عيار 21 بكام.. انخفاض سعر الذهب الأحد 28 أبريل 2024    طالبوا بصفقة لتبادل الأسرى.. شرطة الاحتلال تعتقل 7 متظاهرين في تل أبيب    الأرصاد: اليوم طقس حار نهارا مائل للبرودة ليلا.. والعظمى بالقاهرة 31    لا بديل آخر.. الصحة تبرر إنفاق 35 مليار جنيه على مشروع التأمين الصحي بالمرحلة الأولى    ياسمين عز ترد عن شائعات إنفصال مها الصغير وأحمد السقا    محاكمة المتهمين بقضية «طالبة العريش».. اليوم    محافظ الإسكندرية يطلق مبادرة توظيفك علينا لتشغيل 1000 شاب وفتاة    الأطباء تبحث مع منظمة الصحة العالمية مشاركة القطاع الخاص في التأمين الصحي    تصفح هذه المواقع آثم.. أول تعليق من الأزهر على جريمة الDark Web    موعد مباراة إنتر ميلان وتورينو اليوم في الدوري الإيطالي والقناة الناقلة    السكك الحديد تعلن عن رحلة اليوم الواحد لقضاء شم النسيم بالإسكندرية    موعد مباراة توتنهام وآرسنال اليوم في الدوري الإنجليزي والقنوات الناقلة    سيد رجب: بدأت حياتى الفنية من مسرح الشارع.. ولا أحب لقب نجم    عاجل.. قرار مفاجئ من ليفربول بشأن صلاح بعد حادثة كلوب    لتضامنهم مع غزة.. اعتقال 69 محتجاً داخل جامعة أريزونا بأمريكا    ماكرون يعتبر الأسلحة النووية الفرنسية ضمان لبناء العلاقات مع روسيا    أسعار الأسماك واللحوم والدواجن والخضروات.. اليوم 28 أبريل    زلزال بقوة 6.1 درجة يضرب جزيرة جاوة الإندونيسية    التصريح بدفن جثة شاب صدمه قطار أثناء عبوره المزلقان بقليوب    يده ملطخة بدماء 97 صحفيا، بايدن يعتزم إلقاء خطاب خلال عشاء مراسلي البيت الأبيض واحتجاجات في انتظاره    الفرح تحول إلى جنازة، لحظة انتشال سيارة زفاف عروسين بعد سقوطها بترعة دندرة (صور)    ما شفتش لمسة اليد، أول تعليق من مخرج مباراة الأهلي على إلغاء هدف مازيمبي    السفير الروسي: انضمام مصر للبريكس مهم جدا للمنظمة    غدا.. محاكمة عاطل متهم بإنهاء حياة عامل في الحوامدية    أتلتيكو مدريد يفوز على أتلتيك بلباو 3-1 في الدوري الإسباني    14 مليار دولار في طريقها إلى مصر بسبب رأس الحكمة    تسليم أوراق امتحانات الثانوية والقراءات بمنطقة الإسكندرية الأزهرية    فضل الصلاة على النبي.. أفضل الصيغ لها    اشتباكات بين الفلسطينيين والاحتلال الإسرائيلي غرب رام الله    عضو اتحاد الصناعات يطالب بخفض أسعار السيارات بعد تراجع الدولار    بعد التراجع الأخير.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الأحد 28 أبريل 2024 بالأسواق    بالأسماء.. مصرع 5 أشخاص وإصابة 8 في حادث تصادم بالدقهلية    هيئة كبار العلماء السعودية تحذر الحجاج من ارتكاب هذا الفعل: فاعله مذنب (تفاصيل)    حسام البدري: أنا أفضل من كولر وموسيماني.. ولم أحصل على فرصتي مع منتخب مصر    هل مرض الكبد وراثي؟.. اتخذ الاحتياطات اللازمة    اليوم، أولى جلسات دعوى إلغاء ترخيص مدرسة ران الألمانية بسبب تدريس المثلية الجنسية    بعد جريمة طفل شبرا، بيان عاجل من الأزهر عن جرائم "الدارك ويب" وكيفية حماية النشء    إصابة 8 أشخاص في حادث انقلاب سيارة ربع نقل بالمنيا    حسام غالي: كوبر كان يقول لنا "الأهلي يفوز بالحكام ولو دربت ضدكم (هقطعكم)"    نصف تتويج.. عودة باريس بالتعادل لا تكفي لحسم اللقب ولكن    عمرو أديب: مصر تستفيد من وجود اللاجئين الأجانب على أرضها    غادة إبراهيم بعد توقفها 7 سنوات عن العمل: «عايشة من خير والدي» (خاص)    نيكول سابا تحيي حفلا غنائيا بنادي وادي دجلة بهذا الموعد    بشرى للموظفين.. 4 أيام إجازة مدفوعة الأجر    متحدث الكنيسة: الصلاة في أسبوع الآلام لها خصوصية شديدة ونتخلى عن أمور دنيوية    الأردن تصدر طوابعًا عن أحداث محاكمة وصلب السيد المسيح    ما حكم سجود التلاوة في أوقات النهي؟.. دار الإفتاء تجيب    الآن.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري للبيع والشراء اليوم الأحد 28 إبريل 2024 (آخر تحديث)    تحولات الطاقة: نحو مستقبل أكثر استدامة وفاعلية    هل يمكن لجسمك أن يقول «لا مزيد من الحديد»؟    23 أكتوبر.. انطلاق مهرجان مالمو الدولي للعود والأغنية العربية    دهاء أنور السادات واستراتيجية التعالي.. ماذا قال عنه كيسنجر؟    السيسي لا يرحم الموتى ولا الأحياء..مشروع قانون الجبانات الجديد استنزاف ونهب للمصريين    أناقة وجمال.. إيمان عز الدين تخطف قلوب متابعيها    ما هي أبرز علامات وأعراض ضربة الشمس؟    دراسة: تناول الأسبرين بشكل يومي يحد من الإصابة بهذا المرض    " يكلموني" لرامي جمال تتخطى النصف مليون مشاهدة    هيئة كبار العلماء بالسعودية: لا يجوز أداء الحج دون الحصول على تصريح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحياة بعد الموت فى المعتقد الشعبى
نشر في الأهرام اليومي يوم 28 - 05 - 2016

كان خوف الإنسان البدائى من الموت أحد عوامل خلق العقيدة الدينية، وأحد أسباب الدهشة من الأحداث التى لم يكن بمقدوره فهمها،
وكانت الأحلام مصدر دهشة عظيمة له. والإنسان البدائى فزع فزعا شديدا حين شهد فى رؤاه الأشخاص الذين يعلم أنهم فارقوا الحياة يقينا. وتولدت من الأحلام العقيدة فى استمرار حياة الموتي. وبلغت مبلغا عظيما، إلى أن البدائيين أحيانا كانوا يرسلون الرسائل لموتاهم بصورة حرفية، بأن تلقى الرسائل إلى أحد العبيد، ثم تقطع رأس العبد ليؤدى الرسالة.
ونشأت عادة قتل الأحياء لتوفير الراحة للمبيت من تصور أن العالم الآخر مماثل للحياة علي الأرض. وتصور الإنسان البدائي عالما من الأرواح يجهل طبيعتها وغايتها. وكان موقع أرض الأرواح يرتبط غالبا بمدار الشمس، فإله الشمس المرشد الذي يقود أرواح الموتي إلي مقرها الجديد، وفي جرائر سليمان نجد الاعتقاد بأن الأرواح تدخل معا في المحيط مع غروب الشمس.
وأحيانا نري الاعتقاد بأن إله الشمس يرمي الأحياء برماحه علي شكل أشعة ويرفعهم إلي أرضه في السماء، ومن هنا جاءت فيما بعد فكرة السلالم التي تتسلقها الملائكة هابطة صاعدة في حلم يعقوب.
ومهما تعددت التفسيرات، فإن معظم الشعوب تعتقد بوجود مكان محدد الوصف يكمل فيه الموتي وجودهم.
العوالم الثلاثة في التراث الشعبي
ومهما يكن من أمر نجد في التراث الشعبي الأوربي الاعتقاد في ثلاثة عوالم تصورها القصاص الشعبي في معظم الحكايات:
الأرض مستقر الحياة العادية للانسان.
والعالم العلوي أو الجنة المسيحية التي تأوي الأرواح، والتي تكون أحيانا مجرد مملكة تجري فيها أحداث غير عادية.
أما العالم الثالث. فهو العالم السفلي، متضمنا الأفكار التي جاءت من الأدب الخيالي كما صورها دانتي.
ومن غرائب العالم الآخر سواء أكان في السماء أو تحت الأرض. وبالنسبه للعالم السفلي نجد هذا التصور الغريب وهو أن الفتحة المؤدية إليه مغلقة بصخرة، واعتقد الإغريق والرومان بأنه في بعض الأعياد والاحتفالات يمكن فتح الطريق للأرواح لتعود إلي عالم الأحياء لتشارك في الاحتفالات.
ومن التصورات الشائعة في الحكايات الشعبية الأوروبية، وجود جبل من الزجاج عند نهاية العالم قريبا من العالم الآخر، وهو شبيه بجيل قاف في »ألف ليلة وليلة« المحيط بالدنيا، والذي لاشيء بعده سوي »جبل من الثلج والبرد يمنع حر جهنم عن الدنيا«.
وإذا كانت الفراديس في التصورات الشعبية تزخر بالنباتات الغريبة والأشجار التي تثمر الجوهر، والطيور التي تبيض بيضا من ذهب، أو الثمار التي تشبه رءوس الآداميين في أرض الجان في »ألف ليلة وليلة«، فإن العالم السفلي مليء بالأهوال والظلمات، ويعج بالغيلان والمردة والعناكب، والحيوانات المفزعة من مثل »سيربروس« كلب الجحيم الإغريقي ذي الحلاقيم الثلاثة.
وعثر دارسو الأجناس البشرية وعلماء الفلكلور لدي الشعوب البدائية علي نصوص أدبية مختلفة تعبر عن ذلك الميثاق بين البشر وأرواح الموتي فهناك من يعتقدون في قبائل البانتو في أمريكا الجنوبية بوجود حق لأرواحهم علي الأحياء، فتلك الأرواح من البأس بحيث تستطيع إيذاء الأحياء، وينبغي استرضاؤها، وهذا الظن هو علة دفنهم ثياب الموتي معهم، وتقديم الكعك وأصناف الطعام في المقابر، وذكر الموتي بالحسني.
أيضا نساء قبائل الأمازولو عندما يمرض لها طفل بالحمي يلقين الرقي ويتساءلن غضب الآباء الموتي، ويعدنهم بتقديم الضحايا علي قبورهم.
وهناك بعض الشعوب في »غينيا الجديدة الهولندية« تسود لديهم فكرة أن الموتي يظلون أبدا علي صلة وطيدة بعالمنا وبالأحياء منا، وأن لهم قوة خارقة، وأنهم يمارسون تأثيرا عظيما علي الحياة الأرضية، فهم يستطيعون حماية الكائن الحي عند الخطر، ويحفظوه في الحرب، ويؤمنوه من أخطار البحر.
دواعي البحث في العالم الآخر
وترتبط دواعي البحث عن هذا العالم بالرغبة الإنسانية التي تظهر في صور مختلفة، منها الحصول علي نبع الخلود، أو ماء الحياة الذي يشفي من المرضي والموت.
وأقدم مثال لهذا الاعتقاد في وجود ينبوع للخلود يظهر في الأسطورة البابلية التي تصف هبوط عشتار بحثا عن تموذ (دموزي) لكي ترده إلي الدنيا باستخدام ماء الحياة، وسبق لها أن رُشت هي بماء الحياة عندما هبطت من قبل إلي عالم الموتي وبذلك استطاعت الصعود إلي الأرض.
ونجد هذه الفكرة المتصلة بنبع الخلود أيضا في قصة الإسكندر ذي القرنيين، وهي معروفة في الحكايات الشعبية، وفي مجموعة جريم حكاية هذا الخط عنوانها »ماء الحياة«، وهذا الماء يوجد عادة تحت نهر أو بحيرة، أو بحر يجب عبوره بطريقة سحرية، وشبيه بالبحث عن ماء الخلود، البحث عن نبتة الخلود، التي استطاع »جلجامش« الحصول عليها من قاع البحر، ثم أكلتها الحية بعد ذلك.
وهناك أيضا البحث عن عشب أصل الحياة في قصة الراعي »أتانا« الأكادية، عندما أصاب أغنامه العقم، فصعد علي ظهر نسر واتخذ طريقه نحو السماوات باحثا عن العشب، ولكنه سقط علي الأرض.
ومن الدواعي المعروفة للوصول إلي هذا العالم، الرغبة في إعادة إنسان عزيز من العالم السفلي، سواء أكان هذا الإنسان اختطف إلي عالم الموتي، أو مات بالفعل والجزئية الموجودة في عديد من القصص في الأساطير وفي الفلكلور، عند كل الشعوب عن الهبوط إلي هذا العالم، هي رمز للرغبة الإنسانية في أن الموت يمكن قهره، وبذلك يصبح من الممكن أن يعود الميت.
ومن أشهر القصص التي تدور حول هذا الموضوع، رحلة عشتار البابلية لإنقاذ »تموذ«، وأسطورة »ديمتروبير سيفونا«، و»أرفيوس« و»بورديس«. وعودة هرقل بالكلب »سيبربيروس« من هيذر (هاديس)، والأسطورة الشمالية عن رحلة »هيرمود« للعودة ببلدر.
واحيانا يكون الغرض من الوصول إلي هذا العالم البحث عن جواب لسؤال، أو إحضار كنز أو كشف سر بواسطة القائم علي أمر هذا العالم، أو الحصول علي شيء مفصل كصندوق من الطيب الذي يعيد الشباب كما سوف نري في قصة »كيوبيد وسايكي« أو فاكهة معينة مثل التفاح الذهبي الذي أحضره »هرقل« من حدائق الهمسبريد.
والنجاح في الوصول إلي عالم الموتي يتوقف علي مراعاة بعض المحظورات »التابو« مثل عدم تذوق الطعام أو الشراب، أو تحريم النظر إلي الوراء قبل الخروج من بوابة هذا العالم، أو تحريم لمس الأشياء، أو مجرد التزام عدم النطق.
إن فكرة الخلود والبقاء في قصصنا العربي قبل الإسلام كانت في غالب الأحيان إن لم يكن في كلها تدور حول معني الخلود والبقاء، ومعني صراع الإنسان من أجل فهم سر فنائه، ومحاولته لرسم مجالات تفوقه وأحقيته بالبقاء، ثم محاولته لفلسفة مسألة الفناء المقررة في تفسير يتفق مع طبيعة الشعب العربي ونظرته إلي الحياة والوجود.
وحيث أن القصص التي ورثها الشعب العربي علي مدي الأجيال وتتابعها قد رويت ودونت في عصور متأخرة تالية علي الإسلام، فقد تلونت هذه القصص بالمعني الإسلامي، وقدم مؤلفوها، ومعيدو صياغتها التفسيرات التي تتفق والروح الإسلامية وإن ظلت تحمل الطابع العربي، والنظرة العربية التي كانت هي جوهرها الأول قبل ثبوت العقيدة الإسلامية وسيطرة فلسفتها علي مجالات الفكر والابداع.
والأدب القصصي العربي القديم مليء بالشخصيات التي تمثل نظرة العربي إلي مشكلة الخلود والبقاء، وهذه الشخصيات لم يتوقف تأثيرها الأدبي علي ما كتب قبل الإسلام من قصص وإنما استمرت تظهر في صور وأشكال متعددة في الأدب الإسلامي العربي بعد ذلك.
ومن هؤلاء الأبطال اللذين تظهر فيهم نظرة العربي إلي فكرة الخلود والبقاء شخصيات ذي القرنين، والخضر، ولقمان، والجرهمي التائه، وتُبَّع الأوسط، وشعر يرعش، وقيس بن زهير، ثم بعد ذلك عنترة بن شداد وسيف بن ذي يزن، وغيرهم عدد ضخم يشمل الأنبياء والملوك كسليمان وداود وعيسي بن مريم ويشمل الأبطال العاديين مث دُريد ابن الصمَّه وجمال الدين شيحه ثم بعض الأولياء في أدبنا الشعبي كالسيد البدوي مثلاً.
وفكرة العالم الآخر لدي القدماء المصريين الأكثر تعمقا في فلسفة الحياة ما بعد الموت، فلدي القدماء المصريين عادة تزويد الموتي بمعلومات مفصلة يستطيعون بمساعدتها التغلب علي كل المصاعب التي تعترضهم في العالم الآخر وكانت هذه المعلومات في باديء الأمر تصور علي الجدران الداخلية للأهرام وعلي النواميس والتوابيت، ولكن هذه المعلومات ازدادت وأصبح من الضروري تسجيلها علي أوراق البردي.
وتم تدوين هذه المعلومات في »كتاب الموتي« ويوجد ثلاث نسخ لهذا الكتاب، نسخة منقحة في هليوبوليس وطيبة وساييس وكان المصري يعتمد علي دفاعه في تبرئة ساحته يوم القيامة وأن يتمتع بالنعيم في الحياة الآخرة، وكان المصريون يعتقدون أن الموتي سوف يمثلون أمام محكمة قضائها من الآلهة، ويدخل المتهم إلي غرفة انتظار، ويؤكد أن سلوكه كان حسنا في حياته فيسمح له بالمثول أمام أوزيريس لمحاكمته، وبالقرب منه كان الميزان ويشرف عليه أنوبيس وهناك أمنت يتربص لالتهام قلوب الأشرار. ويخاطب المتهم الآلهة، ويتولي تحوت وزن قلبه فيضعه في كفة، ويضع في الكفة الأخري المات أو ريشة الحقيقة، فإذا تعالت الكفتان سمح للمتهم بالدخول إلي العالم الآخر أو »أمنتي« (أرض الغرب) باعتباره ساهو أو روحاً.
أما فكرة البعث عند المصريين فقد جاءت من تأمل الطبيعة، فالشمس تغيب في غرب الوادي لكي تطلع من شرقه ويكون النهار والصباح والحياة.. وكذلك القمر يختفي من السماء ليعود إليها مرة أخري.. وحتي نهر النيل نفسه ما يكاد ماؤه ينقص حتي يعود ويفيض..
كل هذه المظاهر تدعو إلي التفكير في العالم الآخر.. عالم البعث.. ومن ثم اعتني المصريون بمقابر الموتي.. بل كان للموتي أعياد يذكرهم الأحياء فيها ويحملون إلي قبورهم كثير من ألوان الطعام والشراب.
وكانت العقيدة المصرية أيضا تقول أن أرواح الموتي تستطيع أن تغادر الغير وتعود إليه في هيئه الطير.. وأن أرواح الفراعنة كانت تستقر بين نجوم السماء، ثم تهبط منها في هيئة الطير لتزور الجسد في القبر.
أما الملوك المصريون فلا يغادرون عرش الفانية إلا ليتربعوا علي عرش الباقية. وتصف الوثائق هذه المرحلة العجيبة بين عالم الأحياء والعالم الآخر بأن الملك إذا ودع الدنيا يعرج إلي السماء في هيئة الصقر فيستقبله علي أبوابها حراس يتحاورون معه ثم يأخذونه في رحلة علوية طويلة إلي ساحة العرش الإلهي حيث يرحب به الإله الأكبر ثم يجلسه بجانبه علي العرش ويبعث في عالم السماء من يعلن أهل الأرض أن سلطان الفرعون الأبدي قد استقر في السماء. ولأن الألهة هي التي خلقت البشر فهي التي تحاسب الموتي، فمحكمة الموت يرأسها القاضي الأكبر »أوزويريس« سيد »الأمنت« أي سيد الدار الأخرة، متربعا علي عرش ذهبي وفوق رأسه تاج الجنوب الأبيض المرصع من جانبه بريش نعام رمز العدل والحق وإلي جوار أوزيريس يتربع الإله »أنوبيس«، والإله »توت«، وحولهما اثنان وأربعون قاضيا من الآلهة، وتكتمل بهم هيئة المحكمة، وفي وسط القاعة ميزان الحسنات والسيئات.
أما العقائد الأفريقية فتسودها الأساطير التي تعبر عن أفكار دينية مختلفة، تتميز بالحس الشعبي، وكما هي الحال لدي الشعوب القديمة، فقد تطور الأفارقة القدامي إلي الطبيعة من حولهم وتصورا أن لكل ظاهرة فيها إلها يتحكم فيها، ومنها إله »المصير« الابن الأكبر لإله السماء، و»أجيوي« إله الموت.
وكان العرب قبل الإسلام يقدسون الأصنام والحيوان، ومن ثم أنكروا إرسال الرسل، كما أنهم كانوا ينكرون البعث، فلم تكن عقلية البدوي تقبل بحياة آخري بعد الموت، وربما يفسر ذلك حيرتهم الطويلة عبر التاريخ وكأنهم يبحثون عن الحقيقة حتي جاء الإسلام بنور الحقيقة.
ولدي السومريين ترتبط فكرة العقاب في العالم الأخر أو (العالم السفلي) بالجحيم وهناك نصوص تصف العالم السفلي بأنه عالم مملوء بالشياطين والآلهة الشريرة، وكان الذي يحكم عليه بالجحيم ينزع عنه التاج والسعادة إذا كان حاكما ويحكم عليه بالموت تحت حراسة كائنات لا يعرفون الطعام ولا الماء ويأخذون الزوجة من حضن زوجها والطفل من ثدي مرضعته.
أما الحيثيين الذين كانوا يعيشون في آسيا الصغري قبل الميلاد وقد كانت فكرتهم عن العالم الاخر غير واضحة تماما، وكانوا يحرقون جثث موتاهم بنار الحطب التي تستمر لتأكل الجسد ليلة كاملة، وإذا كان الصباح الثاني أتو بثلاثين إبريقا من الجعة والنبيذ والخمر وزيت طيب ليصب علي النار ليخمدوها ثم يجمعون العظام ويغمسونها في الزيت وتلف برداء فاخر من الكتان وتدع علي كرسي ثم يقوم المشيعون بذبح الثيران ليأكل الجميع.
ويعتقد بعض المؤرخين أن الحيثيين كانوا يحرقون موتاهم للتخلص من أشباح الموتي إذ كانت النار في نظرهم تأتي علي الروابط بين الأموات والأحياء.
وبعد هذه الرحلة عبر الموروث الشعبي لدي حضارات العالم ندرك كيف أن الإنسان لم يترك ظاهرة الموت دون أن يفكر ماذا بعد الموت، إنه البعث أو العالم الآخر.
ومن ثم لعب الخيال الشعبي في تصوير هذا العالم الغريب الغامض، وتعدد رؤي هذا الخيال من شعب الي آخر ولكنها جميعا تكاد تتحد في وجود عالم أفضل من عالم الأحياء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.