كل عام وأنتم بخير. ساعات قليلة تلك التى تفصلنا عن نهاية شهر رمضان الفضيل وبداية عيد الفطر المبارك، أعاده الله علينا جميعا بالخير واليمن والبركات. ولكن يبدو أننا، نحن البشر، لسنا وحدنا الذين تتملكنا السعادة بقدوم عيد الفطر المبارك؛ فهناك الكثيرين ممن ينتظرون "إلى حد التربص" حلول ذلك اليوم وانتهاء شهر رمضان! إنه الشيطان. ولا عجب فى ذلك، فقد تعرض الشيطان للتصفيد طوال الشهر الكريم، واليوم يستعد الشيطان للإنطلاق مجددا للعودة إلى ممارسة أنشطته المدمرة للبشر والمناعة للخير والمضعفة للإيمان والصلاح. لقد عانى الشيطان كثيرا على مدى شهر كامل من التصفيد وإبطال كافة مخططاته وأفاعيله، وكذلك ضعفت مخططات وأعمال أولياء الشيطان، وجاء وقت انتقامهم من المؤمنين والصالحين ومن كل من صاموا الشهر الكريم وقاموا بعمل الخير والتقرب إلى الله ونبذوا عمل ووسوسة الشيطان. باختصار، نحن اليوم فى حاجة إلى خطة لتمديد شهر رمضان أو بالأحرى نحتاج إلى القيام بالأعمال الصالحات التى تطيل من أمد آثار شهر رمضان المعظم لمدة أطول. ولا يعد وضع المخططات لإطالة أثر شهر رمضان بالأمر المستحدث، بل هو أمر مستمر منذ زمن بعيد. وتأتى نقطة الإنطلاق من الآية الكريمة :"واعبد ربك حتى يأتيك اليقين" (الحجر 99)، فالتقرب من الله وعبادته وطاعته مطلوبة فى كل وقت وزمان منذ الميلاد وحتى يوم الحساب. وجاء فى الصحيحين من حديث عبد الله بن عمرو رضى الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : "وَأَحَبُّ الصِّيَامِ إِلَى الله تَعَالَى صِيَامُ دَاوُدَ كَانَ يَصُوْمُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا، وَأَحَبُّ الَصَّلاةِ إِلَى الله تَعَالَى صَلاةُ دَاوُدَ كَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ وَيَقُوْمُ ثُلُثَهُ وَيَنَامُ سُدُسَهُ". وكان الله بالبشر رحيما؛ فمن عجز عن صيام داود عليه السلام فلديه من نوافل الصيام الكثير؛ فصيام ستة أيام من شهر شوال عقب انتهاء شهر رمضان يماثل صيام الدهر كله. وقد تم تفسير هذا الأمر بأن صيام شهر رمضان المعظم يماثل القيام بحسنة، والحسنة بعشرة أمثالها وهكذا يكون صيام شهر رمضان مكافئا لصيام عشرة أشهر، وهكذا يتبقى ستون يوما أى شهران من العام، وهنا يأتى دور صيام الأيام الستة فى شوال، الذى توازى حسناته صيام الشهرين ستة أيام صيام مضروبة فى عشرة أمثالها وبالتالى يكون من صام رمضان وتبعهما بست من شوال كمن صام الدهر كله. وهناك صيام أسبوعى يومى الإثنين والخميس، وصوم ثلاثة أيام من أوسط كل شهر عربى، وهناك صيام المحرم وشعبان وعاشوراء ويوم عرفة. أما ما يتعلق بغير الصيام فهناك الكثير الذى يمكن لأى إنسان القيام به حتى يدخل الجنة. فالصلاة بأنواعها متوفرة فى كل وقت ولا ترتبط بشهر رمضان فقط. وعن أَبِى هُرَيْرَةَ رضى الله عنه قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"مَا أَكْثَرُ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ الْجَنَّةَ؟ قَالَ: تَقْوَى الله وَحُسْنُ الْخُلُقِ". لقد نال كل صائم فى رمضان تدريبا على السماحة والعفو وحسن الخلق وضبط النفس والشهوات وكظم الغيظ والغضب والبعد عن الإساءة إلى الغير، وبالتالى فمن اليسير على كل صائم أن يستمر فى تطبيق ما تدرب عليه طوال شهر كامل وفى ظل ظروف صعبة. وهكذا يمكن القيام بالكثير مما كان يتم فى رمضان؛ فتلاوة القرآن وختمه والصيام والصلاة وقيام الليل وعمل الخيرات وصالح الأعمال مثل إطعام الفقير والصدقة والدعاء وحتى الاجتماع مع الآخرين على موائد الطعام، كلها أمور يسهل تمديدها لما بعد رمضان، ولنتذكر أن الإستمرار فى القيام ببعض مما كان يتم فى رمضان كفيل بتخليص العالم من شر الشيطان وأوليائه طوال العام. كل عام ونحن وأمتنا منتصرين وبخير وسلام وسلامة. لمزيد من مقالات طارق الشيخ