إن المؤمن يعتقد بقضاء الله وقدره، وأن كل ما يحدث فى هذه الحياة من خير أو شر، ومن نفع أو ضر، إنما هو بقضاء من الله وتقديراً منه، فيرضى بحكمه صابراً محتسبا فى مرضاة الله .وللحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، كلمات ذهبية، دقيقة، داعية الى الصبر ليبرز لنا جانبا تعليميا عظيما من هديه صلى الله عليه وسلم. عنْ أنسٍ رضى اللهُ عنْهُ قال: مر النبيُ صلى اللهُ عليْه وسلم بامْرأةٍ تبْكى عنْد قبْرٍ فقال» : اتقى الله واصْبرى «فقالتْ: إليْك عني، فإنك لمْ تُصبْ بمُصيبتى، ولمْ تعْرفْهُ، فقيل لها: إنه النبيُ صلى اللهُ عليْه وسلم، فأتتْ باب النبى صلى اللهُ عليْه وسلم، فلمْ تجد عنْدهُ بوابين ،فقالتْ: لمْ أعْرفْك، فقال:» إنما الصبْرُ عنْد الصدْمة الأولى». وعن السمات البلاغية لهذا الحديث يقول د. عبده عوض فى كتابه (موسوعة بلاغة الرسول) الحديث الشريف مبنى على جانب قصصى، حوارى ، تجسيدى بينه (ص) وبين هذه المرأة . فقوله للمرأة ( أتقى الله ) جملة إنشائية من الإنشاء الطلبى، والغرض منه النصح والإرشاد، وقوله لها ( واصبرى تأكيد للأمر الأول بالتقوى، وغرضه النصح كذلك. والجملة تشتمل على أدب نبوى رفيع فى كونه (ص) يتلطف مع المرأة فى النصيحة دونما نهى لها عن البكاء، وإنما تحول من ذلك إلى توجيه أعم وإرشاد أشمل. وقد ردت عليه المرأة بشدة وغضب فقالت: « إليك عنى « وهذه جملة طلبية بمعنى ابتعد ثم أظهرت المرأة ندمها واعتذارها فالصبر الذى يثاب عليه الإنسان هو أن يصبر عند الصدمة الأولى أول ما تصيبه المصيبة، فهذا هو الصبر.