مرة ثانية وعاشرة وألف لن ينصلح حال التعليم بالحلول الأمنية والحبس والغرامات.. بالطبع العقوبات مهمة لكل من يتورط في جرائم تسريب أو إضرار بالعملية التعليمية، ولكن يظل جوهر الإصلاح إعادة المقومات التي جعلت التعليم من أهم الصناعات الثقيلة لبناء الإنسان وتخريج أجيال من أعظم ما عرفت مصر من الرجال والنساء، وتطهير المنظومة التعليمية بعدما توالي تكشف أخطاء وخطايا وسوء إدارة وتخلف عن الأخذ بأحدث تقنيات تطوير العملية التعليمية بكاملها.. لقد سمعنا عن التجربة اليابانية وشاهدنا نماذج محدودة وناجحة لمدارس معدودة طبقت التجربة وسمعنا عن المدارس المتميزة والمتقدمة، وهي تجارب مهمة بشرط أن تتسع مساحاتها لتشمل بالتدريج عموم وجموع أولادنا وتعليمنا، وتضيق الفروق بين العام والخاص والمتميز، رغم أن بعض التعليم الخاص أصابته أعراض وأمراض التعليم العام!!. سنظل مثل من يحرث في الماء أو يسعي لتشييد بناء عظيم بلا أساس إذا لم نتخذ الإجراءات وننفذ سياسات تعليمية توقف أخطر ما يتهدد مصر الآن بتخريج أجيال من الطلبة الغشاشين بعد استيلائهم علي استحقاقات الأجيال المجتهدة والمتفوقة، وكأنه لا يكفينا حصاد التدهور التعليمي الذي انعكس في مستويات كثير من أطبائنا ومهندسينا ومعلمينا والعديد من خريجي مدارسنا وجامعاتنا ومعاهدنا وتعليمنا الفني الذي هجره الطلبة بدلا من تخريج أجيال من العمالة الماهرة المدربة، وإن كان الانهيار لم يقتصر علي التعليم بعد أن انهارت المصانع واسواق العمل التي تستوعب هذه العمالة الماهرة في ظل تعليم يتراجع.. والإخصائيون والخبراء والمتخصصون يتم إقصاؤهم وينتصر الحفظ والتقلين علي التفكير والابتكار والإبداع.. والتحايل والغش يتسرب، وكل عام يتزايد التراجع والظواهر السلبية، ودون سعي لتغييرات وحلول جادة تستعيد مقومات الرسالة التربوية والتعليمية.. إنه جزء من الحصاد المر لعشرات السنين من التجريف لجميع مقومات بناء الإنسان قبل 25 يناير. لسنا الدولة الوحيدة علي الكرة الأرضية التي دخلتها التقنيات الحديثة للاتصال، وبدلا من أن تتحول إلي وسائط لتغيير نظم التعليم تحولت عقدنا الي وسائل لتفشي جرائم الغش والتسريب وليزداد انهيار منظومة عجز القائمون عليها عن وضع أسس وبدايات لعودة الحياة إليها.. ولجأت الوزارة إلي إلغاء امتحان التربية الدينية، رغم أنها لا تضاف إلي المجموع الكلي وتجاوزت عن إلغاء امتحان اللغة العربية، رغم ما نشر عن تسريبه في التاسعة والربع مساء السبت الماضي وتسريب الاجابات النموذجية، أي قبل 12 ساعة من موعد الامتحان، ووفق ما نشره أ. أحمد البري ب «بريد الأهرام» 6/7 أن الورقة المتداولة مسجل عليها الرقم السري، بما يؤكد أن موطن الخلل هو منظومة العمل بالوزارة نرجو أن تظهر التحقيقات مع من تم القبض عليهم من قيادات الوزارة حقيقة الأمر وقد لفتني أنه استبق ظهور نتائج التحقيقات رأي نسب إلي المتحدث الرسمي باسم الوزارة يقول إننا أمام مافيا تهدف لضرب الدولة ومؤسساتها التعليمية والنظام السياسى برمته لتدمير مستقبل جيل بأكمله.. وأن مصر تخوض حربا ضد مافيا عالمية منظمة تتآمر علي الدولة المصرية ونظامها التعليمي العريق، ولا أعرف كيف تصل هذه المافيا إلي أدق أسرار الوزارة، وإذا كان قلب المنظومة سليما وصحيحا وقويا ألا يستعصي علي أي اختراق؟! نشرت صحيفة الأخبار 6/7 التعليم تعترف بتسريب امتحانى العربي والدين وتؤكد «إخوان الوزارة» وراء الواقعة القبض علي 10 عاملين، بينهم مدير المطبعة السرية ومستشارا المادتين. نعرف أن الوزارة تمتلئ بالكوادر والخلايا الكامنة للجماعة والتي تقف وراء المشكلات التي شهدها التعليم في أغلب المحافظات.. وإذا أثبتت التحقيقات صحة وقوفهم وراء الجريمة فالأمر أجل وأخطر من النتائج الكارثية للغش والتسريب وتقويض وهدم أجيال الحاضر والمستقبل.. إنه جزء من مخططات شيطانية لم تتوقف لهدم الدولة منذ سحب منهم ملايين المصريين شرف حكم مصر في 30/6 رغم المراوحات والادعاءات والمخادعات والأكاذيب التي لم تتوقف بحثا عن ثغرة للعودة إلي المشهد السياسي!! وإن كان هذا لا يقلل من مردود ونتائج عدم تطوير وتحديث المنظومة التعليمية وعدم اختيار أجيال جديدة من القيادات المثقفة المؤهلة التي تسبقها فكر مجدد وتجارب ونجاحات وإنجازات واضحة ومعلنة. أذكر أنه في أثناء التغيير الوزاري الأخير كانت وزارة التعليم في مقدمة الوزارات المرشحة للتغيير، وقيل إنه تم الإبقاء علي الوزير لأن لديه استراتيجيات يجب أن تتاح له الفرصة ليكملها.. ولم تتوقف تصريحات الوزير عما اتخذه من إجراءات يستحيل معها أي تسريب للامتحانات أو محاولات للغش، والنتيجة ما شاهدناه وعشناه خلال الأيام الماضية ودون ظهور مؤشرات لبدايات وتغييرات في هذا الرعب الذي تحولت إليه امتحانات الثانوية للأسر وللطلبة المجدين والمجتهدين المهددين بسرقة اجتهاداتهم من طلبة فاشلين أو إلغاء الامتحانات ملحوظة مهمة استمعت إليها من عديد من المربين وأساتذة التعليم الأفاضل أن المجموع الأكبر من أبناء مصر من الطلبة، أجيال رائعة وذكية ومتميزة يجب ألا تكون أحكامنا عليهم من خلال أعداد محدودة من الطلبة الفاشلين فقط يحتاج الطالب المصري المجتهد والمتميز إلي منظومة تعليم محدثة ومتطورة وآخذة بأحدث تقنيات التعليم وبعودة المقومات الصحية والصحيحة للعملية التعليمية سواء في المناهج أو طرق التدريس أو قوة وكفاءة المعلم بتوفير عوامل القوة والكفاءة لفتني أيضا أن من أهم ما حاول وزير التعليم أن يدعو ويروج له كانت قضية خصخصة التعليم!! الملف الذي يجب أن يكون محل فحص حتي لا تتضاعف المشكلات التي تواجه التعليم ثم ألا يكفي ما يقال عن مشكلات كثير من التعليم الخاص!!. يجب أن نعترف بأن بيت الداء يكمن في اختيار قيادات غير مؤهلة لأجل وأخطر المهمات في أي أمة، وهي بناء البشر.للأسف يظل البناء مهددا إذا لم توضع الأسس الصحيحة والعاجلة والآجلة لإنهاء السياسات التي تخلفت عن فروض التطوير والتحديث والقرارات المتضاربة بغير الخاضعة للمعايير العالمية وبما يتجاوز الاكتفاء بالحلول الأمنية، وإعادة النظر في قانون التعليم الذي أغفل الكفاءة والخبرة وترك ثغرات تتسلل منها الوسائط الفاسدة، وما ينطبق علي الوزارة ينطبق علي مديريات التربية والتعليم بالمحافظات والإصلاحات الواجبة لأوضاع المدرسين، والبحث في وسائل توفير الجزاء المادي الذي يستحقه مقابل تجريم الدروس الخصوصية.. الجريمة الاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية التي ارتضيناها حتي وصلت إلي ما وصلت إليه وضرورة اعادة النظر في المنظومة التي يتم بها امتحانات الثانوية العامة والانتقال من الطرق التقليدية إلي الطرق الحديثة ومنها استخدام الوسائط الإلكترونية، وأعتقد أن تكلفتها تتواضع أمام تكلفة الطرق التقليدية من أوراق ومطابع واستراحات واستيراد لأدوات كشف الغش التي لم تمنع الغش!! بالإضافة إلي منظومة أمن الوزارة التي أصبحت المسئول الأول عن الامتحانات، ويطلق يدها في إدارة اللجان وتفتيش الطلبة تفتيشا ذاتيا أمام اللجان.. وبالطبع لم تستطع هذه الإجراءات غير التربوية التي حولت جميع الطلبة إلي متهمين أو مذنبين أن تمثل حلا أو إنقاذا لا يمكن أن يتحقق إلا بخطط جادة لانقاذ سياسات علمية تربوية تعيد الحياة القوية إلي المدرسة وتعيد الطالب إلي مدرسة يحبها ويحترمها ويجعلها المصدر الوحيد لتلقي التعليم، وإحداث تغييرات أساسية في المناهج والكتاب المدرسي إن كل ما يحدث في مصر الجديدة من سباق للبناء وتعويض سنوات الانهيار والتجريف نقطة ارتكازه الأساسية الانسان وهو ما كان يجب أن يكون جوهرا لسياسات وتحولات جذرية في مجمل قضايا التربية والتعليم.. فالأمر لا يتوقف علي جريمة التسريبات. لمزيد من مقالات سكينة فؤاد