إذا كانت خريطة الشرق الأوسط الحالية هى نتاج اتفاق تقاسم النفوذ الشهير فى 16 مايو 1916بين مارك سايكس وكيل أول وزارة الخارجية البريطانية والدبلوماسى الفرنسى فرانسوا جورج بيكو. فإن ما يحدث الآن فى الواقع هو إعادة رسم خريطة جديدة للمنطقة تتجاوز اتفاق سايكس بيكو، لتعيد تقسيم المقسم وتجزئة المجزأ، ويبقى العرب كالعادة هم الخاسرين، رغم أنهم هذه المرة شركاء اساسيون فى إعادة تقسيم المنطقة. وليس ذلك بجديد، ففى سبتمبر 2013 نشرت صحيفة النيويورك تايمز تحقيقا للصحفى روبن رايت بعنوان «تخيُّل إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط» أو «كيف قد تصبح خمس دول عبارة عن أربع عشرة دولة؟»، وهذه الدول هى سورياوالعراق واليمن وليبيا والسعودية. وفى الملف السورى رأى رايت أن سوريا ستتقسم إلى ثلاثة أقاليم على الأقل، الإقليم الأول: هو الإقليم العلوى الذى سيحكم دمشق وحمص والساحل، والإقليم الثاني: سيحكمه الأكراد وهو الذى يمتد على طول الحدود التركية وسيتوحد تدريجياً مع كردستان العراق، والإقليم الثالث: هو الإقليم السنى الذى سيحكم ما تبقى وربما يتوحد مع الإقليم السنى العراقي. لكن البعض يرى أن تقسيم سوريا غير ممكن رغم مايجرى على الأرض الآن ووجود مناطق نفوذ عسكري، ذلك أن هذه المناطق العسكرية ليست قائمة على حقائق ووقائع قومية أو مذهبية أو طائفية، بمقدار ما تعبر عن معطيات عسكرية متحولة، ولذلك فإن هذا التقسيم لا يمكن أن يتحول إلى تقسيم سياسي، يؤسس لكيانات ودول جديدة على أنقاض الدولة السورية. إلا أن فكرة تقسيم سوريا تشغل حيزا كبيرا فى الفكر الأمريكي، فمنذ أشهر قليلة حذر وزير الخارجية الأمريكى جون كيرى من صعوبة منع تقسيم سوريا إذا لم يتوقف القتال فيها قريبا، وفى مارس الماضى كتب جيمس ستيفريد وهو جنرال متقاعد فى البحرية الأمريكية فى صحيفة «الفورين بولسي» مقالاً بعنوان «قد حان الوقت بشكل جدّى للتفكير بتقسيم سوريا» ، قال فيه «إن وقف إطلاق النار فى سوريا يأتى فى ظل فاجعة سكانية وإنسانية كبيرة، المشاكل الحقيقية لا تزال موجودة حول مستقبل الرئيس السورى بشار الاسد والخلاف السعودى الإيرانى الذى يأخذ شكلاً جيوسياسياً دينياً عدا عن الخلاف التركى الروسى الذى بدأ يأخذ مناحٍى استراتيجية وتكتيكية أكثر من ذى قبل، وهذه الأسباب تجعل النظر إلى سوريا فى إطار بوتقة دولة واحدة أمراً بعيد المنال . لكن عملية تقسيم سوريا بدأت تتحقق بالفعل فى الشمال ، مع تشكيل مناطق إدارة ذاتية، فرضها حزب الاتحاد الديموقراطى الكردي، حين أرسى دعائم ما يشبه دويلة لشعب، له برلمان، دعاه «مجلس شعب غربى كردستان»، وشكل قوات عسكرية، دعاها «قوات حماية الشعب» وكذلك حكومة ودستور ونظام تعليمى خاص به. وفى العراق تكاد تكون عملية التقسيم الطائفى قائمة على قدم وساق، وفى مايو من العام الماضى كشفت مجلة التايم الامريكية فى تقرير موسع عن تفاصيل خطة لتقسيم العراق إلى ثلاث دول، واحدة منها فى الشمال لكردستان، والثانية للسنة بمحاذاة سوريا، أما الثالثة فللشيعة، ومكانها فى جنوبى العراق وتضم مساحات واسعة منه، وحمل الغلاف عنوانا كبيرا «نهاية العراق». ولا تعد فكرة تقسيم العراق إلى ثلاث دول بالجديدة فى الطرح الأمريكي، فقد سبق لوزير الخارجية الأسبق، هنرى كيسنجر أن دعا فى مارس 2006، إلى تقسيم العراق إلى ثلاثة مكونات مرجحا أن يكون مصير العراق كمصير يوجوسلافيا السابقة. أما الصورة فى ليبيا فهى أكثر قتامة بسبب استمرار الخلافات وسيطرة الميليشيات المسلحة على عدة مناطق، وكشفت تقارير غربية عن خطط لتقسيم ليبيا فى حال فشل جهود تشكيل حكومة توافق وطنى وسلطة واحدة على الأرض ، وأكدت صحيفة الجورنالى الإيطالية، أن الدول الكبرى تفكر فى إحياء الأقاليم العثمانية الثلاثة القديمة: طرابلس غرباً، وبرقة شرقاً، وفزان جنوباً. ونقلت صحيفة الميساجيرو الإيطالية، أن خيار الأقاليم الإيطالى فى طرابلس، والبريطانى فى برقة، والفرنسى فى فزان، عاد بقوة ليطرح نفسه. وأوضحت الصحيفة أن القوى الدولية الثلاث المعنية ستتدخل فى ليبيا، على هذا الأساس على أن يكون دور الولاياتالمتحدة محورياً فى التفرغ لأى محاولة تقدم أو اختراق يُقدم عليها تنظيم «داعش». ناهيك عما يجرى فى اليمن ولبنان وعدة دول عربية أخري، وسايكس بيكو الجديدة ستكون أشد وطأة وكارثية من مثيلتها القديمة، التى تسببت فى ضياع فلسطين، ويبدو اننا بانتظار نكبة جديدة. أقوال: افعل دائماً ما تخاف أن تفعله. رالف والدو إمرسون فليسوف أمريكي لمزيد من مقالات فتحي محمود