* الغناء الفردى «ترفيه» يشتت ولا يجمع.. أما الجماعى فهو «ضهر الناس الغلابة» * أحب غناء الممثل لأنه يكون هادفا فى إحساسه عكس معظم المطربين * تربيت فى مدرسة صلاح جاهين وسيد مكاوى.. والتغريب فى الموسيقى يؤلمنى * لحنت «يا بيوت السويس» لمحمد حمام دون مقابل مادى الليلة الكبيرة «ظلمت» مسرح العرائس لهذه الأسباب
فى إطار دورها التنويري، ودأبها فى البحث عن كل ما يدفع من فن نحو عجلة البناء والتنمية جنبا إلى جنب مع صرح الحرية والديمقرطية، واتساقا مع ما طالب به الرئيس عبدالفتاح السيسى فى تصريحاته على هامش افتتاح مشاريع «الفرافرة» منذ أيام عندما قال نصا : «حالتنا ساءت كثيرًا جداً من الفساد والبيروقراطية، وكان من المهم أن تغنى الناس» قلنا هنبنى وأدى احنا بنينا السد العالى «مخاطبا المصريين كى يعلو من شأن وطنهم مضيفا» ومؤكدا «أن أرض سيناء غالية على كل المصريين». كان للأهرام هذا الحوار مع واحد من نجوم الزمن الجميل الذين أعلوا من شأن الغناء الوطنى الجماعي، الموسيقار الكبير إبراهيم رجب، كما قدمه فى أغانيه «يابلدنا لاتنامى، من قلب المواكب، تعيشى يابلدى ، يابيوت السويس، ياما زقزق القمري، وغيرها من الروائع الوطنية التى ألهبت خيال المصرين فى وقت السلم والحرب والبناء والتنمية، حتى صارت له مدرسته وبصمته فى نوع الغناء الجماعى الذى يغزى الشعور الوطنى وينتمى إلى قضايا البسطاء. وإبراهيم رجب، ملحن لون بنغماته حياة أجيال من المصريين والعرب، حتى صارت له مدرسته وبصمته فى نوع الغناء الجماعى الذى يغذى الشعور الوطنى وينتمى إلى قضايا البسطاء ، ولعل ما يميزه عن غيره من أقرانه، حبه لهذا اللون الذى يعتبره »ضهر الناس الغلابة«، لذا قارب فى ألحانه أجواء القرية المصرية، فغازل صباياها برقة تصل إلى حد الذوبان من عذوبة الكلمات والألحان التى صورت عشاقها بدقة وأمانة فى رائعته مع الأبنودى «أنا عايز صبية» غناء محرم فؤاد، وكذلك فى أغنيات المسلسل التليفزيونى «الفلاح». وينتمى «عم إبراهيم» إلى جيل فنى افتقدنا أصالته، وحرارة حرصه على تقديم الأغنية التى تعيش فينا ونعيش فيها، بفضل ما أثرى به المكتبة الموسيقية بالكثير من الألحان الباقية فى ذاكرة المستمع، حتى أصبحت ذات حضور بالغ الأثر فى طغيانه إلى حد لا يستهان به من التشبث بالأصالة، أمام هذه الموجة العارمة من الأغانى والألحان التى تفتقد اللون والرائحة، وتجنح نحو الضجيج الذى يفضى إلى مزيد من الفوضى وتشويه الذائقة العربية الأصيلة. وقد دفع «رجب» ثمن حبه للون الطربى الجماعى الرصين، ونتيجة هذا الانحياز أضاع كثيرا من عمره واستقراره، وأيضا من فرص لم يحصل عليها، وشهرة لم تتحقق له، وإحباط طارده يوما بعد يوم، ومن ثم كان فى حواره معى يفتح قلبه المسكون بالألم، وكأنه بانتظار من يخاطب جراحه، وشكا لى ظلم الحاضر، وعدم أخذ حقوقه المالية من جمعية المؤلفين والملحنين، رغم شهرة وإذاعة أعماله فى كل المحطات العربية والى الحوار: فى البداية نحب أن نلقى الضوء على نشأة إبراهيم رجب؟ نشأت فى أسرة مصرية بسيطة كثيرة الأولاد أربعة أولاد، وخمس بنات الأب يعمل مكوجيا، لديه محل فى شارع قصر العيني، وأم ربة منزل، وقد ولدت يوم 31 مايو عام 1931 فى حى «البغالة» بالسيدة زينب، وعندما ولدت قالوا عنى إننى «وش فقر» على الأسرة، لأن والدى كان يعمل فى قصر «البرنس يوسف كمال» أبن عم الملك فاروق، ويتقاضى 12 جنيها ذهبيا، وكانت ثروة ضخمة جدا فى هذا الوقت، وبعد ولادتى مباشرة، مات البرنس يوسف كمال، وبالتالى انقطع المرتب، فإضطر والدى إلى فتح محل مكوجي. وفى هذه الفترة كانت القاهرة من أجمل مدن العالم، وكان الناس يحبون التزاور والسهر، وكانت راحة البال والحب والرحمة هى المسيطرة على مشاعر المصريين، وأذكر أن والدى كان يجتمع بمجموعة من زملائه كل أسبوع فى منزلنا، يعزفون ويغنون، وحكت لى والدتى إننى فى سن الرابعة وفى أثناء تناول والدى وأصدقائه وجبة العشاء دخلوا على الغرفة بعد إنتهائهم من العشاء فوجدونى أحاول أن أمسك العود مسكة صحيحة، فتنبأ أحدهم بأنه سيكون لى مستقبل فنى كبير. ونظرا لحالة الأسرة البسيطة لم أكمل تعليمي، واضطررت للعمل فى أكثر من مهنة، مثل «صبى طرابيشى فى محل طرابيش، وصبى ميكانيكي»، وفى سن العاشرة اشتغلت «جروم»، وهذه مهنة إنقرضت بعد سقوط الملكية، حيث كانت الأسر الملكية تستعين بطفل وسيم، وتجعله يرتدى بدلة سمراء اسموكن وبابيون، ويجلس بجوار السائق، وكل مهمته أن يفتح للأمير أو الأميرة باب السيارة بكل أدب. ونظرا لوسامتى فى الصغر اشتغلت لدى الأميرة «حورية محمود حمدي»، لكننى لم أستمر كثيرا فى هذا العمل، وتم طردي! لأن السائق «داس فرملة» شديدة، فوقعت الأميرة من السيارة، فأعتقدوا إننى لم أغلق الباب جيدا، فطردوني!، بعدها وعن طريق أحد الأقارب اشتغلت فى المطبعة الأميرية أجمع الحروف، وطوال هذه السنوات كان حب الفن يلازمني، حيث كنت دائم الاستماع إلى الإذاعة ومن خلالها حفظت كل الأغنيات التى كانت تتردد فى فترة الأربعينات. مشوارك الفنى يحمل العديد من المحطات المهمة فى مجال الأغنية كيف بدأ هذا المشوار؟ قبل أن أسرد لك حكايتى عن كيفية بداية مشوارى الفني؟!، يهمنى أن أتوقف عند رجل ساهم كثيرا فى تعليمى وعشقى للموسيقي، ويعتبر مع الشاعر الكبير صلاح جاهين بمثابة المدرسة التى تخرجت فيها، هذا الرجل هو الموسيقار الكبير «الشيخ سيد مكاوي»، الذى تعرفت عليه بالمصادفة فى نهاية الأربعينات، حيث كنت فى سن المراهقة، وفى هذه السن أحببت فتاة إسمها «ليلي»، وكنت أجلس على المقهى المقابل لمنزلها، وهناك تعرفت على الصديقين الشقيقين «محمود وكمال عبدالشافي»، وتوطدت علاقتى بهما. وفى أحد الأيام ونظرا لجمال صوتى دعانى كمال لحضور «سبوع بنت أخته»، وبالفعل ذهبت ومعى عودي، وغنيت مجموعة كبيرة من الأغنيات، وفجأة وجدت شخصا إسمه «عبدالحميد الجزايري» يصطحب شابا طويلا ونحيفا وكفيفا، وطلب منه الحضور الغناء، فغنى أغنيات سحرتني، لم أسمعها من قبل، كان هذا الشاب هو الشيخ سيد مكاوي، وكانت الأغنيات التى يغنيها لعملاق الموسيقى الشيخ سيد درويش، الذى عدل قبلة الغناء العربى ووضع الصوت المصرى على البيانو، ويومها قال لى صديقى كمال عبدالشافي، لا تترك الشيخ سيد مكاوى فهو كنز، وبالفعل توطدت علاقتى بهذا الرجل، وكنت مثل ظله، أصطحبه فى كل مكان، ومنه عرفت وحفظت أغنيات وألحان الشيخ سيد درويش، وإرتبطت بصداقه مع مجموعة من الفنانيين مثل «الملحن رؤوف ذهني، والفنان عبدالعظيم عبدالحق، والمخرج أحمد بدرخان، والناقد الفنى حسن إمام عمر وغيرهم»، وفى هذه الفترة كان الشيخ سيد يغنى فى الإذاعة أغنيات التراث، بناء على طلب محمد حسن الشجاعى رئيس الإذاعة، وبعد فترة طلبوا منه أن يتجه للتلحين، ونظرا لأنه كفيف طلبوا منه أن يلحن أغنيات وقصائد دينية. ولأنه ليس معروفا كملحن، فلم يجد من يتعاون معه من الشعراء مجانا، فاستعنا بدواوين كبار الشعراء القدامى من كل العصور القديمة، كنت أقرأ له وهو يلحن، وهذه الأشعار علمتنى حب الشعر، وحب الكلمة والتدقيق فيها فيما بعد، وتعلمت الكثير فى هذه الفترة التى كنت أعمل فيها صباحا فى المطبعة الأميرية، ومساءا مع الشيخ سيد مكاوي. إذا كيف بدأ المشوار؟ تأخرت فى البداية بعض الشئ، فبعد قيام ثورة يوليو عام 1952 قدمت فى المعهد العالى للموسيقى المسرحية، وكان رئيسه الرائد الموسيقى محمود أحمد الحفني، ونجحت فعلا فى امتحان القبول، لكن نظرا لعدم وجود شهادات دراسية معي، كتبوا: ناجح لكنه غير مستوفى شروط الدراسة، حيث لا يملك شهادات دراسية. ونظرا لعشقى للغناء والموسيقى تقدمت لمعهد خاص لتعلم الموسيقى، وهو معهد «أحمد شفيق»، وفيه تعلمت قراءة » النوتة الموسيقية«، وبعض الأشياء الأخرى، وفى عام 1953 قدم مجموعة من الزملاء الموسيقيين الذين تتشابه ظروفهم التعليمية مع ظروفي، مذكرة للبكباشى جمال عبدالناصر للموافقة على دخولهم معهد الموسيقى واستثنائهم من حكاية الشهادة العلمية، خاصة إنهم خاضوا إمتحان القبول الموسيقى ونجحوا فيه، وبعضهم لهم أسماء شهيرة، فوافق عبدالناصر على المذكرة. وتقدمت للمعهد الذى كان يرأسه محمد ثابت بعد الحفني، وأمام لجنة الاختبار غنيت لهم أغنية بعنوان «يا جواهر بالمال يا عنب» كان الموسيقار محمد عبدالوهاب لحنها لصديقى المطرب والملحن فيما بعد رؤوف ذهني، لكنه لم يغنيها، وكان يرددها أمامى بصفة مستمرة، وأعجبهم صوتى وثقافتى الموسيقية، والتحقت فعلا بالمعهد وتخرجت فيه عام 1958 . فى هذا الحوار التوثيقى يهمنا معرفة كيفية تعارفك أيضا على الشاعر العبقرى صلاح جاهين الذى كون معك ومع الشيخ سيد ثلاثيا ذهبيا، ولحنت له كثيرا من الأغنيات الجميلة ؟ فى أحد الأيام وبالتحديد نهاية الأربعينات، ذهبت والشيخ سيد لمشاهدة فيلم فى سينما حديقة الحرية فى ميدان سعد زغلول المجاور لقصر النيل، فلفت انتباهنا قبل الفيلم إعلان عن منتج من السماد وبالتحديد »سماد أبو طاقية« على هيئة فيلم غنائى قصير، إخراج صلاح أبوسيف، كتبه شاعر جديد لم يكن معروفا على الإطلاق إسمه صلاح جاهين، وتلحين أحمد صدقي، كان فيلما غنائيا رائعا استمتعنا به جدا، وشعرت أن هذا هو الغناء الجماعى الذى أبحث عنه، وأهم ما لفت انتباهنا خفة ظل الكلمات التى مازالت معروفة حتى الآن. وبدأنا نسأل عن صلاح جاهين، فعرفنا أنه شاعر شاب جديد لم يتجاوز السابعة عشر من عمره، وهذا الأوبريت هو أول عمل يقوم بكتابته، وبعد مرور فترة طويلة وفى عيد ميلاد «الريجسيير» الشهير قاسم وجدي، ذهبت للغناء مع الشيخ سيد مكاوي، وهناك تعرفنا على صلاح جاهين، وعلمنا منه أنه صحفى ورسام كاريكاتير فى مؤسسة روزا اليوسف، ومن يومها وحتى رحيله ظلت علاقتنا وطيدة. بعد تخرجك فى المعهد الموسيقى المسرحية عملت كلاعب عرائس فى مسرح العرائس، حدثنا عن هذه الفترة؟ بعد انتهائى من دراستي، وجدت عام 1958 إعلان فى الجرائد عن إنشاء «مسرح القاهرة للعرائس»، فأخذت رأى صديقى صلاح جاهين فى التحاقى بهذا المسرح، فرحب جدا، وقال لى «يا ريت ده فن عظيم»، وطلب جاهين من أصدقائنا المخرج توفيق صالح، والكاتب راجى عنايت تدريبى على مشهد تمثيلى للاختبار، وبالفعل اجتزت الاختبار، والتحقت بمسرح القاهرة للعرائس. وكان أول عمل لى كلاعب مسرحية «الشاطر حسن» تأليف صلاح جاهين، وألحان على إسماعيل، وبطولتى مع صلاح السقا، وإخراج «درزينا تنارسكوفا»، وعرضت على مسرح معهد فؤاد بشارع رمسيس يوم 10 مارس، الموافق الأول من شهر رمضان عام 1959، وأذكر أن القائمين على المسرح يومها لم يتوقعوا نجاحنا! وبعد «الشاطر حسن» توالت الأعمال، حتى واجهت حربا من المشرفين على المسرح فتركته وعملت كمدرس موسيقى فى مدرسة بقرية «مرصفا» فى بنها، نظير 8 جنيهات فى الشهر، وهناك وعلى مدى عامين غسلت نفسى وروحي، وقابلت ناس لا يعلمون أى شئ عن الغناء الحديث، ولا يغنون إلا تراثهم الذى يردده الجميع، فاستمعت منهم لهذا التراث وحفظته، وعندما تم افتتاح التليفزيون عام 1960 شاركت فيه كلاعب عرائس نظير 4 جنيهات مقابل عشر دقائق، واستقلت من التدريس وتفرغت للتلحين لبرامج العرائس فى التليفزيون. هل شاهدت مولد «الليلة الكبيرة» على مسرح العرائس؟ ضاحكا: طبعا، فلم أشهد ولادتها فقط، ولكننى قمت بكتابة النوتة الموسيقية لها، وكنت أرددها فى كل سفرياتى مع فرقة مسرح العرائس عام 1958، وفى كل جلساتي، وهذا العمل أذيع أولا فى الإذاعة، وكان مدته 8 دقائق فقط، وحقق نجاحا كبيرا، لأن ألحانه مصرية صميمة نابعة بالفعل من قلب الموالد التى كنا نحرص على حضورها أنا وسيد مكاوى وجاهين، وتم تقديمه على مسرح العرائس بعد إضافة عدة لوحات لم تكن موجودة مثل «أنا شجيع السيما» و «يا حضرة الأراجوز»، حيث أرتأى بعض المسئولين فى مسرح العرائس أنه يحمل ملامح الفن التشكيلي. لكن هذا العمل العظيم ظلم مسرح العرائس وأساء له!!، لماذا؟! لأن مسرح العرائس يقوم على مبدأ وطبيعة خاصة به! هل تتذكر أول لحن قمت بتلحينه؟ أول أعمالى الغنائية كان عام 1959 كان عبارة عن ثلاثة منولوجات هى «شنبات شنبات»، «روبابيكيا، هيلا هوب»، قام بغنائها شباب الجامعات، وبالمناسبة منولوج «شنبات» عرض على مكاوى ورفض تلحينه، لكننى اقتنعت به، أما أول أغنية فكانت مع بداية التليفزيون للمطرب إبراهيم حمودة، كلمات صلاح جاهين وكانت بعنوان «آخر غرام أو بحري»، وقام المخرج الإذاعى فؤاد شافعى بتصويرها على هيئة فيديو كليب، واختفت فور إذاعتها، كما اختفت أعمالى الأخرى مثل «حلم حطاب»، ورائعة يوسف أدريس «النص نص» وغيرها. من هم رموز التلحين الذين أثروا فيك بأعمالهم الموسيقية؟ تأثرت بعدة ملحنين رائعين، أبرزهم العبقرى محمود الشريف، والعظيم أحمد صدقي، والموهوب سيد مكاوي، وقبلهم وبعدهم وأهمهم سيد درويش، الذى حرر الأغنية المصرية من تبعيتها للموسيقى التركية، و«الغناء العثمانلي»، وقدم أغنيات جماعية غناها الشعب وأحبها لأن ألحانها بسيطة وكلماتها نابعة من احتياجاتهم، وتعبر عن انفعالاتهم الحقيقية. وأتذكر أن الشيخ سيد مكاوى عندما كان يغنى ألحان هذا العبقرى فى السهرات التى كنا نحييها فى بيوت كبار القوم، كان الحضور من علية القوم يجلسون تحت أقدامه، حتى الشيخ زكريا أحمد، يأتى بعد هؤلاء محمد عبدالوهاب، ورياض السنباطي، ومحمد فوزي، وفريد الأطرش لكن ما يؤخذ على هؤلاء تبنيهم لموجة الغناء الفردى على حساب الغناء الجماعي. يحسب لك حبك وتقديمك لمجموعة كبيرة من الأغنيات التى غنتها المجموعة فى الإذاعة المصرية، وعبرت عن أفراح وأحزان الوطن، ما سر عشقك لهذا اللون؟ سرح لثوانى وبصوت واهن ونظرة بعيدة كأنه يتذكر شيئا قال: منذ بداية مشوارى وأنا ضد الغناء الفردي، لأننى أرى أنه ترفيهي، ويشتت، ولا يجمع، وسطحى لا يمس الوجدان، ولا يصلح فاسدا، ولا يقوم سلوكا، وكثير منه كان أغنيات استعمارية! عكس الغناء الجماعي، فعندما تغنى المجموعة تشعر بالزهو والقوة، كأن الشعب كله يغني، وكنت أشعر إننى كلما أكثرت من تلحين أغنيات الجماعة إننى أعمل » ضهر« للناس الغلابة، لذا تحديت نفسى ولحنت أغنيات تغنيها المجموعة، لأثبت أن الأغنية ذات اللحن الجيد والكلمات المعبرة يمكن أن تنجح دون الاعتماد على شخصية أو حنجرة مطرب فقدمت أغنية » تعيشى يا بلدي« التى كتبها الشاعر محمد العجمي، وهى الأغنية التى استوحى منها الكاتب على سالم موضوع مسرحية » أغنية على الممر« التى تحولت لفيلم شهير، بعد أن إستمع إليها، أخبرنى أنه استوحى عمله الجديد من هذه الأغنية. ماذا تقصد بجملتك إنها أغنيات إستعمارية؟ أقصد إنها تسعد المستعمر الذى كان يدرك أهمية الأغنية فى تشكيل وصياغة وجدان أى شعب، وهناك مثال شهير يقوم بتطبيقه الاستعمار فى كل الأزمنة، هذا المثل يقول: » إذا أردت أن تعرف شعبا استمع إلى أغانيه«، وقد سأل الاسكندر الأكبر معلمه ذات يوم نصيحته بخصوص بلد يريد غزوه واقتحامه، ولكنه لا يستطيع جراء قوة هذا البلد، فنصحه معلمه بالبحث عن أصحاب البلد، وهم المؤلف والملحن والمطرب والممثل. هل تزعمك تقديم الغناء الجماعى كان وراء التعتيم الإعلامى الذى عانيت منه على مدى مشوارك؟ بالتأكيد لأن أى مطرب ناجح وبدون تحديد أسماء عندما يجد مجموعة مثل الثلاثى المرح أو ثلاثى النغم،أو غيرهم تغنى أغنية ناجحة، يحاول طول الوقت التعتيم عليها، وعدم التعاون مع ملحنها، لأن فى انتشار هذا النوع من الغناء خطرا وتهديدا لمستقبله الفني، وبالتالى ابتعد عنى كثير من المطربين، وتم التعتيم على عشرات الأغنيات التى لحنتها وغنتها المجموعة سواء أغنيات وطنية أو عاطفية أو وصفية. لكن ورغم هذا تعاونت مع عدد كبير من المطربين يأتى فى مقدمتهم عبدالحليم حافظ، محرم فؤاد، محمد رشدي، ماهر العطار، شريفة فاضل، محمد حمام وغيرهم؟ نجاح ألحانى وترديد الشارع المصرى لها، شجع هؤلاء المطربين الذين ذكرتهم على التعاون معي، خاصة أننى كنت أدقق جدا فى كل ما أقوم به، وتعاونت مع كبار الشعراء مثل «عبدالفتاح مصطفى، حسين السيد، صلاح جاهين، فؤاد حداد، عبدالرحمن الأبنودي، سيد حجاب وغيرهم»، والحمد الله أن كل ما قدمته وصل للناس ويكفينى فخرا أن أغنيتى «والله لبكره يطلع النهار ياخال» التى تم تقديمها ضمن المسلسل التليفزيونى «الفلاح» فى نهاية الستينات، كانت ترنيمة الشباب فى ميدان التحرير فى ثورة 25 يناير. ما ظروف غناء عبدالحليم حافظ لأغنيتى » يا بلدنا لا تنامي« و« من قلب المواكب«؟ كانت الأوضاع فى مصر بعد نكسة يونيو 1967فى حاجة لما يشبه المراجعة وإعادة ترتيب البيت من الداخل، وبالأخص على الجانب التنظيمى والتشريعى والإداري، وكانت هناك وثيقة مهمة فى هذا السياق تضمنت الرؤية العامة لهذه الأفكار التصحيحية، ولم تكن هذه الوثيقة سوى بيان30 مارس الذى صدر عام 1968، وأشار البيان إلى أن مصر استطاعت بعد كبوتها فى 67 أن تعيد بناء القوات المسلحة، وفى هذه الفترة كتب الأبنودى لى أغنية «يا بلادنا لا تنامي»، ردا على بيان 30 مارس، وكنت أغنيها فى كل مكان، وفى نفس الفترة كنت أغنى أيضا «من قلب المواكب» حيث كتبها الأبنودى بعد ثورة جامعة الإسكندرية ضد نسبة العمال والفلاحين وكان مطلعها قبل أن يغنيها عبدالحليم يقول: أنا ليا يا طالب عندك حبة مطالب بإسم الشعب اللى راجع من غيطه فى المغارب والواقفين فى المناجم. وفى أحد الأيام جاءنى الأبنودي، وطلب منى مقابلة عبدالحليم فى بيته، وبالفعل زرت العندليب فى شقته، وطلب منى غناء الأغنيتين بعد تعديل كلمات أغنية «من قلب المواكب»، وبالفعل قام بغنائهما، وأثناء التسجيل كان يطلب منى غناء الأغنيتين قبله، لكنه لم يغن الأغنيتين كما كنت أغنيهما حيث أخذهما للناحية العاطفية، لكننى كنت أغنيهما بطريقة فيها حماس أكثر، لهذا كل من استمع إلى الأغنيتين بعد استماعهما بصوتى قالوا لي: «إن عبدالحليم بوظهم»!! هل بسبب هذا لم تلتق معه عبر أغنيات عاطفية؟ لا ليس لهذا السبب، ولكن لأننى وعبدالحليم لم نلتق إنسانيا، ولم تربطنى به علاقة صداقة، حيث كان ذا طبيعة مختلفة عنى تتناسب أكثر مع الأبنودي!. لماذا منعت اغنيتك الوطنية الجميلة «يما زقزق الأمري» التى قدمت فى نهاية الستينات فى عصر الرئيس السادات؟ ضاحكا لأن فيها كوبليه يقول : وعشان بلدنا يا وله/ وجمال بلدنا يا وله/ كله يهون«، فأعتقد بعض المقربين من الرئيس السادات إننا نمدح الرئيس جمال عبدالناصر، فقاموا بمنعها من وسائل الإعلام، رغم أن الشاعر سيد حجاب لم يقصد جمال عبدالناصر، ولكنه كان يتغزل فى جمال مصر. المتابع لأعمالك يجدها لا تتناسب مع مشوارك الفنى ما سر قلة أعمالك الغنائية؟ أعمالى ليست قليلة ولكن ما ظهر منها هو القليل، فلدى رصيد ضخم من الأعمال الإذاعية والتليفزيونية والمسرحية، مثل البرنامج الإذاعى «شاعر عباد الله» أشعار فؤاد حداد، وإلقاء صلاح جاهين، الذى يتضمن 30 أغنية، وبرنامج »صور وحكايات« الذى يحوى 68 أغنية، المسرحية الغنائية «حلم ليلة صيف»، مسلسل الأطفال الغنائى «كان يما كان» لصفاء أبوالسعود، هذا غير فوازير نيللى وشريهان وسمير غانم وغيرها من الأعمال الدرامية، فضلا عن أكثر من 50 لحنا لم يظهر أى منها للنور، كلمات الشاعرين عبدالرحمن الأبنودي، وصلاح جاهين. أما بالنسبة للغناء الفردى فأننى كنت حريصا على انتقاء الكلمات التى تتوافق مع مبدئى والبعيدة عن السائد، وإذا وجدتها يمكن أن ألحنها مجانا، وحدث هذا فى أغنية «يا بيوت السويس»، كما أننى أرفض تلحين الكلمات التى تعبر عن ضعف أو ذل أو هوان الإنسان. لماذا رفضت تلحين قصيدة للشاعر الكبير أحمد عبدالمعطى حجازى فى رثاء الزعيم جمال عبدالناصر؟ عندما ألحن يجب أن تكون كلمات لا أخجل منها، وأذكر أنه بعد وفاة جمال عبدالناصر كانت صدمتنا كبيرة، وعملت مع صلاح جاهين أغنية نقول فيها أن عبدالناصر عاد ولم يمت لأنه حى بأفكاره ومبادئه، وبعد أيام قليلة وجدت المخرج سعد أردش يطلب منى تلحين قصيدة كتبها الشاعر أحمد عبدالمعطى حجازى رثاء لعبدالناصر، وجدت كلماتها فى غاية اليأس والحزن والإحباط، فرفضتها، لأنه تتعارض مع الأغنية التى لحنتها من قبل!. كونت مع الشاعر الراحل عبدالرحمن الأبنودى ثنائيا غنائيا فى كثير من الأعمال كيف تم اللقاء بينكما؟ عن طريق الشاعر صلاح جاهين، ولمعرفتى به قصة طريفة، ففى زفاف أحدى شقيقاتي، طلب منا جيراننا الصعايدة أن نسمح لشاعر شاب قريبهم أن يلقى قصيدة، فرحبنا بهذا، وصعد شاب ضئيل الجسد، وألقى قصيدة للأبنودى بعنوان » مجنون« لا تصلح أن تلقى فى الأفراح!، وفى أحد الأيام كنت أزور صلاح جاهين فى جريدة الأهرام، فقرأ لى قصيدة للأبنودي، فقلت له أننى أعرفه، فقال لي: ولكنه لم ينزل القاهرة بعد، فاستغربت! وأكدت له أنه حضر وألقى قصيدة فى فرح شقيقتي، فأستغرب واندهش هو الآخر!. وتمر الأيام والشهور وفى زيارة ثانية لجاهين وجدت لديه شاب طويل وأسمر، فسألنى تعرف من هذا؟ فقلت له: لا ، فقال هذا هو الأبنودي، فسلمت عليه وأنا أتسأل من يا ترى الشاعر الذى ألقى قصيدة فى فرح شقيقتي؟! المهم تعارفنا، وطلب منى أن أعرفه بملحن أغنيته الأولى حلمى أمين، وبالفعل حدث هذا، وتوطدت علاقتنا، ولحنت له العشرات من الأغنيات الناجحة، وفيما بعد عرفت أن الشاعر الذى ألقى قصيدة الأبنودى فى فرح أختى هو الشاعر الجميل عبدالرحيم منصور!! قام بغناء أعمالك كثير من الفنانين عبر أعمالهم الفنية، هل تحب غناء الممثلين؟ أحب غناء الممثلين جدا، وأفضل أن يغنى ألحانى ممثلا فى عمل درامى من أن يغنيه مطرب!، لأن الممثل يكون صادقا فى إحساسه أكثر من المطرب، لأنه يتقمص الشخصية التى يجسدها، ولا يتدخل فى اللحن، وبالتالى يخرج اللحن صادقا، عكس معظم المطربين الذين يكذبون عندما يغنون، ولا يمتلكون مبدأ فى اختيار أغانيهم، لذلك فهم يتلونون بلون الأغنية، ويحبون التدخل فى اللحن ولا أدرى لماذا؟!.