقت الحالي. وبالتالى الدورة الحالية من مؤتمرى الحزبين ستكون مختلفة وخصوصا فى حالة الحزب الجمهورى اذ من المنتظر أن يتصف مؤتمره العام بالاثارة وأن يكون حافلا بالمفاجأت وربما المواجهات والمصادمات غير السارة أيضا. قيادات بارزة من الحزب الجمهورى أعلنت بوضوح بأنها لن تشارك فى المؤتمر العام للحزب اعتراضاعلى ترشيح ترامب. أفراد آل بوش الرئيس الأب والرئيس الابن السابقان بالاضافة الى الابن جيب بوش لن يحضروا المؤتمر. موقفا مماثلا اتخذه المرشحان الجمهوريان السابقان فى انتخابات عامى 2008 و2012 جون ماكين وميت رومني. مرشح المفاجأت والصدمات "دونالد ترامب" يذكر عنه فى العاصمة الأمريكية هذه الأيام أنه يعيد ترتيب أوراقه فى الوقت الحالى أو بتعبير أدق وأصدق "يعيد صياغة خطبه أو لغة خطبه"."ترامب" بتعبير آخر يريد أن يجعل لغة خطابه "أقل تصادمية وأكثر دبلوماسية"عن ما كانت عليه من قبل. ولذلك لوحظ كثيرا فى الفترة الماضية استعانته بقراءة نص مكتوب وبالتالى عدم الارتجال و"تلطيش الكلام". وبالطبع عملية "اعادة النظر" ذكرت أيضا مؤخرا فيما يخص موقفه المعادى للمسلمين واعلانه عن "حظر دخولهم لأمريكا" خصوصا اذا كانوا من بعض البلاد. الا أنه كالعادة تضاربت أقواله حول هذا الأمر فى الأيام العشرة الأخيرة. ومعها ترددت أنباء بأن موقفه المحدد سيتم الاعلان عنه فى بيان مكتوب. ويجب التذكير هنا أن التعبيرات والأوصاف والانتقادات التى وردت على لسان "ترامب" فى فترة الانتخابات التمهيدية ليس فقط تلك التى كانت تخص المسلمين والمهاجرين من المكسيك كانت سوابق تاريخية فى اللغة السياسية الأمريكية المعاصرة وقد تخطت كل المقاييس وكسرت كل الأعراف والتقاليد المتبعة فى لعبة السياسة الأمريكية. ومع هذا وصل عدد من أعطوا له الأصوات من الجمهوريين الى نحو 14 مليون ناخب رقم قياسى لم يصل اليه أى مرشح جمهورى من قبل فى الانتخابات التمهيدية. وبالتالى ليس بالأمر الغريب أن ينبه بعض المعلقين أن الانتخابات المقبلة سوف تكشف الكثير عن حالة الحزب الجمهورى العريق ومواقفه من التحديات الملحة والقضايا الحيوية التى يعيشها ويواجهها المجتمع الأمريكي.