إمرأة بألف رجل! هذا هو الأنطباع الذي يسيطر عليك عندما تنتهي من قراءة سيرة حياة الفنانة الكبيرة تحية كاريوكا, التي بدأت من الصفر, ووصلت القمة بجهدها وذكائها وجدعنتها. إذا فكرت في شئ وأرادته فإن هذا يعني تحقيقه بالضرورة لأن إراداتها من حديد, وعزيمتها من فولاذ. وإستطاعت أن تكسر قاعدة مهمة جدا ظلت مسيطرة علينا حتي ظهرت هي وأم كلثوم, هذه القاعدة تقول أن المرأة في تاريخنا ظل وخيال وصدي للرجل, فالمؤرخين لا يتحدثون عنها إلا من خلال رجل أو عن طريق رجل, لكن تحية أثبتت إنها تستطيع أن تشارك, تدعو,تفكر,تتقدم, تبادر, وتساهم بشكل رئيسي في حياتنا العامة, لقد إستطاعت تحية كاريوكا أن تعطي نموذجا لما يستطيع الفنان أن يفعله لبلاده, ولقد بدأت شخصيتها تحمل هذه البذور منذ فترة طويلة وبالتحديد عام1948 حين كانت تساعد الفدائيين, في العمل الفدائي في منطقة القناة قبل ثورة23 يوليو, فبعد إنفجار الحس الوطني ومؤامرة حرب فلسطين أصبحت منطقة الأسماعيلية التي كانت تحوي أكبر معسكرات ومخازن السلاح للإنجليز في فايد وأبوصير وأبوسلطان, ولأن نجمتنا التي يجهل تاريخها السياسي الكثيرين من الإسماعيلية, لهذا كان من الطبيعي دخولها إلي المدينة لزيارة أهلها, وإستغلت كاريوكا ذلك في نقل الأسلحة في سيارتها الخاصة للفدائيين,وتدخل بها إلي أرض شقيقتها مريم في الإسماعيلية, وفد سميت هذه الأرض فيما بعد تبة مريم,نسبة إلي شقيقة تحية, التي خبأت الرئيس الراحل محمد أنور السادات في مزرعتها لمدة عامين كاملين, بعد أن قامت تحية بتهريبه في سيارتها إلي منزل شقيقتها بعد هروبه من مطاردة الشرطة بعد اتهامه في حادث مقتل أمين عثمان, الطريف أن السادات بعد أن أصبح رئيسا للجمهورية قال لها وهو يكرمها عام1978 فاكرة يا تحية لما كنت بأعمل مع شقيقتك في مزراعتها ولكنها ردت لا يا ريس إنت كنت هاربان وانا اللي هربتك فضحك السادات ضحكته الشهيرة. تسليح الجيش وفي عام1955 أعلن جمال عبدالناصر قراره ابكسر إحتكار السلاح والتحول إلي المعسكر الشرقي لتسليح الجيش, بعد أن رفض الغرب تقديم السلاح إلي مصر إلا بعد الأعتراف بإسرائيل, وعقد اتفاق معها, ورفض عبدالناصر ويومها خرج الفنانون المصريون, وفي مقدمتهم تحية كاريوكا في إحتفالية أطلقوا عليها أسبوع تسليح الجيش إلي الشوارع والمحافظات لجمع التبرعات مساهمة في شراء صفقة السلاح الجديدة, كما خصص الفنانون أجورهم عن الأعمال الفنية لهذا الهدف الوطني, وجاءت تحية كاريوكا ومعها السيدة أم كلثوم علي القمة في جمع أكبر قدر من التبرعات لتسليح الجيش المصري, كما قدمت كاريوكا جزء من مجوهراتها لهذا الهدف, وشكرها الرئيس الراحل جمال عبدالناصر, وقال لها جملته الشهيرة إنك بألف رجل يا تحية,فردت عليه أن كل هذا من خير مصر يا ريس!. الوفد الأسرائيلي وفي عام1956 إشتركت مصر في مهرجان كان بفيلمها شباب إمرأة, وسافرت أسرة الفيلم إلي المهرجان ومن اللحظة الأولي أكتشف الجميع فرق المعاملة مقارنة بالوفد الأسرائيلي الذي يعامل بكل إهتمام وتدليل, وتفتق ذهن تحية عن حيلة عبقرية للفت الأنظار وسحب البساط من تحت أقدام كل النجمات ومن بينهن ريتا هيوارث, فقد غيرت ملابسها المودرن لتلبس الملاية اللف التي ترمز لبنت البلد المصرية الجدعة, وبالفعل أصبحت كاريوكا حديث كل الوفود المشاركة, وأثناء الغداء الذي تقيمه إدارة المهرجان تحية للوفود المشاركة تعمدت ريتا هيوارث أن تتحدث عن الوفد الأسرائيلي وتمدحه, وعلي الفور تصدت لها تحية وأسمعتها بلغة انجليزية سليمة مالم تتخيله, وأضطرت النجمة الشهيرة أن تهرب من سب كاريوكا, وعندما حاول أحد الممثلين الأجانب أن يسب همجية العرب بصقت في وجهه, وطلبت من رئيس وفد مصر الأديب يحيي حقي أن ينسحب فآثر الحكمة والتعقل ورفض الإنسحاب, وكلف هذا الموقف تحية عدم الحصول علي جائزة النقاد عن دورها في الفيلم, وعندما علم الرئيس جمال عبدالناصر بهذا الموقف بعد أن كتبت عنه الصحف قرر علي الفور تكريمها وتعويضها بجائزة أكبر وأوصي بمنحها جائزة الدولة عن دورها في فيلم شباب إمرأة,وبعد هذا الموقف من النجوم الصهاينة ضد مصر قررت تحية أن تأسس جمعية برئاستها لمقاطعة الأفلام والنجوم ذوي الميول الصهيونية.