حرب كلامية واتهامات وتهديدات متبادلة أشعلت الموقف المتوتر أصلا بين الولاياتالمتحدةوالصين الأسبوع الماضى حول قضية السيادة على بحر الصينالجنوبى المتنازع عليه بين الصين وجيرانها فى جنوب شرق آسيا، والتى تعتبر فى الأساس قضية صراع لفرض الهيمنة والنفوذ بين واشنطنوبكين على منطقة محورية بالنسبة للبلدين وهى منطقة آسيا - المحيط الهادي. بنبرة ثابتة متحدية، خرجت الصين بتصريحات نارية أثناء انعقاد قمة أمنية بسنغافورة، مؤكدة أن الولاياتالمتحدة تدار بعقلية الحرب الباردة، وأن بكين ليست متحمسة للعلب دورا فى فيلم "هوليوودي"من إخراج أمريكي، وشددت على أنها لا تخشى مواجهة المشاكل فى منطقة بحر الصينالجنوبى ولن تخضع للضغوط. وجاءت تلك التصريحات ردا على تهديدات علنية ومباشرة أطلقها وزير الدفاع الأمريكى أشتون كارتر خلال القمة ذاتها، حيث حذر الصين من مواصلة أنشطتها التوسعية فى بحر الصينالجنوبى مؤكدا أن انتهاج بكين لأى سلوك استفزازى سيتسبب فى رد من الولاياتالمتحدة، وهو ما سيؤدى إلى عزل الصين، على حد تعبيره. وأوضح كارتر أن الولاياتالمتحدة ستبقى صاحبة أقوى جيش وستظل الضامن الرئيسى للأمن الإقليمى فى آسيا لعقود قادمة، كما أشار إلى أن بعض المحللين توقعوا لعقود انسحابا أمريكيا وشيكا من المنطقة، لكن ذلك لن يحدث، لأن هذه المنطقة التى تضم ما يقرب من نصف سكان العالم ونحو نصف الاقتصاد العالمى تبقى الأكثر أهمية لأمن أمريكا وازدهارها. وفى مزيد من التصعيد الأمريكي، حث وزير الخارجية الأمريكى جون كيرى بكين على عدم إقامة منطقة للدفاع الجوى فوق بحر الصينالجنوبى كما فعلت فوق بحر الصين الشرقى عام 2013. واعتبر كيرى أن إقامة مثل هذه المنطقة سيكون عملا استفزازيا ومزعزعا للاستقرار وسيثير الشكوك بشأن تعهد بكين بحل النزاع دبلوماسيا. وتطالب الصين بالسيادة على معظم أجزاء بحر الصينالجنوبى تقريبا، كما قامت بأنشطة مكثفة للاستصلاح والبناء فى جزر وشعاب مرجانية تسيطر عليها، فى الوقت الذى تزعم فيه كل من بروناى وفيتنام والفلبين وماليزيا وتايوان السيادة على أجزاء منه، علما بأن حركة تجارة عالمية يبلغ حجمها 5 تريليونات من الدولارات تمر سنويا فى بحر الصينالجنوبى الذى يضم موارد للبترول والغاز ومصايد للأسماك. وكان الممر المائى قد تحول إلى ساحة مواجهة بين الولاياتالمتحدةوالصين منذ أن أعلن الرئيس الأمريكى باراك أوباما عن سياسة التوجه شرقا لتصبح آسيا ذات أولوية فى السياسة الخارجية الأمريكية فى الوقت الذى تسعى فيه الصين إلى تعزيز قوتها الاقتصادية والسياسية والعسكرية فى المنطقة. وقد وقعت الكثير من المناوشات بين قوات البلدين فى تلك المنطقة، حيث تتعمد الولاياتالمتحدة إجراء مناورات وتدريبات فى المنطقة تأكيدا منها على حرية الملاحة هناك، ولإظهار دعمها لحلفائها فى جنوب شرق آسيا الذين يتنازعون مع الصين على سيادة عدة جزر. ومن أبرز حلفاء واشنطن المنخرطين فى هذا الصراع الفلبين التى أقامت فى عام 2013 دعوى قضائية أمام التحكيم الدولى ضد فرض الصين سيادتها على المنطقة. وقد شددت بكين من جانبها على عدم اعترافها بسلطة لجنة التحكيم الدولية التى ينتظر أن تصدر قرارها فى تلك القضية خلال أسابيع قليلة. ويتوقع محللون أن يتضمن الحكم المرتقب لهجة إدانة للصين، فى ضوء الضغوط الأمريكية التقليدية، وأن يكون الهدف الرئيسى من هذا الحكم أن يزيد من الضغوط على الحكومة الصينية، فى محاولة لاستفزازها ودفعها نحو مواجهة عسكرية فى المنطقة ترغب فيها أمريكا. ولكن محللين آخرين يرون أن الصين لن تغامر بما حققته من نهضة اقتصادية كبرى لتدخل فى مواجهة عسكرية الآن مع الولاياتالمتحدة أو مع أى من جيرانها فى المنطقة، وستلجأ بدلا من ذلك إلى القوة الدبلوماسية، أكثر من القوة العسكرية، خاصة وأن الموقف الصينى يقوم على أساس رفض تدخل "أطراف خارجية" فى "منطقتها" و"محيطها". وفى كل الأحوال، المواجهة تبدو مرتقبة، أو هى بدأت بالفعل، بين واشنطنوبكين، حول منطقة بحر الصينالجنوبي، سواء كانت هذه المواجهة عسكرية، أم دبلوماسية، ومن المتوقع أن تشارك فيها أطراف كثيرة "بالوكالة" نيابة عن "الراعي" الأمريكي!