السيد علي رجل في الأربعينيات من عمره, يعشق أم كلثوم وأم علي ويصف نفسه بأنه "سبعيناتي" بس "بحب أحمد مكي" ثم ينفجر ضاحكا. في إنتظار دوره عند طبيب الأسنان يلحظ رجلا صغير الحجم, قصير القامة له صلعه مضيئة وشكل فضائي ذكره بفيلم خيال علمي رآه الليلة السابقة, يجلس في هدوء في إنتظار دوره هو الآخر. لاحظ السيد علي خلو أصابع هذا الرجل من أي زدبلةس فحاول أن يتجاذب أطراف الحديث معه: "هو الدكتور دايما بيتأخر مع المرضي كده؟" يلتفت الرجل في إيماءة سريعة: "لا مش دايما" ثم ينشغل بالبحث عن مجلة ليقرأها. يسارع السيد علي قائلا: "أنا برضه مش متجوز" ثم يبتسم. ينظر الرجل إلي يديه وكأنما يراهما لأول مرة ويتفحصهما بأسي... يكمل السيد: - متزعلش أوي كده. - لا إله إلا الله, مين قالك إني زعلان؟! - مفيش حد مرتاح يا... هو إسم الكريم إيه؟ ( يخرج السيد من جيب قميصه سيجارتين ويمد يده بواحده للرجل القصير.) - إسمي عزيز...شكرا. - أنا السيد علي بس قوللي يا سيد علي طول. يبدو الأسي علي وجه عزيز ويبدأ في تدخين السيجارة في هدوء, ثم يقول: - بالك إني فرحان؟ أبدا! برضك مفيش إستقرار مفيش حنيه وكدهون. يهز السيد رأسه ببطء ويحدق شاردا في زخارف السجادة المزركشة وفي ذرات التراب وآثار علامات الأحذية المتداخلة, ثم يقول فجأة: "حتي مفيش خناق يا جدع! بتخانق نفسك. بوزك في بوز التليفزيون ليل نهار..." ينطلق صوت الهاتف الخاص بالسكرتيرة التي تستقبل المرضي فتمسك بورقة وتتفحصها بسرعة وتقول: "أستاذ عزيز, إتفضل حضرتك." ينتفض عزيز واقفا ثم ينظر إلي السيد ويقول: "إدعيلي والنبي ميكونش حشو عصب" ثم يستدير بسرعة بإتجاه باب غرفة الطبيب الذي تفوح من خلاله رائحة المخدر والمطهرات. السيد أحب عزيز "لله في لله" لذا كان حريصا علي أن يتبادلا أرقام الهواتف بعدما خرج عزيز من غرفة الطبيب ممسكا بفكه بينما يظهر جزء من قطعة قطن بيضاء تخرج من جانب فمه. - حشو عصب؟ يهز عزيز رأسه في إيجاب ويعتصر عينيه في أسي. - معلش, طب إكتبلي رقمك بأه عشان نتكلم ونتقابل. يرد عزيز من بين أسنانه محاولا أن يقول رقمه للسيد حتي يكتبه, فيبدو كلامه مضحكا وغير مفهوم بالمرة. يقاطعه السيد قائلا: - يا عم صلي علي النبي بقوللك إكتبهولي, هو إنت عارف تتكلم أصلا؟! يجذب عزيز القلم من يد السيد في ضجر شديد ويزغر له بقوة ثم يكتب رقمه ويلوح للسيد في إشارة بأنه سيذهب الآن... ********** عندما عاد السيد لبيته بعدما خاض هو أيضا آلام حشو العصب, ظل يفكر في عزيز وكلما تذكر حالته وهو ممسكا بفكه في ألم زاد شعوره هو الآخر بالألم والحزن فهو في رؤيته لعزيز وكأنما يري نفسه... عزيز هو المرآة التي رأي فيها نواقصه وعمره الضائع ووحدته, فيحدث السيد نفسه قائلا: "كان قدامي نادية وأنا في الجامعة وبعدين هدي لما كنت في الجيش..." ثم يتذكر فجأة "وزينب في الشغل!...آه لما كانت بتضرب بوز كانت بتقلبها ضلمه بس غير كده طيبه يعني..." يستلقي السيد علي سريره ويغمض عينيه ثم يمسك بموبايله ويقرر أن يرسل برسالة نصية لعزيز, فكلاهما لا يستطيع الكلام في هذه الحالة. يكتب: "كلمني بكره لما تصحي ضروري" ويرسل الرسالة, بعد بضع دقائق يرن صوت صفارة رفيعة تعلن عن وصول رد للرسالة. يقرأ السيد رد عزيز: "معنديش رصيد كفاية, كلمني إنت." يشعر السيد بغضب شديد ويتخيل لو كان عزيز إمرأة كيف كان سيكون رده, هكذا مثلا: "ماشي يا حبيبي" أو "طب كلمني إنت عشان رصيدي ممكن ميكفيش يا حياتيس أو : "ماشي" (وجها ضاحكا ثم "ماشي") ولكن عزيز هو عزيز ولن يكون إمرأة أبدا! يقذف السيد الموبايل في عصبية شديدة ثم يردد بصوت خافت مكتوم من بين أسنانه المتورمة: "ناديه, هدي...آآآه (يمسك بفكه) وزينب"