قبل أن نجيب على سؤال أكاد أسمعه بأذنى يتردد على شفاهكم: ماهو دور المرأة على الشاشة فى السينما المصرية.. ومن هى أول ممثلة ظهرت على المسرح؟ وماهى أول ممثلة وقفت أمام كاميرات التصوير فى الأفلام الأولى؟ قبل أن أجيب إليكم هذه الحكاية المثيرة: كنت أيامها لم أتجاوز الثانية عشرة من عمرى.. وكنت أيامها تلميذا فى ثالثة ابتدائى فى المدرسة الأميرية فى شبين الكوم.. ولما كنت ألفة الفصل.. يعنى المسئول عن الفصل كله.. وكان موعد حفل آخر السنة قد اقترب.. وكنت قد تقدمت لحسن أفندى مدرس الموسيقى والرسم والتمثيل فى المدرسة بفاصل تمثيلى فكاهى من تأليفى لكى نؤديه على مسرح المدرسة فى حفل آخر العام الذى سيحضره مدير المديرية. وكان على أيامها برتبة الباكوية وهو بمثابة المحافظ الآن.. ولكن كان ينقصنا فتاة تقوم بدور البطلة، ولما كانت المدرسة كلها أولاد.. لم يكن الاختلاط كما هو الآن. قد حدث فى مدارس المرحلة الأولى ولم تكن المدارس الخاصة قد ظهرت بعد.. وحاولنا أن نغرى ناظرة مدرسة البنات المجاورة أن تعيرنا من عندها تلميذة غاوية تمثيل.. ولكنها رفضت بإباء وشمم! ولما ضاقت بنا السبل.. اقترحت على ناظر المدرسة وكان يحمل درجة الباكوية وأذكر ان لم تخن الذاكرة ان اسمه كان عبدالجليل بك النمرسى.. أن نستعين ببائعة البطاطا التى تقف مع أبيها عم بركات كل صباح تبيع لنا البطاطا الساخنة لنأكلها بعد أن نغمسها فى الملح والشطة، ووافق حضرة الناظر على مضض.. وكانت الأدوار الحريمى يقوم بها الرجال أيامها.. وكان على الكسار فى بداياته يقوم بدور المرأة فى مسرح رمسيس ليوسف بك وهبى. وجاءت الليلة الكبيرة.. ليلة الافتتاح.. والبسنا بنت بتاع البطاطا.. وكان اسمها على ما أذكر «بخاطرها» لبس بنات الذوات ولطخنا وجهها بالأبيض والأحمر.. ونجحت بخاطرها نجاحا مشهودا وصفق لها كل من فى الصالة.. وخصوصا عندما بدأت تغنى دور منيرة المهدية.. يانا يا امك فى البيت! وفجأة اندفع من آخر الصالة فى المسرح الذى أقمناه فى حوش المدرسة.. أبوها المعلم بركات.. ليصعد إلى خشبة المسرح ويسحب ابنته من شعرها وهو يصيح فينا كلنا: أنا حاصور قتيل النهاردة.. إيه المسخرة دى.. تعالى يابنت وأمسك بها وجرها إلى خارج القاعة.. وسط ذهول حضرة الناظر والمدرسين.. وأنا أقف وحدى على المسرح لا أتحرك ولا أنطق كاننى تمثال أبو الهول.. وصفقت الصالة كلها للمشهد اعتقادا منهم انه من صميم الرواية!! ....................... ....................... والآن تعالوا نقرأ معا حكاية المرأة على الشاشة الفضية: كانت الساعة تقترب من التاسعة والنصف مساء.. تتبقى خمس دقائق على فتح ستار مسرح رمسيس فى شارع عماد الدين.. تقف سيارة باكار سوداء كبيرة ذات ستائر مخملية.. ينزل سائقها وفى يده مظروف أزرق. بداخل المظروف رسالة كتبتها فتاة من النوع إللى يقول للقمر قوم وأنا أقعد مطرحك، قالت فيها: «أنا فتاة من أسرة محافظة.. أهوى التمثيل.. مع الرسالة صورة لها.. السائق يسأل عن حجرة يوسف وهبى.. يسلمه الرسالة ويمضى.. يقرأ الفنان الكبير الرسالة ويتأمل الصورة الجميلة ويطلق كلمته الشهيرة: ياللهول، ثم يسأل عن صاحبتها.. يخطو إلى خارج المسرح.. ليقول له من على الباب: لقد ذهبت فى السيارة السوداء! المشهد كله لم يحدث بالأمس القريب.. ولكنه جرى ذات ليلة من ليالى صيف عام 1952،، يعنى قبل 63 عاما بالتمام والكمال. والفتاة التى كانت فى العربة الباكار كان اسمها عزيزة أمير. وكانت تلك بداية أول ممثلة مصرية.. التى قدمت بعد سنتين فقط أول فيلم روائى مصرى طويل اسمه «ليلى»! هكذا كانت بداية مشوار المرأة المصرية على شاشة السينما.. وياله من مشوار.. قالت لى ممثلة شهيرة اعتزلت العمل السينمائى ورجتنى ألا أذكر اسمها: يا أخى عمال تتكلم عن الرجال المصريين العظماء وأفلامهم المدهشة.. ومافيش ستات عظيمات فى مشوار السينما المصرية قدمن أفلاما عظيمة ومدهشة كمان.. هو الفيلم يحلى إلا لما تكون فيه واحدة ست ممثلة عظيمة.. واللا انتم ياصنف الرجالة عاوزين تقولوا انكم قوامين على النساء كمان فى الفن.. شوية انصاف للمرأة المصرية التى لولاها.. ماكان عندنا فيلم زى العزيمة شالته فنانة عظيمة اسمها فاطمة رشدى.. واللا فيلم زى شباب امرأة، واللى عملته فيه تحية كاريوكا.. واللا عزيزة أمير فى فيلم «آمنت بالله». واللا فاتن حمامة فى فيلم «نهر الحب» واللا ماجدة فى فيلم «أين عمرى».. واللا سعاد حسنى فى فيلم «القاهرة 30».. و القمر اللى مدلع على الآخر اللى اسمها هند رستم فى فيلم «صراع فى النيل» واللا شادية فى فيلم «المرأة المجهولة واللص والكلاب» واللا أمينة رزق.. وما أدراك ما أمينة رزق فى فيلم «أعز الناس» فى دور أم تمسح بلاط المستشفى! تسألنى: عاوز كمان.. واللاكفاية كده..؟ قلت: كمان والنبى؟ قالت: عندك نادية لطفى فى فيلم «السمان والخريف».. وبرلنتى عبدالحميد فى فيلم «رنة الخلخال».. وناهد شريف فى دور بائعة اليانصيب فى فيلم «دنيا الله».. مع العملاق صلاح منصور.. واللا هدى سلطان فى «امرأة على الطريق».. واللا نجمة ابراهيم فى فيلم «ريا وسكينة».. واللا ليلى فورى فى فيلم: «الناصر صلاح الدين». وبعدين ياسيدى مازال قمر الزمان يتكلم ويحكى هو فيه فيلم عسل كده وينجح ويكسر الدنيا.. إلا إذا كانت فيه واحدة فنانة عظيمة شايلة الفيلم وواقفة جنب البطل ومخلياه يطلع أحسن ما عنده تمثيلا وأداء واقناعا عند الناس.. أسألها: زى إيه كده؟ قالت: خذ عندك ياسيدى.. شادية مع شكرى سرحان فى «اللص والكلاب».. سناء جميل مع صلاح منصور فى «الزوجة الثانية».. شادية وكمال الشناوى فى «المرأة المجهولة».. فاتن حمامة وزكى رستم فى «نهر الحب».. سعاد حسنى مع حمدى أحمد فى «القاهرة 30».. هند رستم مع رشدى أباظة فى «صراع فى النيل».. نادية لطفى مع محمود مرسى فى «السمان والخريف».. تحية كاريوكا وشكرى سرحان فى «شباب امرأة».. وكريمة مختار وعبدالمنعم مدبولى فى «الحفيد».. لو شلت «السنيورة» من دول من الفيلم مابقاش فيه فيلم أصلا.. «الخنشور لوحده ماينفعشى!» قلت: ولو شلتى الخنشور مايبقاش عندنا فيلم أصلا! قالت: يعنى لازم الخنشور والسنيورة معا.. يعنى لازم ننصف جيل الفنانات العظيمات وتديهم حقهم واللا إيه؟ ........................... ........................... ابحث عن المرأة؟ وبحثت وسألت ودسست عيونى فى مجلدات المجلات الفنية فى كتبخانة القلعة.. من يوم ام ولدت السينما فى مصر قبل أكثر من 100 عام وحتى اليوم. عشت أياما وليالى أقرأ وألخص وأعلم على الورق وأطلب تصوير صفحات وصور ومقالات وكتب.. وكلفت زميلات صحفيات جليلات بالبحث عن الدواليب ومجموعات الفنانين والفنانات الخاصة وقراءة نصوص مذكرات هذا الفتى الهمام وتلك السنيورة التى حيرت جيشا من المعجبين والمعجبات.. وطلبت من نقاد وكتاب أجلاء أن يكتبوا بأقلامهم وبفكرهم سمير فريد وكمال رمزى، وسعدالدين توفيق وعلي أبوشادي وأحمد الحضري ومحمود قاسم ود. مدكور ثابت ومني غندور والكاتب الفرنسي جورج سادول ووسام أبوالعطا وكوثر زكي ومحمد نور من معلومات الأهرام ومجموعة ندوات الزميل العزيز محمود مراد عن ملف السينما.. كلنا نبحث ونفتش في مسيرة أميرات السينما المصرية عبر قرن بحاله.. ويا لها من رحلة ويا له من حصاد.. ماذا وجدنا.. وماذا اكتشفنا ياتري؟ .............. .............. سر المرأة في السيارة الباكار! ما اكتشفناه: ان المرأة في البداية لم يكن مسموحا لها بالطلوع علي المسرح أو الوقوف أمام الكاميرا.. في ظل تقاليد المجتمع التي كانت تمنع بنات الأسر من دخول عالم الفن.. وكان الممثلون الرجال يقومون بدور المرأة في أي عمل فني.. أول ممثلة مصرية مسلمة تطلع علي المسرح هي المطربة منيرة المهدية.. في وقت كان التمثيل مقصورا علي الشاميات المسيحيات واليهوديات في مسارح وكازينوهات شارع الفن أيامها الذي أسمه شارع عماد الدين. الزميلة الصحفية في جريدة الشرق الأوسط سعاد مكرم تقرأ لنا من دمشق طبعا قبل ان تحل بها كارثة الحرب المجنونة التي تجري هناك الآن صفحات من كتاب الكاتبة والباحثة مني غندور بعنوان: «سلطانات الشاشة» تصف لنا أول مشهد في سيناريو فيلم دخول المرأة المصرية إلي عالم السينما بقولها: ليل خارجي.. مدخل مسرح رمسيس في شارع عماد الدين.. سيارة سوداء ذات ستائر رمادية تقف أمام المسرح.. بداخلها سيدة لا نعرفها.. ينزل السائق ومعه رسالة بداخلها صورة للسيدة الجالسة في المقعد الخلفي للسيارة الباكار.. يسلم الرسالة إلي النجم الساطع يوسف وهبي داخل المسرح.. ماذا تقول الرسالة ياتري؟ الرسالة تقول سطورها: أنا فتاة من عائلة محافظة وأهوي الفن.. ومعها صورة للمرأة الجالسة في المقعد الخلفي.. قرأ يوسف وهبي الرسالة.. وتوقف عند الصورة.. فتاة في غاية الجمال.. كأنها جوان كراوفورد في عزها.. نزل جريا إلي باب المسرح.. فلم يجد صاحب الرسالة ولا السيارة.. في اليوم التالي ذهبت نفس الفتاة بنفس السيارة إلي بيت يوسف وهبي.. اقتحمت عليه خلوته وقدمت له نفسها في ملابس مثيرة وهي تبكي وتطلب منه أن يعلمها فن التمثيل.. وكتب لها يوسف وهبي دورا خطيرا في مسرحية بعنوان: «البحار المزيف».. وكانت تلك البداية لأول ممثلة سينمائية مصرية اسمها عزيزة أمير! ثم تنتقل عزيزة أمير بين المسارح.. حتي تكون بنفسها شركة سينمائية تحت اسم «ايزيس» وتنتج أول فيلم لها اسمه: «نداء الله» اخراج المخرج التركي الذي لا يعرف اللغة العربية ودار العرض ليسقط سقوطا مريعا..! ولكن في عام 1927 تقدم لنا عزيزة أمير أول فيلم مصري ناطق بعنوان «ليلي» من اخراج استيفان روستي، وقد نجح نجاحا منقطع النظير عندما عرض في دار سينما «متروبوليتان».. بعد أن دفعت لصاحبها 300 جنيه وهو مبلغ كبير جدا بأسعار هذا الزمان لكي يسمح بعرض فيلم مصري بدلا من الأفلام الأجنبية! وقال لها الشاعر أحمد شوقي والاقتصادي الكبير طلعت حرب اللذان حضرا حفل الافتتاح: «لقد صنعت يا سيدتي ما يعجز عن صنعه الرجال»! ثم قدمت عزيزة أمير فيلم «بنت النيل» ثم فيلم «كفري عن خطيئتك». ودخلت إلي عالم نجيب الريحاني بفيلم: «بسلامته عاوز يتجوز».. وتتابعت سلسلة أفلامها: بتاعة التفاح + الورثة + ليلة الفرح + ابن البلد + طاقية الاخفاء.. ما يزيد علي عشرين فيلما.. من اخفاق طويل إلي نجاح ساحق في آخر أفلامها «آمنت بالله» الذي ماتت دون أن تراه.. تماما كما حدث مع نجيب الريحاني الذي لم يشاهد آخر أفلامه وأروعها علي الاطلاق «غزل البنات»! حياة عزيزة أمير، هي بحق أسطورة عجيبة من الأزواج والعشاق. كانت ذات فتنة طاغية، وجمال مصري صميم، امرأة رقيقة مع شطارة، فنانة موهوبة، أولعت بالسينما وأضاعت ثروتها عليها، وشقيت وأشقت كل من حولها! آسيا.. المرأة الحديدية! ثم تظهر علي شاشة العرض السينمائي فنانة ذات جمال قادم من روابي وشلالات بر الشام.. كأنها ملكة الحيثيين التي تزوجها رمسيس الثاني في أول معاهدة زواج ملكي في التاريخ.. أسمها آسيا داغر.. ابنة أشجار الأرز.. المرأة الحديدية التي لا تلين ولا تتكسر.. عاشقة فن السينما.. لم تعرف المستحيل يوما.. بدأت مشوارها بفيلم تكلف ألف جنيه وأنهته بفيلم تكلف في الستينيات 10 آلاف جنيه يعني بأسعار هذه الأيام 10 ملايين جنيه وهو فيلم الناصر صلاح الدين الذي لن يتكرر! وقد قدمت آسيا خلال مسيرتها الفنية 49 فيلما سينمائيا تألقت في تمثيل فيلم «بنت الباشا المدير» في جمالها ورقتها وعذوبتها حتي أنها غطت في رأيي علي الفاتنة ماري كوين بنت أختها! برغم أنها قامت في الفيلم بدورين» فتاة ورجل! وقدمت آسيا للسينما مخرجين أصبحوا عظاما: هنري بركات + حسن الامام + كمال الشيخ + حلمي رفلة + حسن الصيفي + ابراهيم عمارة + أحمد كامل مرسي. ................. ................. بهيجة حافظ نجمة الصحراء المشرقة! ثم نأتي إلي الممثلة المصرية رقم اثنين والتي اسمها بهيجة حافظ.. ويوسف وهبي الذي اختار لها هذا الاسم بعد أن كان اسمها «بهيجة محمد». أول فيلم قامت ببطولته هو فيلم «زينب» للكاتب السياسي الكبير الدكتور محمد حسين هيكل باشا رئيس حزب الأحرار الدستوري.. ليكون أول عمل أدبي مصري يظهر علي الشاشة. وقد عرض الفيلم في 9 ابريل 1930 وقام بأدوار البطولة أمامها زكي رستم وسراج منير.. ثم قامت ببطولة فيلم «الضحايا» من انتاجها واخراج ابراهيم لاما.. وقد ظهرت المطربة ليلي مراد لأول مرة.. ليلتقطها عبدالوهاب بعد ذلك! ثم قامت ببطولة أفلام «الاتهام».. «ليلي بنت الصحراء».. «ليلي البدوية» و «زهرة».. وكان آخر مشاهدها في فيلم «القاهرة 30» للمبدع صلاح أبوسيف في دور صغير كضيفة شرف.. أمام الفنانة سعاد حسني! علي الرغم من صلابة بهيجة حافظ وجمالها ودأبها ورهافتها الفنية وشهرتها المدوية، تخلي عنها الحظ في آخر العمر واضطرت في سنواتها الأخيرة إلي الانزواء، وماتت وحيدة بطريقة لا تليق بتاريخها وما قدمته للسينما. ولقد ذهبت ضحية للكمال والمستحيل اللذين سعت إليهما دونما كلل، وقتلها زمن جاحد أبي حتي الاعتراف بعطائها العظيم! ................ ................ فاطمة رشدي بريمادونة الزمن الأول! كلهن ذهبن إلي شارع عماد الدين.. في مغامرة تفوق أحيانا خيال كتاب قصص وسيناريوهات الأفلام السينمائية.. وكل قصة لأي واحدة منهن تصلح لكي تكون فيلما عجيبا للمغامرة والاصرار والشغف إلي المجد وركوب مطية الخلود علي الشاشة الكبيرة.. لا يقف في طريقهن أحد.. ولا يكسر شوكتهن انسان.. ها هي فاطمة رشدي التي ذهبت إلي عماد الدين شارع الفن أيامها.. لتعمل مجرد فتاة في كورس فرقة سيد درويش ثم في فرقة نجيب الريحاني.. لكي تلتقي في عماد الدين برضه بقديس المسرح عزيز عيد الذي يعلمها التمثيل وقبل أن ينتهي الدرس.. يتزوجها لتصبح نجمة فرقة رمسيس، بعدها تخرج إلي النور الفرقة المسرحية التي تحمل إسمها، وتقدم علي خشبة مسرحها 15 مسرحية في سبعة أشهر! ولكنها تخفق في أول تجربة سينمائية لها مع بدر لاما في «فاجعة فوق الهرم» يؤكدها الهجوم الكبير الذي نالته من الصحافة لضعف مستواه، ولولاها لمني الفيلم بخسارة فادحة! ثم يقنعها المخرج وداد عرفي، ويخرج لها فيلم «تحت سماء مصر» لكنها تحرق أشرطته لأنه كان أقل من مستوي الفيلم السابق. انصرفت بعدها فاطمة رشدي إلي المسرح ولعدة مواسم ثم زاوجت بينه وبين السينما، عودتها إلي الشاشة كانت بفيلم «الزواج» كمؤلفة ومخرجة وممثلة، ثم فيلم «الهارب» مع بدر لاما، وفيلم «ثمن السعادة» ومن ثم فيلمها المعجزة مع كمال سليم «العزيمة» رائد الواقعية المصرية. حاز الفيلم علي نجاح كبير وصفه النقاد انه أحسن فيلم مصري! وتتوالي أفلامها: «الطريق المستقيم»، «بنات الريف»، «مدينة الغجر»، «غرام الشيوخ»، «الريف الحزين»، «عواصف»، «الطائشة»، «دعوني أعيش»، «الجسد». وتنحسر الأضواء عن فاطمة رشدي مع التقدم في السن وضياع الصحة، تاركة وراءها ما يناهز 200 مسرحية و16 فيلما سينمائيا، وحياة عاشتها بالطول والعرض! ملحوظة من عندي: كما هي العادة.. فإن كل مبدع وكل فنان في بلدنا يلقي في أواخر أيامه جحودا ونكرانا حتي من أقرب الناس إليه.. لايهم ماذا قدم وماذا أضاف .. لكن لو أصابته يد العوز والحاجة.. لا أحد يسأل عنه.. هكذا عاشت أواخر أيام فاطمة رشدى.. وقد قابلتها فى مدينة السويس عندما لم تجد مكانا تقيم فيه خلال رحلة مرضها .. فقرروا لها شقة فى المساكن الشعبية فى مدينة السويس.. وفد وذهبت اليها هناك: تصوروا.. هكذا يكون التقدير وهكذا يكون التكريم.. أخر كلماتها إلى: »والنبى يابنى ابقى خللى التليفزيون يعرض أفلامى.. عشان الناس ماتنسانيش.. دا أنا فاطمة رشدى اللى كان شارع عماد الدين يتزلزل لما أمشى عليه».. أستغفر الله العظيم! ......... .......... ثم نمر على محطة الجمال المصرى الأصيل.. كأنها قادمة من طيبة عاصمة مصر أيام مجد الحضارة المصرية.. أنها مارى كوينى صاحبة الجمال الطاغى.. وجه نسائى سينمائى لسنوات طويلة. تقول لنا منى غندور فى كتابها »سلطانات الشاشة«: لفتت الفتاة مارى كوينى، أبنة أخت آسيا داغر، أنظار المخرج وداد عرفى فأشركها فى فيلم »غادة الصحراء«، بعده شاركت آسيا وأحمد جلال إلى أنهار التحالف الثلاثى، فشكلت مع جلال زوجها شركة سينمائية، بدأ بفيلمين »رباب« و »ماجدة« ثم أخذا بتأسيس استديو »جلال« فظهر لهما »بنت الباشا المدير« و»أم السعد« لكن المرض يأتى على زوجها أحمد جلال ويكون »عودة الغائب« آخر أفلامه تتعاون مارى مع عباس كامل فى فيلم »كنت ملاكا« ثم تنتج أول أفلامها »السجين 17« »الزوجة السابعة« مع المبدع »محمد فوزرى« فى افلام »الهام« »ظلمونى الناس« »صحيت غرامى« »أنا بنت ناس« »ابن النيل« »أسرار الناس« »نساء بلا رجال« بعدها هجرت التمثيل إلى الانتاج.. فقدمت أفلاما رائعة »مكتوب عالجبين« »لسانك حصانك« »ماليش حد« »قلوب الناس« »دستة مناديل« »ربيع الحب«، وانجاب ظاهرة اسماعيل ياسين فى سلسلة أفلام كوميدية باسمه.. حققت نجاحا هائلاً بعد عدوان 1956 وظفت مارى كوينى الخط الوطنى فى أفلامها »حب من نار« و »رحمة من السماء« وفى عام 1958 أنشأت أول معمل أفلام السكوب فى مصر، لتنتج فيلم »غرام فى الصحراء« مشتركا بميزانية ضخمة تبعه »المليونير الفقير« و »دنيا البنات« وفى عام 1963 تتقوقع السينما باجراءات التأميم التى قامت بها الثورة فأممت الاستديوهات ومن بينها استديو جلال لتقوم مارى بانتاج فيلم »فجر يوم جديد« ليوسف شاهين، ثم عملت منتجا منفذا لحساب القطاع العام مابين 1967 حتى عام 1971 قدمت أربعة أفلام »عندما نحب« »اجازة صيف« »انا الدكتور« »مذكرات الآنسة منال« وتعود مارى منتجة مستقلة فى عام 1972 فى أول فيلم لابنها نادر جلال »غدا يعود الحب« تتلوه سبعة أفلام أخرى ...... ....... أمينة رزق أم السيما المصرية كلهن كما قلنا وعددنا جئن من مسارح شارع عماد الدين »أمينة رزق مع قريبتها »أمينة محمد« تنقلتا من مسارح وصلات روض الفرج إلى مسارح وصالات عماد الدين. ثم تأتى أمينة محمد التى لايعرفها جمهور السينما كثيرا.. تقول لنا عنها منى غندور: أنها قصة مختلفة تماما.. فقد جاءت الى السينما من أسرة فقيرة، كانت تهرب لتتفرج على المسارح فى روض الفرج مع قريبتها أمينة رزق بدايتها السينمائية مع المصور محمد بيومى فى فيلم »ليلة من العمر« لم يعرض لتفاهته. وأتت فرصتها السينماذية الحقيقية مع فيلم »شبح الماضى« . وتلاحقت أفلامها مع توجو مزراحى »الدكتور فرحات« و »100 الف جنيه« ولحساب استديو ناصيبيان »الحب المورستانى« فى عام 1937 تؤسس شركة انتاج »أمية فيلم« وتنتقل بفيلمها الأول »تيتا وونج« من مصاف ممثلات المسرح الثانويات إلى مصاف البطلات الخالدات، ورغم نجاحها أغرقها الفيلم بالديون. ثم سافرت إلى أوروبا، تجولت فيها وعملت فى ملاهيها ومع قرع طبول الحرب عادت إلى مصر وشاركت فى أدوار سينمائية صغيرة عبارة عن مشاهد راقصة، ثم عملت مساعدة مخرج وخاضت فى أعمال كثيرة لم تكن كرامة أكثر من مغامرات خاسرة! ....................... .................... ولنترك الناقد السينمائى كمال رمزى يحدثنا عن أمينة رزق وعن الرعيل الأول من بطلات العصر الذهبى للسينما: منذ البدايات المبكرة، قسمت السينما المصرية بطلاتها، إلى قسمين: أحدهما ينتمى إلى عالم الملائكة، والثانى ينتمى إلى عالم الشياطين، واستمرت هذه التقسيمة الاخلاقية التى تفصل فصلا حادا بين الخير والشر، مهيمنة على أفلام الثلاثينيات والاربعينيات، وتمتد بدرجات متفاوته، فى الخمسينات والستينيات، وتتغير فى السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات فيمتزج الخير بالشر، حيث من الممكن أن تصبح المرأة الطيبة قاتلة شديدة الشراسة. وفى أفلامها الأولى، بلورت أمينة رزق صورة المرأة الملاك، ذات القلب الذى يفيض بالحنان.. التى تعصف بها المحن وتتعرض لخيانة الرجل ومؤمرات الاشرار وظلم الاقدار أمينة رزق تلميذة يوسف وهبى وجاءت إلى السينما من باب المسرح أنها ذات وجه حساس، رومانسى الطابع رقيق التقاطيع ونظرات مترعة بالرحمة تحت عنوان الأداء الباكى. ولقد وصف الفنان زكى طليمات، أداء أمينة رزق على خشبة المسرح بقوله ذلك الأداء الذى يجئ حاملا معه طابعا يجعلك تحس فيه بطعم شئ حزين من غير مناسبة، أى من غير أن يكون فى الموقف التمثيلى الذى يؤديهما يبرر هذا الشىء الحزين. وفى الوقت الذى كانت فيه أمينة رزق وهى لاتزال فى سن الشباب تميل الى تمثيل أدوار الأمهات، المضحيات فى سبيل أبنائهن، واصلت مارى كوينى تجسيد شخصية الفتاة البريئة المحبة، الطاهرة، المغلوبة على أمرها. لم تأت مارى كوينى كامتداد لأمينة رزق، ذلك أنها ظهرت على الشاشة فى الوقت ذاته الذى دخلت فيه أمية رزق عالم السيما. وكلتاهما تعبران. على نحو ما. عن واقع الفتاة العربية أو المصرية . فى فيلم »عندما تحب المرأة« لأحمد جلال 1933! تطالعنا مارى كوينى، مرة ثانية، بوجهها الملائكى، كخطيبة مخلصة بالغة الوفاء، تنتشل خطيبها من الاحقاد التى تعتمل فى قلبه، تجاه شريرة تقوم بدورها آسيا. وفى »عيون ساحرة« لأحمد جلال 1943، تسيطر آسيا صاحبة القوة الخارقة على مارى كوينى، الأضعف والأفقر، وتحاول آسيا أستنادا لخيال الفيلم القائم على السحر الأسود. أن تنقل دم كوينى لحبيبها الذى يخفق قلبه بحب الضعف والافقر والاكثر قدرة على العطاء.. علي هذا المنوال توالت أفلام مارى كوين«.. ....................... ..................... فاتن حمامة سيدة الشاشة العربية ثم ظهرت على الشاشة العربية التى اسمها فاتن حمامة.. وكانت بدلايتها طفلة فى فيلم عبد الوهاب »يوم سعيد«.. ولقد اكتسبت فاتن حمامة من يوم ظهورها شخصية الفتاة الضحية، بل إن عناوين أفلام فاتن حمامة تعبر عن مغزاها، فهى إما تصف البطلة بكلمات من نوع »ملاك الرحمة« ليوسف وهبى 1946 »الملاك الأبيض« لزهير بكير 1946، »ملاكة فى جهنم« لحسن الامام 1949، »كانت ملاكا« لعباس كامل 1947 أو تقدم احتجاجا خجولا ، مطالبة بالشفقة مثل »ظلمونى الناس« لحسن الامام 1950 »أنا بنت ناس« لحسن الامام 1951، »أشكى لمين« لابراهيم عمارة 1951 «لك يوم يا ظالم« لصلاح أبو سيف 1951 »كاس العذاب« لحسن الامام 1952 هذه هى فاتن حمامة الموهوبة بقوة، التى تذكر المشاهد بأودرى هيبورن تمتعت بوجه طفولى الملامح، محدد القسمات، يعبر عما تحسه فى قلبها، ربما أخذت شيئاً من التعبير بالعينين عن أمينة رزق، وقد تكون قد استوعبت قدرة ماري كوينى فى تلوين صوتها المنخفض، بالاحاسيس التى تريدها. مهما كانت حدتها أو سخونتها ولكن فاتن حمامة، أولا وأخيرا، ذات شخصية فنية متفردة تعايش أدوارها بصدق، تمثل وكأنها لاتمثل، عفوية إلى أبعد الحدود مقتصدة فى استخدامها لوسائل التعبير. ولقد منحتها بساطتها قدرة كبيرة على الاقناع. أمينة رزق ومارى كوينى وفاتن حمامة، على الشاشة هن النجمات الأكثر تعاسة، يفضحن الوضع البائس لنساء لم تتح لهن فرصة التعليم، ولم يكن أمامهن أى فرص للعمل، اللهم إلا بيع أوراق اليانصيب أو الانحراف فى الملاهى الليلية، فى أفلامهن، تسيل دموعهن مرارا، ويصبحن ضحايا على مذبح مجتمع لم يلتفت بما فيه الكفاية لحقوق المرأة!. صور النجمات الثلاث، طالبات الرحمة، المستسلمات غالبا، تختلف عن صور النساء العربيات، البدويات، بجذورهن التاريخية، التى قدمتها آسيا وكوكا وبهيجة حافظ. الايجابيات القويات بدنا وروحا، المتمتعات بارادة من حديد! أما مريم فخر الدين، التى جاءت متأخرة فى طابور الضحايا فإنها تعتبر نقطة النهاية فى مسيرة ملائكة الطهارة، قامت ببطولة أول أفلامها «ليلة غرام» الذى أخرجه أحمد بدرخان عام 1951. وتوالت افلامها بعد ثورة يوليو 1952 في فيلمها الشهير «رد قلبي» ثم نودع واقعيا نموذج المرأة البائسة ، الجاهلة، التي لا تعمل، لنستقبل نماذج أخري، لفتيات مسلحات بالمعرفة، مستقلات اقتصاديا، ايجابيات يتطلبن نجمات تختلف طباعهن عن طباع الرومانسيات الضعيفات ، الحزينات في المقابل. شادية فنانة لاتنسي ملحوظة من عندي: ولا اعرف هنا هل نسي الناقد كمال رمزي الفنانة شادية أم تناساها.. شادية فنانة شاملة رائعة لها حضور قوي تدخل قلبك ببساطة ودون تفكير.. تمنحك بصوتها وظرفها ورقتها بهجة وسعادة ثم تبكيك في المرأة المجهولة وتتعاطف معها في «اللص والكلاب».. شادية فنانة لاتنسي! ثم يظهر الشر مكشرا عن أنيابه .. بدلا من الفتاة البريئة الطاهرة جاءت المرأة الشريرة، العابثة، التي تتخذ من جسدها غالبا وسيلة لغواية البطل ، واستعباده تمهيدا للقضاء عليه! كنوع من مقاومة الاستعمار ، درجت السينما المصرية في البدايات، علي وصم المرأة الأجنبية بالشر، تعمل بلا ضمير علي تقويض اركان الأسر الآمنة، وتدمر العلاقات المستقرة، مثلما يجري في «أولاد الذوات» لمحمد كريم 1932، ولكن سرعان ما امتد الشر، ليشمل المصريات أيضا، اذ كانت آسيا وميمي شكيب وزوزو نبيل ونجمة ابراهيم وغيرهن، يقمن بأداء ادوار النساء الشريرات، فإن الشر ممتزجان الإثارة الجنسية والرغبات المحمومة تجسد في نجمات تنافسن علي عرش الفتنة، وبعضهن تأثرن بالنجمات الهوليووديات، مارلين وبتريتشي وآنا جاردني وريتا هيوارث اللاتي تفننت الأفلام الامريكية في تقديمهن. نجمات الاغراء.. خمس! ..................... .................... ذلك حديثنا القادم باذن الله.. ومازلنا مع حرملك السينما المصرية{! Email:[email protected] هذه صفحات مجهولة من صفحات الاهرام عبر مشوار صحفى طوله 140 سنة.. للاجيال الصحفية التى تبشر بخير كثير فى رحلة البحث عن الحقيقة وحب مصر