قوات الاحتلال تقتحم مخيم قلنديا بمدينة رام الله    نظام القوائم مخالف للدستور… مجلس النواب باطل لهذه الأسباب    ارتفاع سعر الدولار الأمريكي أمام الجنيه المصري في ختام تعاملات اليوم الثلاثاء    جامعة عين شمس تناقش مقترحات الخطط الاستثمارية للعام المالى 2026/2027    أوتشا: نحذر من تدهور الأوضاع الإنسانية في السودان نتيجة الحرب    نجوم كبار يظهرون في صور تم الكشف عنها مؤخرًا في ملفات إبستين    كأس عاصمة مصر.. الأهلي وغزل المحلة "حبايب" بهدف في الشوط الأول    إنقاذ برج سكني من حريق هائل بسوهاج.. ومفاجأة في الطابق الثاني| فيديو    استقرار الأحوال الجوية.."الأرصاد" تزف بشرى سارة بشأن طقس الساعات المقبلة    إحالة للمفتي.. الحكم علي عاطل قام بخطف طفله وهتك عرضها في البحيرة    نقيب الصحفيين: تصوير الفيشاوي في عزاء والدته "انتهاك صارخ" لأخلاقيات المهنة    تعرض محمد منير لوعكة صحية ونقله للمستشفى.. اعرف التفاصيل    مؤتمر أدباء مصر يُكرم الدكتور أحمد إبراهيم الشريف تقديرا لمسيرته الإبداعية    وكيل تعليم القاهرة يتفقد مدارس إدارة منشأة ناصر التعليمية    جدول امتحانات النقل من الصف الثالث حتي الصف السادس الابتدائي بالمنيا الترم الأول    لأول مرة تجسد شخصية أم.. لطيفة تطرح كليب «تسلملي» | فيديو    رئيس "سلامة الغذاء" يستقبل نقيب الزراعيين لتعزيز التعاون المشترك    البورصة تختتم جماعي بمنتصف تعاملات جلسة اليوم الثلاثاء وربح 17 مليار جنيه    الصليب الأحمر: الأطفال وكبار السن الأكثر تضررًا من التدهور الإنساني في غزة    ألمانيا: إيداع سائق السيارة المتسبب حادث السير بمدينة جيسن في مصحة نفسية    استعدادا لعرضه رمضان 2026| انطلاق تصوير مسلسل «توابع» ل ريهام حجاج    ما هو مقام المراقبة؟.. خالد الجندي يشرح طريق السالكين إلى الله    وزارة الصحة: وفد ناميبى يطّلع على تجربة مصر فى إدارة الأزمات والتحول الرقمى    ملتقى المرأة بالجامع الأزهر يؤكد: الطفولة أمانة شرعية وحق إنساني يُصان    وزيرة التنمية المحلية تبحث التوسع في إنتاج السماد العضوي من وحدات البيوجاز    وكيل وزارة الشباب والرياضة بالفيوم يستقبل لجنة «المنشآت الشبابية والرياضية» لمتابعة أعمال مراكز الشباب بالمحافظة    حكام مباراة الثلاثاء ضمن منافسات الدوري الممتاز للكرة النسائية    البحوث الفلكية تكشف موعد ميلاد شهر شعبان وأول أيامه فلكيا    مليار مشاهدة.. برنامج دولة التلاوة فى كاريكاتير اليوم السابع    اللجنة الدولية للصليب الأحمر تعلن استعدادها لدعم عملية إطلاق سراح المحتجزين في اليمن    محمد منير بخير.. مصادر مقربة تكشف حقيقة شائعة تعرضه لوعكة صحية    وزير الدفاع الإسرائيلي يطرح احتمال إنشاء مستوطنات في شمال غزة    أمم إفريقيا – مؤتمر مدرب السودان: أحيانا أسمع وفاة أحد أفراد أسرة لاعب في الفريق    ميناء دمياط يضخ 73 ألف طن واردات في يوم حيوي    وزيرة التعاون الدولي ونظيرها الأرميني يترأسان أعمال الدورة السادسة للجنة المصرية–الأرمينية المشتركة    أمم إفريقيا - مؤتمر محرز: لا أعذار.. نريد كتابة تاريخ جديد لمنتخب الجزائر    محافظ شمال سيناء يفتتح عددا من الوحدات الصحية بمدينة بئر العبد    «اليونسكو» تكرم محافظ المنوفية تقديراً لجهوده في دعم التعليم | صور    ضبط شخصين بالمنيا لاتهامهما بالنصب على المواطنين    البابا تواضروس الثاني يستقبل الأنبا باخوميوس بدير القديس الأنبا بيشوي بوادي النطرون    إدارة ترامب ترفع مكافأة الترحيل الطوعي للمهاجرين إلى ثلاثة آلاف دولار    لو لقيت فلوس في الشارع تعمل إيه؟.. أمين الفتوى يُجيب    وزير التعليم في جولة مفاجئة بمدارس إدارتي ببا وسمسطا بمحافظة بني سويف    روسيا تبارك انتخاب خالد العناني لرئاسة اليونيسكو: فرصة لإعادة الحياد إلى المنظمة    «الصحة» توقيع مذكرة تفاهم مع «فياترس» لتطوير مجالات الرعاية النفسية    الحمصاني: الحكومة تستعد لتنفيذ المرحلة الثانية من منظومة التأمين الصحي الشامل    ضبط صاحب شركة بالإسكندرية لتجارته غير المشروعة بالألعاب النارية والأسلحة    الأهلي في اختبار صعب أمام المحلة بكأس الرابطة    الاحتلال الإسرائيلي يواصل خرق اتفاق وقف إطلاق النار بأنحاء متفرقة من غزة    وائل القباني: هجوم منتخب مصر الأقوى.. والتكتيك سيتغير أمام جنوب إفريقيا    مواقيت الصلاه اليوم الثلاثاء 23ديسمبر 2025 فى المنيا    أمم أفريقيا والأهلي في الرابطة.. مواعيد مباريات اليوم الثلاثاء    الداخلية تسمح ل 23 شخصا بالتنازل عن الجنسية المصرية    رئيس الوزراء: مبادرة «حياة كريمة» أكبر مشروعات القرن الحادي والعشرين    وزارة التعليم: أحقية المعلمين المحالين للمعاش وباقون في الخدمة بحافز التدريس    نظر محاكمة 89 متهما بخلية هيكل الإخوان.. اليوم    «المستشفيات التعليمية» تعلن نجاح معهد الرمد والسمع في الحصول على اعتماد «جهار»    أمم إفريقيا - ياسر إبراهيم: أحب اللعب بجانب عبد المجيد.. ونعرف جنوب إفريقيا جيدا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رواية فتاة الحلوى.. البطل هو الضحية
نشر في الأهرام اليومي يوم 04 - 06 - 2016

من الممكن إدراج رواية فتاة الحلوى للروائى والدبلوماسى محمد توفيق فى نوع أدب الجاسوسية وهو شكل أدبى نشأ فى نهاية القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين وبلغ أوجه أثناء الحرب الباردة. وقد تميز فى هذا النوع أدباء بارزون من كونراد إلى لوكاريه مرورًا بجراهام جرين كتبوا أعمالاً تنتمى إلى هذا النوع كما تعد فى مصاف الأعمال الأدبية الرفيعة. وفى مصرعرف أدب الجاسوسية بأنه تسجيل لوقائع حدثت بالفعل وكتبت فى شكل روائى كما هى الحال فى روايات صالح مرسي، أو فى أعمال قائمة على الخيال موجهة للناشئين. وبعد سقوط حائط برلين ظن بعض المتابعين والكتاب أن هذا النوع قد انتهى ولكن بعد 11 سبتمبر 2001 ومع تعاظم الجاسوسية وظهور أشكال جديدة من الصراعات السياسية والمسلحة أصبحت هناك شبكات تجسس هائلة تعمل على نطاق العالم كله وعاود أدب الجاسوسية الظهور بعد تغير مسرح الأحداث من الصراع بين الغرب والاتحاد السوفييتى إلى مناطق كالشرق الأوسط وأفريقيا أو إلى الفضاء الالكتروني. وبدلا من الموت المعلن ازدهرت روايات الجاسوسية وظهر كتاب جدد، بل إن هذ النوع الأدبى اجتذب كتابًا معروفين بكتابة أعمال أدبية رفيعة خارج هذا النوع. ومن الشائع أن يكون بطل هذا النوع رجل مخابرات أو عميل لها، ولكن قد يكون البطل هو الضحية أو الشخص الذى تطارده تلك الأجهزة كما هى الحال فى رواية فتاة الحلوى.
بطل الرواية ليس فتاة الحلوى بل عالم مصرى عمل فى المفاعل النووى العراقى أيام صدام حسين، وبعد سقوط بغداد لجأ إلى مصر. تصير حياته مهددة لأن مخابرات دول غربية تطارده للقضاء عليه، فهى تصفى بالاغتيال العلماء العرب وكذلك تفعل اسرائيل حتى تظل الدول العربية فقيرة علميًا وتبقى مجتمعة أضعف عسكريًا من اسرائيل. وهو لذلك يختفى محاولاً الذوبان فى زحام القاهرة السفلى وجموع بشرية رثة. وذكريات هذا العالم تدور حول انتصاراته العلمية والأكاديمية التى ألصقت به لقب “المخيخ” الذى صار يختزل شخصيته. وقد أدرك منذ سنوات منذ أن قبل أن يربط مصيره بصدام حسين أن حياته أمست على كف عفريت. فكيف يسمح للأمل أن يتسرب إلى نفسه، فلا أحد يعطى أمثاله الحق فى الحب والارتباط بفتاته كتلك الشخصية التى يقابلها فى العالم الافتراضى فى لعبة يتقمص فيها اللاعبون أدوارًا يصنعونها، فيختار هو “مفتول العضلات” وهو ما ينقصه فى الواقع. وقد أعطاه المطاردون الاسم الكودى “ميكى ماوس” لضآلة حجمه، وكبر أذنيه النافرتين وعينيه الصغيرتين اللتين تشعان خلف نظارة كبيرة. فهو مرشح نموذجى للذوبان فى زحام القاهرة الذى يربك أبرع عمليات التخابر تخطيطًا. ولكن «المخيخ» قد حفظ كل مدخراته فى شكل ودائع فى أحد فروع البنك العربى وهو ما يقود المطاردين إلى تتبعه. ويقوم سرد المطاردة على التوازى بين عالمين، عالم القاهرة الذى يموج بالعشوائية وعالم الجاسوسين اللذين يديران المطاردة بأحدث أجهزة الاتصال فى مبنى بنيويورك يطلق عليه “مبنى الأشباح” وتنتهى المطاردة المثيرة مؤقتًا بفشل محاولة القتل وعودته إلى الحى العشوائى الذى لجأ إليه حيث نقابل نماذج إنسانية متنوعة فى صراعها من أجل البقاء بكل الطرق. وتقوده المطاردة إلى الوقوع فى قبضة مختطفين لفتاة تدخل للدفاع عنها، فيعتقد الجاسوسان الأمريكيان أنه استعان بفريق من المحترفين لإخفاء آثاره. والمختطفون المصريون الذين يجيد سائقهم المناورات للفرار من المطاردة يرون أنهم شركة “محترمة” لتحصيل أموال مستحقة تقوم “بمهمة قومية” متبنين لهجة رجال الأعمال كأن اختطاف الناس قد تحول إلى نشاط محترم جدا. ويخطر ببال المخيخ أن البلد لم يبق فيها سوى القوة الغاشمة حيث الأقوياء يفرضون ما تسوغه لهم أهواؤهم، أما الأغلبية الصامتة فأقصى ما يحلمون به أن يسمح لهم بالتأوه. ومصر كلها تنهب منذ أيام الفراعنة لا بالسطو المسلح، بل بالسلت أى الاستيلاء التدريجى المستمر برفق ونعومة.
تحتفظ الرواية بإيقاع مثير حتى النهاية الحتمية. ويجيد الكاتب رسم تفاصيل الشخصيات الرئيسية والثانوية وتصوير العوالم المختلفة التى تدور فيها الأحداث. فبموازاة عالم القاهرة السفلى هناك مركز التجسس الذى تدور فيه عملية الاغتيال عن بعد بواسطة عميلين يمر أحدهما بأزمة تطرح للتساؤل القيم الزائفة عن التفوق الأخلاقى التى يدعيها السياسيون فى الولايات المتحدة ويمر بلحظة إنسانية يتعاطف فيها مع الضحية ولكنه يمضى فى مهمة الاغتيال للنهاية. وهناك العالم الافتراضى الذى يسقط البطل عليه أحلام حياته غير المتحققة.
وقد سبق أن جاءت شخصية ذلك العالم فى إحدى روايات محمد توفيق السابقة وكانت كما هى فى رواية “فتاة الحلوى” شخصية حية ولم تقف عند كونها معنى رمزيًا كما لا تقف عند أن تكون فردًا بيولوجيًا فحسب، ففيها كثيرمن التلاوين والظلال لأنها تملك حياة اجتماعية عقلية وعاطفية وليست مجرد بصمة سلبية من بصمات المجتمع. وبطل الرواية شخصية فعالة تربطها بالمجتمع علاقات معرفية وأخلاقية وجمالية، وتربطها كذلك فاعلية فى القضايا الوطنية والقومية، وإن كانت الرواية لا تتصف بالتلقين الخطابى ولا تستهدف الدفاع عن رسالة سياسية مباشرة، وإنما تتصف بتفاعل البعد الجمالى فى تصوير الملامح والأفعال وإحكام الحبكة ومعالجة الواقع معالجة صادقة فى بناء معمارى فنى وبالصياغة اللغوية الموحية تنفذ من خلال أحداث المطاردة إلى أعماق المجتمع المصرى الذى يموج بالتناقضات والمفارقات.
لمزيد من مقالات ابراهيم فتحى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.