روى البخارى بسنده عن عبد الله بن مسعود قال: قال النبى صلى الله عليه وسلم: ( لا حسد إلا فى اثنتين رجل آتاه الله مالا فسلط على هلكته فى الحق ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضى بها ويعلمها). إن النعم الإلهية كثيرة لا تقع تحت حصر.(وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها). وتجاه كل نعمة واجب, على المسلم أن يقوم به, وحق يجب عليه أن يؤديه, فإذا قام المسلم بما يجب تجاه نعم الله, فقام بالواجبات, وأدى الحقوق, وشكر الله المنعم الوهاب, كان أهلا لزيادة النعم, ولرحمة الله ورضوانه، قال تعالى:(لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابى لشديد). ومن أجل النعم الإلهية: نعمتان, تتعلق الأولى منهما بما هو قوام الحياة الدنيا, وتتحقق به ممارسة العمل والكسب والمعاش وهى نعمة المال. والثانية: تتعلق بما هو قوام الدين, وعلى ضوئه يكون موقف العبد يوم لقاء الله, وهى نعمة الحكمة. ويتجه الحديث الشريف فى توضيح أهمية هاتين النعمتين اتجاها يحرك الأشواق الكامنة إلى معالى الأمور, والتنافس الشريف المحمود إلى مكارم الأخلاق, ومحامد الفعال, فيقول: لا حسد إلا فى اثنتين، فما الحسد وما المراد به هنا؟ الحسد قسمان: حقيقى ومجازي. فأما الحسد الحقيقي: فهو تمنى زوال النعمة عن صاحبها سواء تمنى أن تكون النعمة له أم لا, ومتى تحقق هذا النوع فهو حرام بالإجماع قولا كان هذا الحسد أو فعلا أو تصميما. أما النوع الثاني: وهو الحسد المجازى وهو المراد فى الحديث فمعناه الغبطة: بأن يتمنى مثل النعمة التى لغيره من غير ان يتمنى زوالها عن صاحبها; وهذا النوع يسمى منافسة, فإن كان فى الطاعات فهو عمل محمود ومنه (فليتنافس المتنافسون) وإن كان فى المعصية فهو الحرام, فالحديث يبين لنا أنه لا غبطة أعظم ولا أفضل من الغبطة فى هذين الأمرين: الأول: رجل آتاه الله مالا فسلط على هلكته فى الحق. وفى رواية: فسلطه وهذا التعبير يدل على قهر شهوة النفس البشرية التى طبعت على الحرص الشديد, وأن المؤمن الذى يثق بما عند الله; فهو من ينفق ماله على هذه الصورة, وعبر بقوله: هلكته أى هلاكه, لبيان أنه لا يبقى شيئا منه. ويضع الحديث الشريف ضابطا مهما من ضوابط إنفاق المال على هذه الصورة هو قوله: فى الحق أى فى الطاعات والوجوه المشروعة, ليزيل ما قد يلتبس على بعض الأفهام من الإسراف المذموم, والتبذير المنهى عنه فى قوله تعالي:( ولاتبذر تبذيرا). كما يشترط فى هذا المال الذى يغتبط عليه صاحبه, ان يكون مجموعا من الحلال, لا غش فيه ولا شبهة. ولكن ما أفضل النفقات؟ وبمن يبدأ الإنسان أولا؟. على هذا يجيبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه حكيم بن حزام ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (اليد العليا خير من اليد السفلي, وابدأ بمن تعول, وخير الصدقة ما كان عن ظهر غنى ومن يستعفف يعفه الله, ومن يستغن يغنه الله). هذا هو منهج الإسلام فى الإنفاق, بعد إخراج حق الله تعالى من المال, فيبدأ بنفسه ثم بمن يعول ممن تلزمه نفقتهم من أهله, فالإنفاق على الأهل مقدم على غيره, هذا ما يتعلق بالأمر الأول فى الحديث. والثاني: ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضى بها ويعلمها والمراد بالحكمة: القرآن الكريم, وقيل, المراد بها: كل ما منع من الجهل وزجر عن القبيح. لمزيد من مقالات د.احمد عمر هاشم