فى مؤتمر شارك فيه ثلاثة من رجال الدين الممثلين للاديان السماوية بالاتحاد الاوربى ببروكسل،طلب منظمو المؤتمر من كل منهم أن يتحدث عن دينه فى ثلاث دقائق فقط، وبالفعل تحدث العالم المسيحي عن دينه فى الفترة الزمنية المعلن عنها، ثم تبعه اليهودى ملخصا دينه فى الدقائق المحددة، وجاء الدور على رجل الدين الاسلامى،فقال المقدمة الاسلامية المعروفة التى يبدأ بها مشايخنا الخطب، قائلا» الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين ،نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين»، واستمر الشيخ فى مقدمته،وتناسي أنه يتحدث إلى غير مسلمين ، وان معه مترجما،يحاولا جاهدا ترجمة ما يقال ،فتارة ينجح واُخرى يتلعثم،حتى فاض به الكيل فجأة ووقف صارخا معلنا فشله التام فى الترجمة،وخاصة عندما قال الشيخ «طبتم وطاب ممشاكم وتبوأتم من الجنة منزلا» !! وتساءل المترجم عن معانى هذه الكلمات ، وتوقف ،مبديا استياءه، لتنتهي الدقائق الثلاث دون أن يدخل الشيخ المسلم فى الموضوع !! .................................................................................. تلك القصة التى سردها د. عثمان عبد الرحيم الأمين العام لهيئة جودة الدعوة وتقييم الأداء، على طرافتها،لخصت نوعية خطاب العديد من مشايخنا للغرب سواء المسلمين أو غيرهم، الذين لا يراعون حال المتلقّى ولا ثقافته ،وتنسحب أيضا على خطاب عدد كبير من مشايخنا للداخل، فكانت هذه الدعابة « المحزنة» من الأسباب التى دفعت نخبة من العلماء الى التفكير فى طرق جديدة عملية لتطوير الخطاب الدينى ومنظومة الدعوة بشكل عام ، سواء فى الداخل أو الخارج، وكذا وضع أسس ومعايير ومواصفات قياسية للخطاب الدينى المطلوب من خلال آراء المتلقين. فابتكرت هيئة جودة الدعوة وتقييم الأداء مواصفة قياسية على غرار المواصفات القياسية « الأيزو»،التى تسعى كل الجهات وفى مختلف التخصصات لنيلها ، من خلال الالتزام بالمعايير التى تم وضعها، و أطلقت عليها ITQAN 1001 ، هادفة الى تطوير الخطاب الدينى ومنظومة الدعوة الاسلامية،لكن وفق معايير علمية . وقد تأسست تلك الهيئة منذ عامين تقريبا كمنظمة غير ربحية فى بروكسل، وتسعى للارتقاء بالوظيفة الدعوية على مستوى العالم الاسلامى،وضبط مجالاتها، بعد أن اخترقتها دعوات منحرفة وفرق ضالة وانتسب اليها غير المتخصصين. ويقول د. عثمان عبد الرحيم الأمين العام لهيئة جودة الدعوة أو « إتقان»، فى ورشة العمل الدولية التى عقدت فى دولة الكويت الشقيقة بالتعاون مع الهيئة الخيرية الاسلامية العالمية،كان التفكير فى تطوير المنظومة الدعوية ، فعلى غرار المواصفة القياسية ISO 9001 ، التى تسعى كل الجهات فى مختلف التخصصات لنيلها ،لما لها من أهمية دولية، ابتكرنا مواصفة قياسية دولية ومن المأمول أن تكون خطوة أساسية نحو تطوير الخطاب الدعوى ، ليس فقط فى الدول العربية والإسلامية ، بل فى الغرب، الذى ما زال فهمه عن الاسلام مغلوطا، ولم يزل بعض الدعاة فى الدول الأجنبية غير مؤهلين للتعامل مع مسلمى الغرب وتلبية حاجاتهم الدعوية.. د. عثمان تحدث عن بعض الأسباب التى أدت الى التفكير فى إصدار هيئة الجودة لمواصفة قياسية ، منها افتقاد عناصر منظومة الدعوة وهى :( الداعية –المسجد- المحتوى- الوسائل- الإجراءات) إلى مواصفات دقيقة، معتمدة، تحدد بوضوح مؤشرات كل مجال، واشتراطات الجودة الخاصة به، وتحميها من الدخلاء، وممن لا يملك مؤهلاتها.وثانيها حاجة العملية الدعوية ذاتها ،وهى ( النشاطات التي يقوم بها الداعية داخل المسجد، وخارجه؛ لإحياء الإسلام في نفوس المسلمين) إلى الأسلوب العلمي في القياس والإدارة والمتابعة، والتقييم؛ الأمر الذي أدى غيابه إلى العفوية، وتشتيت الجهود، وإضاعة الأوقات، وغياب التنظيم وعدم القدرة على قياس النتائج. وثالثها ضعف الأداء الوظيفي، لكثير من العاملين في مجال الدعوة، نتيجة عدم الاهتمام الكافي، بتنمية الموارد البشرية في الجوانب المالية، والاجتماعية، والوظيفية. ورابع تلك الأسباب هو توقف الدعوة – في مواطن كثيرة- عند أساليب تقليدية، وتكرار رتيب، يخلو من روح الإجادة، ولا يدفع إلى التميز،وخامسا عدم وجود تخصصات دقيقة داخل الوظيفة الدعوية، مما أدى الى افتقاد المنظومة الدعوية إلى سلم وظيفي، متدرج، معرفيا، ووظيفيا ،وكذلك اختزال دور المسجد في المجال التعبدي دون الدور الحضاري الشامل، الذي يجسد روح الإسلام في محيطه، وبيئته وغيرها من الاسباب. خطوات ITQAN 1001 وفى ورشة العمل كان النقاش بلغة مختلفة ،لغة علمية، عن كيفية إعداد المؤشر العالمي للدعوة الإسلامية ، وقدم د. حاتم زهران استشارى التحليل الاحصائي عرضا شاملا لكيفية بناء المؤشر الدعوى الجديد ، فقال إن المؤشر هو مقياس يعكس مستوى تحقيق النتائج المرجوة لبرنامج او مشروع معين ،ويعد أداة ضرورية للمتابعة والتقييم والوقوف على التقدم نحو تحقيق الأهداف،لافتا الى ان أهمية المؤشرات تكمن فى تجميع المعلومات وعرضها بشكل مبسط يسهل فهمه وتفسيره،والاشارة الى النتائج بشكل مباشر وواضح ،كما تعد وسيلة ضرورية للمتابعة وتقييم الأداء،واداة هامة ومفيدة لاتخاذ القرارات، ووسيلة سهلة للمقارنة بين أداء الدول. وتحدث د. زهران عن المؤشر الدعوى الذى يتم الإعداد له،ويمر بثماني خطوات، ولكل خطوة أهميتها فى عملية البناء الجيد للمؤشر.. وأولى هذه الخطوات بناء الإطار النظرى، وتعتبر هذه الخطوة -كما يقول د. حاتم زهران - حجز الزاوية والاساس النظرى الذى سوف يبنى عليه المؤشر وهى تمثل نقطة الانطلاق لجميع المراحل التالية لاعداد المؤشر أما الخطوة الثانية فى اعداد ITQAN 1001 فهى اختيار المؤشرات الفرعية المتعلقة بموضوع الدراسة، وذلك وفقا لحداثتها، ومدى توافرها، وسهولة الوصول اليها، مع فحص نقاط القوة والضعف لكل المؤشرات الفرعية،والخطوة الثالثة تتمثل فى المعالجة الأولية للبيانات، والتأكد من مدى صحتها، والخطوة الرابعة هى توحيد وحدات القياس للمؤشرات الفرعية، والخطوة السادسة وهى على قدر كبير من الأهمية، حيث يتم فيها تجميع قيم المؤشرات الفرعية التى تم اختيارها فى المراحل السابقة ،وذكر د. حاتم زهران عدة طرق للقيام بهذه الخطوة. وأضاف د. حاتم زهران قائلا : أما الخطوة السابعة فى عملية اعداد مؤشر الدعوة ،فهى اختبار مدى ملائمة المنهجيات المستخدمة، والخطوة الثامنة هى العرض البيانى للمؤشرات، وهذه هى الخطوة التى يتم فيها إبراز خلاصة جميع المراحل السابقة والتى مر بها المؤشر فى عملية التكوين، حيث يتم الاتفاق على طرق العرض المختلفة ما بين الشكل الجدولى ، أو الرسومات البيانية فى شكل أعمدة، أو شكل الخط الزمنى، وشكل الاتجاه العام ،وبالطبع فإن صانع المؤشر يستخدم أسلوب وطريقة العرض التى يراها مناسبة فى توصيل الفكرة التى ينشدها من بناء هذا المؤشر. الاطار النظرى والتقط خيط الحديث د. عمار على حسن الباحث فى علم الاجتماع السياسي ليضيف للنقاش أبعادا جديدة مختلفة، حيث اقترح عددا من المحاور يجب التركيز عليها فى اعداد مؤشر الجودة ITQAN 1001 ، ترتبط بمنظومة الدعوة التى نأمل فى تحقيقها ، أولاها وضع استراتيجية واضحة الأهداف ، وهذا المحور ينسدل منه مجموعة من النقاط، منها وضوح الهدف وهو هنا إيجاد دعوة دينية مؤثرة مع تحقيق مقاصد الشرع، و ترابط الأهداف وتكاملها، سواء كانت تعميق الإيمان او تحقيق التسامح او محاربة التطرّف او الإلحاد، والنقطة الثالثة ،التى يجب وضعها فى الاعتبار،هى واقعية الأهداف، فلا يجب لمؤسسة او داعية ان تجعل نصب أعينها وصول إيمان المجتمع الى نسبة 100٪ لانها غير قابله للتحقق، بل تؤدي للتطرف والغُلو ، والرابعة عقلانية الأهداف ، فيجب استبعاد الخرافى والأسطورى بقدر المستطاع وتتعامل مع المجتمع الحالى وليس الخيالى او ما ننشده فى المستقبل . وكذلك ان يقوم على الامر أهل التخصص وهم علماء الدين ودارسو العلوم الانسانية، ويجب على الداعية ان يتحلى بالمرونة ومراعاة الظروف والاحوال الحياتية. وحث المشاركون فى ورشة العمل على ضرورة تشكيل الفريق المناسب للدعوة وإجراء تدريبات مستمرة له، وتصميم تقارير تساعد على اتخاذ القرار ، كما شدد على أهمية « التنبؤ بالمستقبل» فى بناء المؤشر من خلال استقراء التاريخ وإجراء الدراسات عابرة للأنواع ،فأى ظاهرة لها جانب نفسي واجتماعي وعلمى، وهى اهم المناهج قدرة على التنبؤ، فضلا عن أهمية العمل بروح الفريق . بينما أشار د. عادل الفلاح رئيس مجلس ادارة « إتقان» إلى النتائج المتوقعة من ITQAN 1001 ، ومنها تطوير العملية الدعوية الحالية وضبطها. وثانيها وضع خطط استراتيجية للمؤسسات الدعوية: (الوزارة – المسجد- المؤسسة الإسلامية). ومؤشرات قياس، لتحقيق هذه الاستراتيجيات أهدافها،ومراجعة المنتج الدعوي غير المباشر، مثل الآثار الثقافية، والاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية. ويشير د. عثمان عبد الرحيم إلى ان إطلاق المؤشر العالمى للدعوة بعد انتهاء اعداده،سيؤدى الى إعادة مفهوم الدعوة الأصيل باعتبارها عملية تجديدية إحيائية تنهض بمعاني الدين ، وليست عملية قاصرة تتعلق بالخطابة والوعظ،و ضبط مصطلحات فقه الدعوة الإسلامية. وبعد مناقشات دامت يومين ، اتفق المجتمعون على الإطار النظرى لمؤشر الدعوة ITQAN 1001 ، الذى أعلنه الأمين العام للهيئة العالمية لجودة الدعوة د. عثمان عبد الرحيم، ويتكون من 8 محاور رئيسية، هى : 1-تعريف المفاهيم والمصطلحات 2-الإجابة عن التساؤلات الأساسية 3- الأهداف التى نصبو اليها 4- الدراسات السابقة 5- مراجعة الادبيات ( الداعية - وظيفة خدمة الدعوة) . 6- الاجراءات التى نحقق بها شمولية الموضوع 7- التطبيق 8- اختيار الواقع ومن المقرر ،خلال الأيام القليلة القادمة عقد ورش عمل دولية للانتهاء من تعريف وشرح ووضع أسس للمحاور الثمانى السابقة،وتصميم استمارات استبيان للرأى العام فى مختلف الدول لمعرفة وجهات النظر فى اسلوب الدعوة الحالى ومدى رضا المتلقين عن الخطاب الدعوى، تمهيدا لوضع المقاييس والمعايير المناسبة،لخدمة المؤسسات الدينية على مستوى العالم ووضع مقارنات بين الدول المختلفة لخلق روح من المنافسة للوصول لاعلى درجات الجودة، مثلما يحدث مع المؤشرات العالمية سواء فى الصحة أو التعليم أو التنمية البشرية.