دعا الإسلام منذ فجره الأول إلى التكافل والتواصل، وأن يحس الأخ بأخيه، لدرجة أن نفى رسول الله صلى الله عليه وسلم إيمان من لم يشعر بأخيه المسلم الجائع بجواره، فقال: "ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع"؛ فليتنا نستشعر هذا المعنى خاصة في شهر رمضان. إن إفطار الصائم شيء عظيم، إذ يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يروى عن زيد بن خالد الجهني: "مَن فطَّر صائمًا كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيء" [رواه الترمذي وابن ماجة وصححه ابن حبان] فقال بعض الفقراء من الصحابة: يا رسول الله! ليس كلنا يجد ما فَطر الصائم! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يعطي الله هذا الثواب من فطر صائماً على تمرة، أو على شربة ماء، أو مذقة لبن"، وقد كان السلف الصالح يحرصون على إطعام الطعام ويرونه من أفضل العبادات. وقد قال بعض السلف: لأن أدعو عشرة من أصحابي فأطعمهم طعامًا يشتهونه أحب إلي من أن أعتق عشرة من ولد إسماعيل. وكان كثير من السلف يؤثر بفطوره وهو صائم، منهم عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- وداود الطائي ومالك بن دينار، وأحمد بن حنبل، وكان ابن عمر لا يفطر إلا مع الأيتام والمساكين. وكان من السلف من يطعم إخوانه الطعام وهو صائم ويجلس يخدمهم، منهم الحسن البصري وعبد الله بن المبارك. وإلى جانب ذلك هناك الآن إفطار الصائمين في الشوارع وعلى الطرق وفي موائد الرحمن ولم يتوقف بعض القادرين عن البحث عن "قنوات" جديدة سعيا لكسب ثواب إفطار الصائم. والصوم يذكرنا بمدى ما يعانيه الفقراء من ألم الجوع ولوعة الفقر، يقول رسول الله: "ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع" فعلى الصائمين أن يذكروا إخوانهم الفقراء المحتاجين، وألا يأخذهم الشحّ أو الخوف من الظروف الاقتصادية ويجعلهم لا ينفقون، وعليهم أن يبذلوا في هذا الشهر الكريم وفي غيره من الجود والصدقة، وليعلموا أن الله هو الرزاق، وليذكروا فضل الصدقة. ومن الآيات الواردة فيها كثيرة، منها: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ وَاللهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَّشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 261]، {وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللهُ وَكَانَ اللهُ بِهِم عَلِيمًا} [النساء: 39]، {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى * وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى} [الليل:5-11]. وبفضل الله ومنهخ السائر في شوارع القاهرة لحظة الإفطار يلحظ بعض سيدات البيوت في المناطق الراقية وهن يقمن بتقديم وجبات يومية لرجال الأمن وحراس العمارات، وكذلك لعساكر المرور في الشوارع والميادين القريبة. ونلحظ بسهولة عددًا ليس بالقليل ممن وسع الله عليهم في الشوارع يقدمون وجبات جاهزة لمن يجدونهم من عابري السبيل والمحتاجين، إنه شهر الجود والكرم فما أحوجنا إلى الاجتهاد فيه والتوسع في الإنفاق كي ننال رضى الله تبارك وتعالى أسوة برسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، ونعلم العالم كله كيف أن ديننا هو دين التكافل الاجتماعي ودين التعايش والتقارب والسلام والأمن لا البغض والمشاحنة. لمزيد من مقالات د . جمال عبد الناصر