إذا كانت أدبيات العمل السياسي تسمح بهامش واسع من حرية الحركة والمناورة, فإن أبجديات الفقه الديني تحكمها عند الفتوي خطوط حمراء تحدد ما هو محظور وما هو مباح وفق قواعد الشرع «الأصول منها والفروع» وأخطر المحظورات في رأيي هو سعي البعض عن قصد أو غير قصد لتسييس الفتاوي الدينية. إن الإفتاء الديني ليس طرحا للآراء ومن ثم فإنه ينبغي أن تجيء الفتوي مجردة من أي هوي أو غرض, وأن تكون خاضعة للقواعد المنهجية والموضوعية وفق صحيح الدين أما إبداء الرأي فشيء آخر تماما تتسع فيه الساحة للتنوع والاجتهاد وفق الظروف والمعطيات الحاكمة لكل أمر دنيوي يخضع عادة للضوابط والأهواء. ولعل ما يدفعني إلي القول بذلك هو ذلك الجنوح المستفز علي شاشات الفضائيات باتجاه تسييس الفتاوي وما يترتب علي ذلك من خلط معيب بين أمور الدين الشرعية والقطعية التي ترتبط الفتوي فيها بصفة الإلزام وبين أمور السياسة التي تخضع لقياسات المرونة وحرية التنوع في الاجتهاد بعيدا عن أي ضوابط ملزمة تماشيا مع الفقه السياسي القائل بأن السياسة هي فن الممكن مثلما هي أيضا فن تحقيق المصالح والغايات بصرف النظر عن طبيعة الوسائل والآليات اللازمة لذلك! وأظن أن كثيرا مما يجري علي شاشات الفضائيات تحت لافتة الإفتاء يمثل ظلما لديننا الحنيف حيث يسعي البعض بوعي أو بغير وعي لاختطاف الدين من معاقل العقل والحكمة إلي كهوف المغامرة والمقامرة السياسية باجتزاء بعض آيات الذكر الحكيم أو الاستشهاد ببعض الأحاديث النبوية غير المؤكدة والتي تظهر المسلمين علي غير الحقيقة إنهم دعاة للتصادم والصراع ورافضون التعايش والحوار، مع أن الإسلام الصحيح يحث المسلمين علي مخاصمة كل أشكال الغلو والتطرف والأخذ بمناهج الاعتدال والوسطية التي حددها الإسلام وجعلها عنوانا لأمة محمد عليه الصلاة والسلام بقوله تعالي:» َكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَي النَّاسِ» صدق الله العظيم. خير الكلام: المال يمكن تعويضه ولكن لا شيء يعوض الشرف إذا ضاع! [email protected] لمزيد من مقالات مرسى عطا الله