البداية كانت مع المسلسل التركي نور حيث تابعه عدد لا بأس به من المشاهدين, خاصة من النساء اللاتي أعجبن بالأبطال, وتعاطفن معهم أيضا, واصبح معها مهند نموذجا لفتي أحلام رومانسي ووسيم تختلف ملامحه تماما مع ملامح الرجل المصري. والشرقي عامة.. وتوالت الدراما التركية واصبح العديد من أبطالها معروفا للمشاهد المصري, ينتظر مشاهدته, ويتابع أخباره, فحظيت العديد من التمثيليات علي إقبال شديد أمثال العشق الممنوع, ميرنا وخليل, ندي العمر, بائعة الورد, الأوراق المتساقطة, حريم السلطان, نساء حائرات واخيرا مسلسل فاطمة.. فما هي حكاية المسلسلات التركية مع المصريين, وهل هناك تأثير اجتماعي لها, ولماذا يزيد إقبال المصريين عليها يوما بعد يوم؟ يوضح الدكتور حسنين كشك, الخبير بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية, أن9 ملايين شاب وفتاة في مصر وصلوا الي سن الخامسة والثلاثين دون زواج حسب إحصائيات المركز, منهم6 ملايين فتاة و3 ملايين شاب يعانون من البطالة, وتأخر سن الزواج والظروف الاقتصادية السيئة, بالإضافة إلي الفراغ, ولذا يجدون في معظم الدراما التركية ضخمة الإنتاج قدرا كبيرا من الرومانسية, وقصص الحب المحروم منها الشباب, إذن هي تمثل لعديد منهم حلما جميلا يتمنون لو يحققونه, خاصة ان كل أحلامهم تحطمت في أول مواجهة مع الواقع, لذا يصعب أن نحرمهم من وهم الرومانسية الذي يعيشونه من خلال تلك المسلسلات... لكني أعتقد- يضيف الدكتور حسنين- ان الاقبال الشديد علي تلك الأعمال لا يكمن في القصة أو الابهار في المشاهد, لأن تلك المسلسلات لها شبيه أمريكي, انما يكمن في احتياجنا لتلك النوعية لأننا نعاني اليوم من الحصاد المر لسنوات من القهر السياسي, والإقتصادي والإجتماعي, وكذلك انتشار الفساد في كل مكان, مما أدي الي تدهور أحوال الشعب وكانت كعادتها المرأة أكثر المتأثرين سلبا بأمراض المجتمع, فنالها الظلم والقهر والحرمان من حقوقها, بالاضافة الي محاولات الرجوع بها الي الوراء, التي زادت مؤخرا, لذلك نجد ان نسبة المشاهدة بين السيدات عالية جدا بالاضافة الي ان تلك الاعمال تقدم نماذج متنوعة لسيدات من طبقات مختلفة, قد تجد كل امرأة تشابها بينها وبين بعض الممثلات, سواء في الظروف أو المشاعر أو المعاناة, خاصة ان المجتمع التركي أقرب إلينا من أفكار المجتمع الأمريكي أو الأوروبي. ويضيف د. حسنين: أغلب المشاهدين يجدون في الرومانسية المقدمة في تلك الدراما هروبا الي أحلامهم, وهنا يكمن ضرر هذه المسلسلات, لأن سقف التوقعات لدي المشاهد يرتفع مع الاندماج أكثر في الأحداث, مما يسبب صدمة عند التعامل مع الواقع اليومي القاسي, الذي يحطم حتي أحلامهم البسيطة. من ناحية أخري يري الدكتورعلي فرغلي, أستاذ علم الاجتماع بكلية الآداب جامعة عين شمس, أن الإقبال الشديد علي الدراما التركية يرجع الي الرومانسية والمناظر الجميلة والنظافة التي تبدو بها الشوارع والبيوت, موضحا أن لدي كثير منا حنينا للرومانسية في حياتنا, والهدوء والأحياء الراقية الهادئة والمدن الصغيرة ذات الطابع المميز في هذه المسلسلات يجذب الجميع, بخلاف التشوه الذي نعيشه في كل مظاهر حياتنا, الذي انتشر وأصبح يحاصرنا من كل اتجاه حتي في الأحياء الراقية التي أصبحت محاطة بالعشوائيات والفوضي والضجيج.. لذا يجد المشاهد في تلك المسلسلات مناظر جميلة, أزياء راقية, نظافة وهدوءا, حتي عند الطبقات البسيطة وفي المناطق الفقيرة نجد تلك المفردات, كذلك اللهجة العربية التي يتحدثون بها مع وجوه جميلة علي الشاشة فنحب أن نري أنفسنا مثلهم, وطبعا يعجب النساء بهذه المسلسلات, لأن المرأة أميل للرومانسية.. وأخيرا المشاهد المريحة للأعصاب تزيد الإعجاب بهذه المسلسلات, حيث لا يتجاوز عدد الممثلين في المشهد أكثر من خمس أو ستة أشخاص مع أحداث بسيطة تمثل كل مجموعة صغيرة من الحلقات قصة مغلقة, فلا يجد المشاهد مشكلة في متابعة الأحداث بالاضافة الي البعد عن الانفعال المبالغ فيه والصوت العالي الذي نعاني منه في كل مكان حتي علي شاشات التليفزيون. الدكتور طارق عكاشة, أستاذ الطب النفسي بكلية الطب جامعة عين شمس, يرجع الاقبال علي تلك المسلسلات الي الواقع المصري قائلا: إن الكثيرين يعتبرون مشاهدة تلك الأعمال هروبا لهم من القلق والتوتر الذي ينتابنا جميعا مؤخرا بسبب الأجواء العامة التي نعيشها جراء الظروف السياسية غير المستقرة, فتعد فترة المشاهدة انفصالا عن الواقع المجهد.. لذا إذا أردنا رصد الأسباب الحقيقية وراء زيادة نسبة المشاهدة سنجد ان السبب الأول والأهم هو ان معظم المشاهدين من السيدات ومعظمهن ربات بيوت وامهات مررن خلال الفترة الماضية بحالة من عدم الطمأنينة علي مستقبلهن ومستقبل أولادهن ومستقبل البلد كله, بالاضافة الي ما يقدمه التليفزيون والفضائيات من برامج وحوارات سياسية ولقاءات مع المرشحين, ففقد بذلك دوره الترفهيي وبالتالي جاءت تلك المسلسلات لتبعدهن عن التفكير في الواقع, ليجدن فيها شيئا من التغيير والتسلية في آن واحد, أما السبب الثاني فهو ما يتوافر في تلك الدراما من مصداقية عائدة الي الانتاج الضخم الذي يظهر في الأزياء والديكور والحوار, مما يجذب السيدات اليها أكثر من القصة, فأي عمل درامي يمكن أن يرسي قيما انسانية, لكنه في الأساس قائم علي الابهار والتشويق وهو عامل الجذب الرئيسي هنا, بالاضافة الي ان المتلقي قد مل من تكرار نفس الوجوه في جميع الأعمال المصرية, وتكرار الديكورات وتشابه القصص, وبالتالي لاقي الأبطال الأتراك استحسانا علي سبيل التغيير, كما أقبل من قبل علي المسلسلات السورية التي عرضت خلال شهر رمضان, واعجب الكثيرون من النساء بأحد أبطالها, وهو جمال سليمان حين اشترك في بعض الأعمال المصرية. وأخيرا ينفي د. طارق عكاشة تأثير الرومانسية المقدمة في تلك المسلسلات علي النساء سلبا أو ايجابا, أو حتي علي شكل العلاقات الاجتماعية, موضحا أنه لا يمكن أن ننظر الي المرأة المصرية نظرة سطحية الي هذا الحد, فمهما كانت الهموم أو الأعباء في حياتها, ومهما أعجبت بكم المشاعر والأحاسيس المقدمة علي الشاشة, فانها تستمتع بالترفيه الموجود لكنها لا تنفصل عن واقعها, ولا تعطي الأمور أكبر من قدرها, فتلك الدراما مثلها مثل غيرها تعتمد علي التمثيل, كذلك فالمجتمع التركي أيضا له واقع به مميزات وبه عيوب أما العمل الدرامي فله مقاييس أخري.