تتجه أنظار العالم هذه الأيام إلى أقصى شرق الكرة الأرضية حيث مدينة "إسيه - شيما" اليابانيه التى تستعد الآن لاستضافة فاعليات قمة زعماء مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى المزمع انعقادها هذا العام بزعامة رئيس الوزراء اليابانى شينزو آبى خلال يومى الخميس والجمعة المقبلين الموافقين 26 و 27 من مايو الجاري. وتجد اليابان، التى استضافت سابقا مجموعة السبع منذ إنشائها عام 1975وحتى الآن 5 مرات آخرها كان فى "هوكايدو طوياكو" عام 2008، نفسها هذه المرة فى وضع غير مسبوق يؤهلها لإثبات قدرتها أمام الجميع فى فرض الهيمنة الكاملة وتولى القيادة الفاعلة لهذا الحدث عبر وضع معظم جدول أعماله وربما تحديد كافة تفاصيله ونقاطه. ويرجع السبب فى ذلك ليس فقط لكونها هى الدولة المستضيفة أو حتى التى ترأس أعمال هذا المؤتمر، وإنما نظرا لأن رئيس وزرائها سيكون تحت عدد من الضغوط والقيود أقل من تلك التى سيواجهها باقى زعماء مجموعة السبع الآخرين باستثناء المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل. ويعضد هذا الطرح أنه نظرا لأن الرئيس الأمريكى باراك أوباما لم يعد يفصله عن انتهاء فترته الرئاسية الثانية والأخيرة لبلاده سوى بضعة أشهر قليلة، ونظرا لأن مشاركته فى قمة مجموعة السبع ستكون الأخيرة من نوعها هذا العام، كما أنه لن يتسنى له حضور مثيل لها بعد الآن، فإن هذه المعطيات وغيرها ستجعله فى موقف يتسم بمزيد من الضعوط التى لن تسمح له خلال يومى انعقاد المؤتمر بالتعهد باتخاذ أى إجراء أو تحرك أمريكى عاجل بشأن أى من القضايا التى سيتم طرحها، بل إنه ربما لن يشارك فى وضع أجندة لها لأنه يعلم جيدا أن من سيخلفه فى البيت الأبيض لن ينفذ على الأرجح العديد من أهدافها ونقاطها. ويؤكد صحة هذه النظرة أيضا أن رئيس الوزراء البريطانى ديفيد كاميرون بات مستغرقا ومشغولا تماما بأوضاع بلاده الداخلية عن التفرغ لوضح أجندات لشئون العالم الخارجية على الأقل خلال الفترة الحالية لأسباب، أهمها وأولها أنه يسعى الآن لتجميل صورته ورفع معدلات شعبيته عقب ذكر اسماء بعض أفراد أسرته فى تسريبات "أوراق بنما "التى تم اعتبارها أكبر فضيحة عالمية للتهرب الضريبى فى تاريخ الإنسانية . وثانيها لحاجته الماسة إلى إقناع أبناء شعبه بضرورة التصويت لصالح بقاء بلاده ضمن الاتحاد الأوروبى خلال عملية الاستفتاء الشعبى المزمع إجراوها فى هذا الشأن فى 23 من يونيو المقبل. وليس الرئيس الفرنسى فرانسوا أولاند بمنأى أيضا عن الانشغال ببعض مشاكل وأزمات بلاده الداخلية التى ستؤثر بدورها على أدائه خلال هذه القمة، وأولاها مكافحة الإرهاب، ولاسيما عقب هجمات باريس التى استهدفت العديد من المواقع الحساسة والاستراتيجية فى قلب تلك العاصمة الفرنسية العام الماضي، وثانيتها تدفق المهاجرين السوريين على بلاده، وثالثها الاحتجاجات الشعبية والنقابية المستمرة ضد تعديل قانون العمل فى الداخل. ومن المرجح أن يحرص أولاند على إدراج نقطتى الإرهاب واللاجئين على جدول أعمال القمة المقبلة. وتعد خبرة، رئيس الوزراء الإيطالى ماتيو رينزى ونظيره الكندى جاستن ترودو واللذين ما زال عمر كل منهما دون الخمسين، متواضعة مقارنة بخبرة آبى الذى بلغت عدد مشاركاته السابقة فى مجموعة السبع 4 مرات وتلك ستكون الخامسة. وتعتبر ميركل، التى شاركت 10 مرات فى قمم سابقة لتلك المجموعة حتى الآن، الزعيمة الأوروبية الوحيدة التى يؤهلها موقفها الحالى من تأكيد زعامتها مثل آبى خلال قمة هذا العام. ويرى المحللون أن أبرز نقطة ينبغى على رئيس الوزراء اليابانى أن يأخذها فى الحسبان هو أن يسوى كافة النقاط الخلافية مع ميركل كتباين وجهات النظر بينهما بشأن ضرورة إدراج النقطة الخاصة بتأمين الملاحة فى بحرى الصين الجنوبى والشرقى فى أعمال تلك القمة من عدمه . وتعتبر تلك النقطة محل اتفاق بين اليابان والولايات المتحدة اللتين تريان أن من الضرورى لقمة السبع أن تبعث برسالة قوية للحد من تحركات الصين العسكرية فى هذين البحرين من وجهة نظرهما، بينما ينظر زعماء الدول الأوروبية فى مجموعة السبع إلى الصين بطريقة أكثر تفاؤلا بناء على حجمها الاقتصادى ووضعها العسكري، وربما هذا ما دفع آبى إلى القيام بجولة أوروبية أوائل الشهر الجارى تضمنت بريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا لبحث قضايا من هذا النوع وللتوصل نقاط اتفاق بشأنها. وفى النهاية، إذا كان الإقصاد العالمى من المتوقع أن يتصدر أعمال قمة مجموعة السبع لهذا العام، فإن نجاح آبى فى تأكيد زعامته بات مشروطا بقدرته على إقناع ميركل بدعم هدفه الخاص بضرورة خفض الإنفاق العام بما يسهم فى رفع معدلات نمو الاقتصاد العالمي.وإذا كانت القمة المقبلة يمكن أن يكون لها تأثير كبير فى توجيه مسارالاقتصاد العالمى بشكل إيجابى وبامتياز عن طريق خفض حجم الإنفاق العام للدول والحكومات وبالتالى رفع معدلات النمو الاقتصادي، فإن التوافق بين آبى وميركل يمكن أن يكون له التأثير ذاته للإسهام فى نجاح برنامج الاقتصاد الداخلى لليابان والذى يتبناه آبى الآن، وهو ما سيؤكد المزيد من زعامته ليس فقط لمثل هذه القمة بل ومحليا على المدى البعيد. ولاشك أن هذه الأسباب دفعته إلى تكليف سوجى ياما شين سوكى نائب وزير خارجيته بالإعداد للقمة بشكل يليق بمكانة اليابان من ناحية وبما يؤكد قيادتها الفاعلة لهذا الحدث من ناحية أخرى.