هلت علينا بشائر الصيف من خلال ليالى تأرجحت بين الرطوبة والحرارة. وإستعدادا لإستقبال الصيف قررت تناول مشروب النعناع المثلج. ومشروب النعناع المثلج يتكون من اللبن مضافا إليه ثلج مجروش وأوراق النعناع الطبيعى وقليل من عصير الليمون. ولا أخفى عليكم لقد أنعشنى المشروب المثلج لدرجة دفعتنى لقراءة صفحات تقرير أولى من مجلس الشورى يتعلق بآليات ترشح وإختيار رؤساء التحرير فى المؤسسات الصحفية القومية. وبكل تأكيد فإن تناول مشروب منعش مثلج فى أيام الصيف يخفف كثيرا من غرائب ما يمكن أن يواجهه الإنسان من غرائب الأفعال والأقوال. المعايير والضوابط تقترح أن يكون رئيس التحرير بالصحف والإصدارات القومية ذا كفاءة مهنية وإدارية، وأن يكون لديه القدرة على التطوير والإبتكار والإدارة الجيدة الرشيدة، والقدرة علي النهوض بالصحيفة والإنتقال بها إلى مرحلة المكاسب والأرباح والقدرة على المنافسة. وأن يقدم برنامج برؤية واضحة للنهوض بالمؤسسة صحفيا وإداريا و ماليا وإجتماعيا.وأن يتمتع بسمعة طيبة وسيرة حسنة بين زملائه، وأن يكون نظيف اليد ولم يتورط في وقائع فساد أو سوء إدارة أو إهدار للمال العام أو أية قضايا مخلة بالشرف، وألا يكون قد تعرض لجزاء تأديبى من خلال نقابة الصحفيين ..وألا تكون له علاقات مشبوهة مع إسرائيل وألا يكون ممن لهم علاقات مشبوهة مع جهات أجنبية تتآمر على مصر وشعبها. وأن يتقن اللغة العربية وملما بلغة أجنبية وأن تكون لديه ثقافة واسعة وأن يقدم أرشيفا صحفيا بأعماله وفكره ورؤاه وتصوراته وإبداعاته وسيرته الذاتية، وألا يكون قد مارس الخلط بين الإعلان والتحرير أو عمل كمستشار إعلامى لدى مسئول حكومى أو رجل أعمال أو شركة أو مصلحة محلية أوأجنبية. وكان أبرز ما جذب إنتباهى هو أن الأمر سيتطلب الدخول فى مسابقة بين الراغبين فى تولى منصب رئيس التحرير. فأنا أعرف، وأنت تعرف، وكلنا نعرف، أننا نعيش فى مصر. أم الدنيا. وأننا كمصريين لدينا خبرات 7 الاف سنة من الحضارة. وهو ما يدفعنى الى الإشارة لحقيقة المسابقات التى تجرى فى مصر للحصول على فرص عمل أو للتعيين فى مختلف المناصب. فبغض النظر عن ما يمكن تسميته ب"التنافس غير الشريف" بين المتسابقين، أدرك المصرى القديم فى مراحل سبقت بناء الأهرام أن المسابقات المتعلقة بتولى المناصب غالبا ما تكون نتيجتها معروفة قبل بدايتها!! فقد كان الفرعون ذاته يخوض "مسابقات إحتفالية" بمنتهى الروح الرياضية ضد متسابقين أشداء! وفى كل مرة يتغلب الفرعون عليهم جميعا وبسهولة واضحة مؤكدا جدارته بكرسى السلطة!! والأغرب أن عمر الفرعون لم يكن يؤثر على النتيجة!!! فحتى لوكان فى الستين فإنه كان يتغلب على مجموعة من الشباب الأشداء بل وربما الأبطال الرياضيين!!!! هل لأنه كان يحمل كارت توصية؟!! وهل كان ذلك نتيجة لمفعول ثمار "الكوسة"؟! هل كان الفرعون يحظى بدعم قوى نتيجة إنتماء حزبى؟!! أو ربما نتيجة لإتفاق مع المجلس العسكرى أو الجماعة؟!! مما لاشك فيه أن وجود معايير وضوابط معلنة لإختيار رئيس التحرير تعد أمر جيد ومقبول. فإختيار رئيس تحرير بشكل واضح أفضل كثيرا من أسلوب "الصندوق الأسود"الذى كان يستعان به فى التعيين وإنهاء الخدمة. ولكن كل ما نتمناه أن تكون المعايير والضوابط "حقيقية" مصحوبة بروح الشفافية وعدم الإنتهازية عند التطبيق. كما يجب أن يتخلص المتنافس من روح الإنتقام لأنه من المتوقع أن يشن كل المرشحين حروبا شعواء على بعضهم البعض فور إعلان أسماء المترشحين وهو ما سيفجر المؤسسات الصحفية القومية من الداخل قبل تعيين رئيس تحرير جديد. فكرت مليا فى الأمر ثم تناولت رشفة من مشروب النعناع المثلج لأنعش عقلى ونظرت نحو الأفق فى صمت. المزيد من مقالات طارق الشيخ