لم تعلم «نجوى» أن تلك الدقائق سوف تمثل نقطة تحول لحياتها فلا رجوع بعدها لكل ما هو معتاد ... فبينما تسابق الزمن لإعداد طعام الافطار لليوم السادس من شهر رمضان «فى العام الماضي» يقف ابنها محمود، ذو السبعة أعوام، فى شرفة منزله المطل مباشرة على الطريق الدائري، يراقب اباه واخويه الأكبر والأوسط وهم يوزعون اكياس التمر والعصير على السائقين المسرعين الراغبين فى الوصول إلى منازلهم قبل أذان المغرب. صرير الإطارات الصارخ على اسفلت الطريق يعلن لنجوى عن وقوع حادثة، بالتأكيد هى اعتادت على سماع هذا النذير ورددت تلقائياً «استر يا رب» ولكن قلبها انخلع هذه المرة عندما اتاها محمود مسرعاً يبلغها : «بابا ومحمد واحمد واقعين على الأرض وفى دم» فقدت الام المكلومة زوجها وابنها الأكبر واصيب الأوسط بكسور عديدة … صدمهم طالب حاول المرور بسيارته الملاكى من الحيز الضيق بين سور الطريق وسيارة نقل وقفت على جانبه ليدمر اسرة ساقتها العشوائية لتسكن فى محيط الطريق الدائري. القصة التى وقعت احداثها العام الماضى ليست الأولى ولا الأخيرة، فمصر تتربع على عرش حوادث الطرق على مستوى العالم. فوفقا لبيانات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء بلغت حوادث السيارات عام 2015 أكثر من 14000 حادثة نتج عنها أكثر من 6000 متوفى بمعدل 17 حالة فى اليوم الواحد ، وبلغ معدل خطورة الحوادث على مستوى المحافظات والطرق السريعة 1،8 متوفى أو مصاب لكل حادثة. ولا تتصف حوادث الطرق فى مصر بكثرتها فقط، ولكنها توصف كذلك بقسوتها؛ فقد صنف التقرير معدل قسوة الحادث على مستوى المحافظات 35.3 متوفى لكل 100 مصاب والطرق السريعة 20.2 متوفى لكل 100 مصاب. وإن كان القول المأثور يقول : تعددت الطرق والموت واحد، إلا أن التقرير يؤكد ايضا أن العنصر البشرى من أكثر اسباب الحوادث، حيث بلغ 63 % يليها الحالة الفنية للسيارة بنسبة 23% . اما السيارات الملاكى فهى من أكثر المركبات المسببة للحوادث حيث بلغت أكثر من 5000 مركبة بنسبة 37% يليها النقل ( خفيف متوسط) حيث بلغت نحو3000 مركبة بنسبة 20% من اجمالى المركبات المسببة للحوادث. تعويضات وقضايا الأرقام مرعبة، ولكن فقدان شخص عزيز هو الأدهى والأمر، وتزداد الحالة سوءا إذا كان الفقيد هو عائل الأسرة الوحيد، ولكن القانون يقدم قدراً يسيراً من التعويضات التى ربما لا يعلم كيفية الحصول عليها الكثير من المصابين وذوى الضحايا، فقد تضمن قانون التأمين بعض الحقوق والتعويضات الرسمية وهو ما أسهم فى ظهور بعض المنتفعين الذين يحصلون على نسبة كبيرة من تلك التعويضات. وهنا كان للمجتمع المدنى دور فى تعريف المواطنين بحقوقهم ومساعدة ضحايا الطرق، ومنهم الجمعية المصرية لرعاية ضحايا الطرق وأسرهم، فبحسب المستشار سامى مختار رئيس مجلس إدارة الجمعية وخبير سلامة الطرق، تهدف الجمعية لرعاية مصابى حوادث الطرق وتعريفهم بكيفية الحصول على حقوقهم. وتتعاون الجمعية مع الهيئة العامة للرقابة المالية والاتحاد المصرى للتأمين لتوفير حقوق المواطنين عن طريق التأمين الإجبارى ، ويوضح:»بحسب قانون التأمين الإجبارى الصادر فى 2008 من حق المواطن الحصول على مبلغ 40 الف جنيه بعد تحديد نسبة العجز ويحصل ذوو المتوفى على 40 الف جنيه ايضاً وذلك دون البحث عن المخطيء فى الحادث ويتطلب ذلك الحصول على نموذج 40 من النيابات « ووفقاً لمختار ، فإن من حق المصاب أو ذوى المتوفى التقدم بهذا النموذج حتى ثلاث سنوات بعد وقوع الحادث، اما بعد مرور تلك الفترة فقد يضطرون لرفع دعوى قضائية ضد الصندوق الحكومى للتعويضات للمطالبة بنفس المبلغ. ويضيف:» العديد من المواطنين لا يعرفون بتلك الحقوق التى يكفلها القانون ويحلقون فى فلك المحاكم والقضايا لعدة سنوات لذلك نسعى لنشر التوعية القانونية للجمهور عن طريق الندوات والمحاضرات والحملات الإعلامية وصفحات التواصل الاجتماعي، كما نقدم دعما ماديا. بقدر الاستطاعة وبقدر الموارد المتاحة ومن وجهة نظر المستشار سامى مختار فإن العديد من الطرق فى مصر تحتاج إلى صيانة ومتابعة دورية لتحقيق الأمن والسلامة عليها بالإضافة إلى خدمات الطريق مثل سيارات الونش ومنها الطريق الدائرى الذى أصبح الآن ، وبحكم التوسع العمرانى حوله فى وسط المدينة وبه العديد من المحاور التى تؤدى إليها وأصبحت سيارات نقل الركاب الداخلية تتخذ منه مساراً ولذلك ينتظرها الأفراد على جانبى هذا الطريق بشكل خاطيء. مواقف عشوائية الطريق الدائرى الذى تم إنشاؤه فى الثمانينات بهدف التخفيف عن محاور العاصمة أصبح جزءاً من طرقها وأصابه ما أصابها من عشوائية ، فبحسب محمد صالح تعانى بعض قطاعات الطريق الدائرى من الحفر وعدم استواء الرصف فضلا عن غياب العلامات أو طمسها بلصق إعلانات عليها وكذلك عدم وضوح بعضها مما يتسبب فى عدم وضوح الطريق والمسارات الواجب إتباعها . أما خالد عفيفى فيشير إلى كثرة المواقف العشوائية للميكروباص وسيارات نقل الأفراد الصغيرة التى انتشرت مؤخرا ، تلك المواقف التى تتسبب فى إزدحام مرورى وبخاصة فى أوقات الذروة ، بالإضافة إلى كثرة عبور الأفراد من تلك المناطق بشكل يعرض حياتهم للخطر. وتطالب أميمة حسنين بوجود دوريات متحركة على الطريق الدائرى لضبط السيارات المخالفة وكذلك التوك التوك الذى يسير بكثرة فى المنطقة بعد محور المنيب وكذلك سيارات النقل التى تصعد وتهبط بشكل عشوائى فى منطقة زهراء مصر القديمة وتقول:» يتميز الطريق الدائرى عند منطقة المعادى وحتى التجمع الخامس بوجود اهتمام وتطوير مستمر ونتمنى أن ينسحب هذا الاهتمام على كل الطريق». اما اللواء أحمد عاصم خبير الإعلام المرورى فيرى أنه على الرغم من عودة بعض الظواهر السلبية إلى الطريق الدائرى إلا أن المجهود الذى تبذله الهيئة العامة للطرق والكبارى على شبكة الطرق السريعة سواء الصحراوية أو الزراعية ملحوظ حيث تستمر أعمال الصيانة وبخاصة فى الفترة الماضية. ولكن مازالت الظواهر السلبية مثل الأنتظار على الطرق السريعة، وظهور المواقف العشوائية للميكروباص أعلى الطريق الدائري، هى ما تستدعى ضرورة دعم الطريق الدائرى بالقوات المرورية الثابتة والمتحركة والتدخل الإيجابى والإزالة الفورية لكافة المخالفات. وشدد اللواء عاصم على ضرورة اتباع نظام مستمر لصيانة الطرق ودعمها مستقبلاً باللافتات الإرشادية والتحذيرية والتنظيمية والكاميرات التليفزيونية والشاشات لتقديم كافة الإرشادات لمستخدمى الطريق وقائدى المركبات. وبحسب عاصم فإن دعم الدوريات الأمنية التابعه للهيئة العامه للطرق والكبارى واحد من أهم سبل الوقاية من الحوادث فمهمتها هى كتابة التقارير اللازمة الخاصة بمواقع الخطر، والعشوائيات، والإستغلال الخاطئ للطرق، مثل افتراش الأرصفة بالكراسى وكافة الوسائل الأخرى المخالفة، وأشار إلى ضرورة الجدية فى تنفيذ القانون وتفعيله على الجميع من دون استثناء وعلى مختلف فئات المركبات. والأمر لا يقتصر من وجهة نظر الخبير المرورى أحمد عاصم على الرقابة والصيانة الهندسية ولكنه أكد أيضاً ضرورة الاهتمام بالتخطيط الأرضى للطرق وتحديد المسارات والحارات المرورية ، وأضاف:» الالتزام بالحارة المرورية قاعدة لابد أن يلتزم بها المواطن ولكن كيف نطالبه بالالتزام بها من دون توفير التخطيط الأرضى فى بعض الطرق؟! « ولحل مشاكل الطريق الدائرى يطالب عاصم ببحث ودراسة كافة السلبيات وعلاجها وأهمها منع الإنتظار أعلى الطريق الدائرى فإذا سٌمح للميكروباص وغيره من وسائل النقل الجماعى بهذا فلابد من تخصيص مكان لعبور المشاة وهو ما لا يستقيم مع الطرق السريعة. مسارات منفصلة للنقل أما الدكتور مجدى صلاح نور الدين أستاذ هندسة الطرق والمرور بهندسة القاهرة فأوضح أن الطريق الوحيد المسموح فيه بمرورعربات النقل والنقل بمقطورة هو الطريق الدائرى وهو ما يسبب عدة مشاكل منها الحوادث والسرعه وعدم الالتزام بالحارة اليمنى المخصصة لسير النقل، بالإضافة لضرورة الصيانة الدورية التى لا تتم بصورة صحيحة. ويقول :»عندما تم تصميم الطريق الدائرى وضعت المعايير العلمية الصحيحة لتنفيذه وأهمها بعده عن الكتلة السكنية ولكن الآن هناك مناطق عشوائية كاملة ظهرت ونمت حوله وهذه مشكلة ابدية فى الطرق التى تحتاج لرقابة لصيقة فقد ظهرت بعض المناطق العشوائية حول الطريق الدائرى مثل الصليبة والمعتمدية والكنيسة مما أدى لوجود حركة مرور ومشاة كثيفة على هذا الطريق بعد أن كان محاطا بالطرق الزراعية» اما الحلول العاجلة فتتمثل فى الصيانة أولا ثم حلول لحركة المواطنين مثل إنشاء كبارى للمشاة وإضافة حارات جانبية للطريق فى المناطق التى تسمح بذلك وهو حل مكلف ولكنه ليس مستحيل. كذلك لابد من تنظيم حركة النقل الثقيل والتشديد على وجود مواقيت محددة لسيره وكذلك مراقبة الحمولات المحددة ويقول:»لابد من مراقبة هذه الحمولات بشكل أكثر صرامة فعقوبة زيادة الأوزان لا تتعدى دفع غرامة والتصالح بينما يكون تأثيرها على شبكة الطرق مدمرا» مسارات خاصة إنشاء مسارات خاصة للنقل الثقيل، هوالحل من وجهة نظر الدكتور محمد عبد الباقى ابراهيم رئيس قسم التخطيط العمرانى بكلية الهندسة جامعة عين شمس فالحلول المرورية غير المكلفة وسهلة التنفيذ هى الطريقة الوحيدة المتاحة فى بعض المناطق التى يمر من خلالها الطريق الدائرى والتى لا تسمح بإنشاء أنفاق أو كبارى ويقول:» تحديد مسار منفصل لحركة النقل الثقيل بعيدا عن حركة السيارات الخاصة سوف يسهم فى زيادة السيولة المرورية وتقليل التكدسات وكذلك الحوادث». ويوضح أن الهدف من إنشاء الطريق الدائرى فى الثمانينات كان نقل الحركة المرورية من وسط القاهرة مع عدم مرور النقل العام عبر هذا الطريق وإحاطته بحزام شجري. ولكن مع التوسعات العمرانية تم ايجاد العديد من الكتل السكانية حوله وأصبح مسارا للنقل العام وهو ما أوجد العديد من الحوادث والتكدسات ولذلك يتم إنشاء الطريق الدائرى الإقليمى ويقول:» لابد من مراعاة تطوير الخدمات المرورية على هذا الطريق وايجاد مسارات منفصلة لحركة النقل بعيد عن النقل الخاص لإحكام السيطرة عليه وأن يراعى فيه تلك المعايير أثناء الأنشاء».