قدم موليير مسرحياته علي المقاهي بأبسط الديكورات.. وعلي الرغم من هذا استدان ولم يستطع تسديد ما عليه من ديون ودخل السجن, وخرج منه وقد زاد عشقه لفن المسرح وإيمانه بضرورة أن يخاطب المسرح جموع البسطاء ولايتعالي عليهم.. وربما نفس هذه القناعة هي ما دفعت المخرج همام تمام إلي اقتراح مسرح العربة المتجول الذي يطرح عروضا شعبية في أماكن تجمعات الجماهير من نواد وساحات شعبية ومدارس ومصانع وحقول.. ولكن لأسباب أمنية تتعلق باختفاء رجال الشرطة في ظروف غامضة اضطرت الفرقة القومية للعروض المصرية مواصلة تقديم مسرحية بعزإيكا علي مسرح الغد بعد تحويل المقاعد إلي نصف دائرة لتوحي بشكل الساحة المفترضة لتقديم العرض. والمسرحية تتناول فكرة خيانة الحاكم أو المسئول للأمانة من خلال سيرك يريد مديره أن يبيعه لجهات أجنبية مقابل المال. ويقرر بعزأ مدير السيرك أن يبيع الألعاب المثيرة والحكايات الشعبية, متصورا أنه يقوم بتطويرها,ويقاومه مجموعة العاملين بالسيرك كزوجة الأراجوز التي قدمتها راندا قطب بحضور مسرحي وخفة ظل وإن كانت لكنتها الأجنبية بعيدة بعض الشيء عن طبيعة دور زوجة الأراجوز الشعبي, وكذلك فتافيت وفاء السيد صاحبة الحكايات الشعبية والتي تميزت بخفة ظلها وقدرتها علي انتزاع الضحكات علي رغم صغر حجم الدور.. وأيضا قام بدور المهرج الفنان حمادة سلطان الذي يرتجل النكات متجاوبا مع الجمهور بتلقائية كبيرة, كما يؤدي الموال الشهير للفنان محمد العزبي عن الأصيل والخبيث.. وقام سيد جودة ونعمة بدوري الرواة, وتميزت نعمة بصوتها العريض واتقانها للمواويل الشعبية. أما شخصية بعزأ مدير السيرك الخائن فقدمه معتز السويفي وهو أكبر الأدوار من حيث مدة الظهور علي المسرح وكم الحوار المكتوب, وفي تصورنا أن محاولة معتز لإثارة الضحك أضعفت من الدور وأخذت من هيبة المدير المتسلط كما جرفته إلي منطقة الخروج عن القيم العامة التي يحتاج المسرح في هذا التوقيت الخطير إلي تأكيدها عليها وليس التخلي عنها, خاصة إذا كان الهدف من العرض تقديمه في ميادين عامة وساحات شعبية أمام جمهور ربما لم يشاهد المسرح من قبل, والأولي أن يكون هذا المسرح هو النموذج في احترام قيم وأخلاقيات المجتمع, لأنه في هذه الحالة سفير يتحدث باسم الفنون كلها أمام شريحة غير مثقفة وربما أمية تصوب إلي عقولها أفكار سامة تحاول أن تنال من دور الفن ومشروعيته. قدمت جيهان سرور شخصية ويكا المستعمر الأجنبي ذات الانتماء الصهيوني, والتي تستغل أنوثتها في غواية بعزأ, وهي شخصية نمطية قدمت كثيرا من قبل, كما قدم مصطفي بكري شخصية الخواجة اليهودي التابع لويكا, وقدم محمد عباس ميتو شخصية خواجة آخر, وهو مجرد تكرار لفكرة الأجنبي السارق والناهب لخيرات المكان. وأخيرا قدم الوجه الجديد مي زويد شخصية نعيمة في الحكاية الشعبية ومحمد حامد شخصية حسن المغنواتي.. وبرغم أهمية المعني الذي أراد توصيله محمد الصواف مؤلف عرض بعزإيكا, فإن البعزقة قد أصابت المسرحية نفسها فظهرت المشاهد مفككة لا تشعر معها بالضرورة الفنية في الانتقال من مشهد إلي آخر, وقد اكتفي المخرج بتعليق الغناء علي الأحداث.. كما أن هناك شخصيات لا ندري ما سر وجودها مثل فسة أخت فتافيت التوأم والتي تقدمها بطبيعة الحال وفاء السيد. كنا نتصور أن شخصية فسة المزروعة كخادمة في بيت المدير بعزأ سيكون لها استخدام ما في الدراما أو في كشف الشخصية المخادعة ولكنها مجرد لوحة وضعت للإضحاك أو ربما لتعويض الممثلة ذات الإمكانات الكوميدية عن صغر دورها! وكذلك حمادة سلطان أكبر الممثلين سنا وأكثرهم نجومية يظهر في أول لوحة معترضا علي الفساد وسوء معاملة مدير السيرك للاعبين ويقوم بفقرة إضحاك ثم يختفي تماما بقية العرض فلماذا ظهر في البداية مقاوما محاربا يستعد لفقدان لقمة عيشه في سبيل كرامته ثم يختفي تماما بقية العرض دون أي تفسير عن مصيره؟! والتجربة علي رغم مافيها من أخطاء تستحق الاهتمام والدراسة حتي لا يصبح المسرح المتجول علي عربة والذي يذهب إلي الفقراء في أماكنهم مجرد حلم في خيال أصحابه. [email protected]