جاء رمضان حافلاً بكل أنوع البِشْر وأبواب الخير، فهيا أيها المسلم واغتنمه قبل فوات الأوان، هيا لتشعر بأخيك الفقير الذي كمْ عانى من آلام الجوع والفقر طوال العام، هيا لتذكر نعمة ربك عليك؛ فالإنسان منا لا يشعر بالشيء إلى عندما يرى نقضيه "فبضدها تتمايز الأشياء". إن شهر رمضان فرصة للصائم كي يحس بألم أخيه الفقير ومعاناته وحرمانه؛ فكثير من المسلمين في بقاع الأرض يفترشون الأرض، ويلتحفون السماء، ولا يجدون ما يسد رمقهم؛ فما أحوج الصائم إلى تذكر هؤلاء والتكافل معهم، والأخذ بأيديهم للرفع من مستواهم الاقتصادي، وهذا بدوره يؤدي إلى تداول المال، وقيام نوع من التوازن الاقتصادي والاجتماعي بين أفراد المجتمع {كَيْ لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأغْنِيَاءِ مِنْكُمْ} [الحشر: 7]. إن رمضان هو شهر الجود والكرم، ففيه تتضاعف الحسنات، وتجاب الدعوات، وتفرج الكربات، فهو شهر الصبر والمواساة والصدقات، فقد سئل رسول الله: "أي الصدقة أفضل، فقال: صدقة في رمضان"، وعن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: "خطبنا رسول الله في آخر يوم من شعبان فقال: يا أيها الناس قد أظلكم شهر عظيم شهر مبارك، شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، جعل الله صيامه فرضا وقيام ليله تطوعا، من تقرَّب فيه بخصلة من الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه، ومن أدى فريضة فيه كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه، وهو شهر الصبر، والصبر ثوابه الجنة، وشهر المواساة وشهر يُزاد فيه رزق المؤمن، من فطر فيه صائمًا كان له مغفرة لذنوبه وعتق رقبته من النار، وكان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجره شيء قلنا: يا رسول الله ليس كلنا يجد ما يفطر الصائم"، فقال رسول الله: "يعطي الله هذا الثواب من فطر صائما على مزقة لبن أو تمرة أو شربة من ماء، ومن أشبع صائما سقاه الله من حوضي شربة لا يظمأ حتى يدخل الجنة. وهو شهر أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار". وهكذا يبشِّر النبي أصحابه بشهر رمضان، ويخبرهم بفضله ومضاعفة الأعمال الصالحة فيه، وأنه شهر عظيم مبارك فيقول: "ما مر بالمسلمين شهر قط خير لهم منه، ولا مر بالمنافقين شهر قط أشر لهم منه" [رواه أحمد في مسنده]. وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي قال: "كل عمل ابن آدم له، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف قال الله عز وجل: إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به، إنه يدع شهوته وطعامه وشرابه من أجلي، وللصائم فرحتان: فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك". الصوم يذكرنا بمدى ما يعانيه الفقراء من ألم الجوع ولوعة الفقر، يقول رسول الله: "ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع" فعلى الصائمين أن يذكروا إخوانهم الفقراء المحتاجين، وألا يأخذهم الشحّ أو الخوف من الظروف الاقتصادية ويجعلهم لا ينفقون، وعليهم أن يبذلوا في هذا الشهر الكريم وفي غيره من الجود والصدقة، وليعلموا أن الله هو الرزاق، وليذكروا فضل الصدقة. والآيات الواردة في ذلك كثيرة، منها: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ وَاللهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَّشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 261]، {وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللهُ وَكَانَ اللهُ بِهِم عَلِيمًا} [النساء: 39]، {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى * وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى} [الليل:5-11]. ومن الأحاديث الشريفة: عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كل امرئ في ظل صدقته حتى يقضى بين الناس: قال يزيد: فكان أبو مَرْثد لا يخطئه يوم إلا وتصدق فيه بشيء ولو كعكعة أو بصلة"، "ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقا خلفا ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكا تلفا"، وعن أسماء ابنة أبي بكر "قالت: يا رسول الله ما لي شيء إلا ما يدخل على الزبير فأنفق منه؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أنفقي ولا توكي فيُوكى عليك". ألا إن في أيام دهركم لنفحات لقد جعل الله من هذا الشهر الكريم موسما للخيرات ومضاعفة الحسنات، ويسر السبيل أمام المسلمين لرفع الدرجات ولو بأقل الأعمال، وفي هذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم عن رمضان: "من تقرب فيه بخصلة من الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه، ومن أدى فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة"، "من سقى صائما سقاه الله من حوضي شربة لا يظمأ بعدها حتى يدخل الجنة" (رواه ابن خزيمة). وفي النهاية علينا ألا ننسى إخواننا المستضعفين المسلمين في شتى بقاع الأرض فندعو الله لهم ألا يدع فيهم عاريًا إلا كساه، ولا فقيرًا إلا أغناه، ولا مريضًا إلا شفاها، ولا جائعًا إلا أطعمه، ولا مكروبًا إلا فرَّج كربه، ولا مظلومَا إلا نصره، ولا أسيرًا إلا فكَّ أسره. لمزيد من مقالات د . جمال عبد الناصر