فى زمن الفن الجميل أبدع جيل الرواد الكبار أعمالا ً فنية فى أناشيد وأغنيات كتبها كبار الشعراء ولحنها أساطين الموسيقى وتغنى بها نجوم الغناء فى مصر والوطن العربى ورغم مرور أكثر من أربعين عاما ً على بعضها وأكثر من خمسة وأربعين عاما ً وربما نصف قرن وأكثر على بعضها الآخر، ولكنها لا تزال تعيش فى وجدان الجماهير وترددها الأجيال جيلا ً بعد جيل ، ذلك أن هذه الأغنيات والأناشيد أبدعها هؤلاء الرواد وأذيعت فى مناسبات وطنية أو دينية أو اجتماعية تنطلق عبر الأثير وكأنها مكتوبة الآن ، وتستطيع أن تتعرف على هذه المناسبة أو تلك من خلال هذه الأغنيات والأناشيد وتشعر أنها لو اختفت أو تأجلت إذاعتها فإنك لا تحس بطعم أو حلاوة هذه المناسبة ، ففى ليلة عيد الفطر أوعيد الأضحى المبارك تعودنا على أن نستمع إلى أغنية «يا ليلة العيد آنستينا .. وجددت الأمل فينا» لأم كلثوم وألحان السنباطى وأن نستمع أيضا ً في عيد الربيع إلى أغنية فريد الأطرش» أدى الربيع عاد من تانى .. والبدر هلت أنواره « كلمات مأمون الشناوى لحن وغناء فريد الأطرش , وأن نستمع فى ذكرى إنتصار أكتوبر 73 إلى المجموعة فى أغنية «بسم الله .. الله أكبر .. بسم الله « وإلى وردة فى «على الربابة بأغنى» وهما من تأليف عبد الرحيم منصور وتلحين بليغ حمدى و»راجعين رافعين راية النصر» كلمات نبيلة قنديل ولحن على اسماعيل ، وفى عيد الأم إلى « ست الحبايب ياحبيبة « لفايزة أحمد كلمات حسين السيد وتلحين محمد عبدالوهاب ، وفى أول رمضان إلى أغنية « رمضان جانا « لعبد المطلب وغيرها ، ذلك أن هذه الأغنيات كان يتم اختيارها من خلال لجان النصوص التى تضم نخبة من كبار الشعراء برئاسة الشاعر أحمد رامى وتضم فى أعضائها محمود حسن اسماعيل وصالح جودت وصلاح عبد الصبور وطاهر أبو فاشا وعبد الفتاح مصطفى وفاروق شوشة وغيرهم وكانت هذه الأغانى تعرض من البداية على هذه اللجنة الموقرة إما أن ترفضها أو تطلب تعديلها أو تجيز بعضها وكذلك لجنة الاستماع التى تضم كبار الملحنين أيضا ً وتعرض عليها الألحان إما أن ترفض بعضها أو تجيز بعضها أو تطلب تعديل فى اللحن وكان الموسيقار محمد على الشجاعى مراقب عام الموسيقى والغناء فى ذلك الوقت هو الذى يقرر أن هذه الكلمات أو تلك يلحنها فلان أو علان ويختار الشجاعى المطرب الذى يغنيها وهو صاحب القول الفصل فى هذا الموضوع ، أما المطرب أو المطربة فلا يعتمد فى الإذاعة إلا بعد موافقة اللجنة على سلامة أدائه وصلاحية صوته للغناء أو يؤجل اعتماده ويعطى فرصة مرة أخرى ولذلك ظهرت الأصوات الأصيلة التى استمتعنا بها فى زمن الفن الجميل والتى قد لا تتكرر ، وكان للشجاعى هيبته ومكانته التى يعمل لها كل مطرب أو ملحن ألف حساب ، وقد قال لى ذات مرة الإعلامى الكبير الأستاذ فهمى عمر رئيس الإذاعة الأسبق كمعاصر لهذه المرحلة من هذا الزمن الزميل أن أى مطرب من مطربى هذه الأيام كان لا يستطيع مجرد المرور أمام شارع الشريفين خشية أن يصادفه الشجاعى الذى كان يرفض قبول أو مجرد مقابلة أى مطرب نما إلى علمه أنه كان يغنى فى أحد الملاهى الليلية أو الفنادق ويمنع دخوله المبنى احتراما ً للإذاعة ومكانتها العريقة . ومن هنا ظهرت هذه الأصوات العظيمة النادرة ونذكر منها فى شهر رمضان الكريم صوت المطرب الكبير موضوع حكايتنا اليوم محمد عبد المطلب فى أغنيته الرائعة « رمضان جانا « كلمات الشاعر حسين طنطاوى وتلحين الموسيقار محمود الشريف صاحب نشيد الشهير «الله أكبر « الذى كتبه الشاعر عبدالله شمس الدين وغنته المجموعة خلال العدوان الثلاثى على مصر عام 56 « الله أكبر فوق كيد المعتدى ..والله للمظلوم خير مؤيدى « ويختار الشجاعى كلمات حسين طنطاوى ويكلف الشريف بتلحينها لعبد المطلب لتصبح من الأ لحان المتميزة التى نستمع إليها فى شهر رمضان من كل عام ، وكان الموسيقار محمود الشريف والمطرب الكبير يتقابلان معا ً فى حديقة معهد الموسيقى العربية فى شارع رمسيس قبل أن تتحول إلى مسرح جلال الشرقاوى ويستمع عبد المطلب إلى اللحن الذى جسد فيه الشريف معنى استقبال شهر رمضان خصوصا ً فى المذهب الذى شارك فيه الكورال مع عبد المطلب « رمضان جانا .. وفرحنا به .. بعد غيابه .. وبقاله زمان .. غنوا وقولوا .. شهر بطوله .. غنوا وقولوا أهلا ً رمضان « ويتجلى لحن الشريف أكثر فى المقطع الذى يقول « بتغيب علينا وتهجرنا .. وقلوبنا معاك .. وفى السنه مره تزورنا وبنستناك «وينفعل عبد المطلب أكثر بالمعنى الجميل الذى يشدو به ويغنيه بكل إحساسه ومشاعره وابتهاجه بالشهر الكريم « من امتى واحنا بنحسبلك .. ونوضبلك ونرتبلك .. أهلا ً رمضان .. رمضان جانا» ، وفى إحدى غرف معهد الموسيقى تبدأ بروفات الأغنية مع الفرقة الموسيقية والكورال والتى استغرقت أسبوعا ً كاملا ً فقد كان هذا المعهد العريق الملتقى الدائم لنجوم الغناء وكبار الموسيقيين والشعراء المصريين والعرب خاصة ً فى شهر رمضان ليتابعوا ما أبدعوه لهذا الشهر الكريم خلال البروفات قبل التسجيل وكنت والزميل الصديق الناقد الفنى طارق الشناوى من أكثر أصدقاء محمود الشريف ونتقابل معا ً فى شقة الشريف بالطابق السابع فى عمارة استراند بباب اللوق ونستمع منه إلى ابداعاته اللحنية لكبار المطربين والمطربات حيث يجيد العزف بمهارة على آلة العود ، خاصة ألحانه لعبدالحليم حافظ وشادية وكان يعتز بلحنه « رمضان جانا « لعبد المطلب كلمات الشاعر حسن طنطاوى خاصة فى المقطع الذى يقول عن شهر رمضان « يوم رؤيتك لما تيجينا زى العرسان .. نفرح وننصبلك زينة أشكال والوان .. أهلا ً رمضان .. يا مسحراتى دوقلنا تحت الشباك .. سمعنا وافضل غنيلنا للفجر معاك .. واعملنا هو ليلة .. تلاتين ليلة .. حلوة جميلة .. أهلا رمضان « لتصبح أغنية «رمضان جانا» من أشهر الأغنيات التى يستقبل بها المسلمون فى مصر والوطن العربى شهر رمضان الكريم كل عام.