قدمت تجربة القاص المخضرم نبيل عبد الحميد شاهدا وهاجا حيا علي قدرة السرد العربي المعاصر أن يواكب احتقانات اللحظة. ويعري بقوة التحولات المرحلية. التي خاضها المجتمع العربي بعامة والمجتمع المصري بخاصة, حين آثر أن يولي وجهه نحو اقتصاد السوق المفتوحة. وبإزاء هذه التغيرات الدرامية في بنية المجتمع المصري, كان السارد يباشر الحكي مقدما شهادته, وراصدا حركة الانحدار بحدقة دقيقة ومعبرا عما أسماه المستشرق الفرنسي أندريه ميكيل: التعبير السامي عن النثر الجديد في دراسته المعنونة الرواية العربية المعاصرة. وبحق كانت تجارب نبيل عبد الحميد تعبيرا ساميا عن نثر جديد أو قص معاصر إذ يضع ابهامه علي الداء, مستشرفا أبعاده الفردية والجماعية. وعند هذه التخوم من الرؤية, فإن بمقدورنا القول إن في الميراث القصصي الناضر الذي خلفه( نبيل عبد الحميد)( ومازال يباشر تخليقه) رافدا سوسيولوجيا لا يمكن أن تخطئه العين. فالراوي, في كل مرة, معني بإراقة الضوء علي حركة( الدلالة الاجتماعية) التي تصاحب المشهد القصصي. وفي كل مرة يسبق إلي وهمنا أن المشهد القصصي يجسد( فردا), بفجيعته, نكتشف بمداخلة المشهد واستكانة جزئياته أن ما اعتبرناه أزمة فرد كان كشفا مرآويا شاملا عن أزمة مجتمع فإن قصة المطرقة من مجموعة هشاشة عقول قد تجذرت برؤيتها في هذا التحول الانفتاحي الغائر, فرسمت بالفرشاة خطوطا حادة ل كابوس كافكاوي, شديد الايجاع, كان بطلاه الإنسان الانفتاحي المهيمن, ونظيره الإنسان الانفتاحي المنقاد. وفي مساحة الهيمنة والانقياد ترقرق في النسيج القصصي نبل الراوي بمثل ما تجسد خوفه والتياعه. وبدا ذلك حين تحدث عن سيدة الأعمال المتسلطة قائلا بهلع:إنها مسعورة أكلت مائة رجل وقد كان هذا السعار منسحبا في حقيقة الأمر علي طبقة طفيلية بتمامها ارتقت سنام المرحلة, ووجهت الأمور كما تشاء, وأشاعت دوائر من الفساد والترويع. وكان ملائما أن تنسج في اطار( كافكاوي) طافح بالفزع, علي نحو ما صور الراوي. لقد صاحبت قصة المطرقة أزمة عطية الرومانتيكي الوادع الذي يتنفس بإرث الزمن الجميل الغارب حين استيقظ علي صوت دق عنيف صادر من السقف, ويخف عطية, فرقا إلي الشقة العلوية ليلقي نفسه أمام سيدة الأعمال الانفتاحية اللعوب وهي تقول ببرود: لا تستطيعون النوم؟! تفرجوا علي الدش أو العبوا طاولة! ليدق بمطرقة حديدية بلا كلل فوق رأس الصيد بهدف الايقاع به, والزواج منه! ولنكتشف, بالمقادير ذاتها, أن الدق فوق الرأس هو وسيلة الانفتاحيين الجدد للتعبير عن رغباتهم والإفصاح عن أهدافهم. حتي ما كان من هذه الرغبات والأهداف إيروتيكيا غريزيا! ولم يكن عجيبا, من ثم, مع هذه المؤشرات المتواترة أن تفاتحه برغبتها في غير خفر أو حياء: طلبي.. أن تتزوجني! ثم تعقب ذلك بالقول, ملوحة بالتهديد: من لم يجئ طواعية.. جاء بالمطرقة! وكأنما جاءت عباراتها معلما لفترة بعينها أصبحت فيها مطارق السادة سبيلا لاستذلال العبيد( أو حتي شراء عواطفهم وجلبها بالقوة!) إن الراوي بضمير المتكلم هنا قد مضي في تخليق عوالمه القصصية جاعلا مادته الخام شيئا قريبا مما أسماه مصطفي السحرتي ب: التخيلات الأفيونية, ألوان من الكوابيس تفرغنا بقدر ما تدهشنا علي نحو ما نأنس في قصة المطرقة.