خلال الاحتفال ببدء حصاد موسم القمح بالفرافرة فى باكورة مشروع استزراع مليون ونصف المليون فدان ، قال الرئيس عبدالفتاح السيسى عند استعراضه المشروعات القومية الكبرى التى تم العمل فيها خلال عامين وكان يمكن أن يستغرق تنفيذها 15 عاما: «لازم نغنى يا مصريين ونقول كنا هنبنى وأدى إحنا بنينا السد العالي»، وذلك فى إشارة واضحة من الرئيس إلى أن تلك المشروعات القومية الضخمة لا تقل أهمية عن مشروع السد العالي، وينبغى أن نتفاعل معها ونفرح بها ونغنى لها كما فعلنا مع السد. والحقيقة أن ذلك لم يحدث حتى الآن بالشكل المفروض، لأن لدينا أزمة فى التسويق السياسى (للمشروعات والانجازات والسياسات والأفكار.. الخ) ونحتاج للاستعانة بالخبراء والمتخصصين فى هذا المجال، وما أكثرهم، والتعاون بين الجهات المختلفة الحكومية والخاصة لحل هذه المعضلة وتمكين الرأى العام من التفاعل الإيجابى مع الواقع الجديد. ولنا فيما حدث خلال مشروع السد العالى أسوة، وتجربة نستفيد منها، حيث تم انتاج مئات الأفلام والأغانى والسهرات الإذاعية والتليفزيونية والأفلام الوثائقية عن المشروع، حتى انتشرت شخصية المهندس الذى يعمل بالسد العالى حتى فى الأفلام العادية التى ليس لها علاقة بالمشروع، واهتمت كل وسائل الإعلام بالجوانب الإنسانية للعاملين بالسد العالى والقصص والحكايات المتعلقة بارتباطهم بالمشروع، علاوة على الرحلات المستمرة للطلاب ومختلف فئات الشعب لموقع السد خلال مراحل بنائه المختلفة، والمعلومات التى انتشرت فى المناهج التعليمية عن ملحمة بناء السد العالي. كل ذلك أدى إلى تفاعل الشعب المصرى مع المشروع وتأثره به، خاصة مع ماارتبط فى ذهنه من معركة سياسية كبرى حول بناء السد، ولذلك تغلغل فى وجدانه وتغنى به. إن لغة الأرقام الصماء تجذب المتخصصين وتشكل حقيقة لا يمكن إنكارها، لكنها لا تجذب المواطن البسيط ولا تعلق بذهنه خاصة مع تطور وسائل الاتصال والقوالب الإعلامية المختلفة، وكلنا نعلم إن أى سلعة عادية تحتاج إلى الترويج لها عبر أشكال فنية تجذب انتباه المتلقي، وتتبارى وكالات الإعلان فى ابتكار وسائل التسويق التى تجذب المشاهدين للسلع المختلفة، فما بالكم إلى المشروعات الكبرى التى تحتاج إلى التركيز على المدخل الإنسانى أكثر من لغة الأرقام لتسويقها لدى الرأى العام ولتصبح جزءا من الوجدان الشعبي، وفى هذا الصدد يمكن الاستعانة بأفكار كثيرة منها: أولا: تنظيم رحلات مجانية بصفة مستمرة لطلاب الجامعات والمرحلة الثانوية إلى مناطق المشروعات القومية الجديدة، للتعرف على تفاصيلها عن قرب ومعايشتها، والاقتراب من العاملين بها للمس مدى المجهود الضخم الذى يتم بذله فى إنشاء هذه المشروعات. وقد تم تنظيم بعض هذه الرحلات خلال تنفيذ مشروع قناة السويس الجديدة، ولكنها لم تصل إلى الغالبية العظمى من المشروعات الكبري. وفى السياق نفسه يمكن أيضا تنظيم معسكرات للشباب خلال فترة الإجازة الصيفية فى مواقع تلك المشروعات، للمساهمة فى بعض أعمال التجميل والعمل الممكنة هناك، تشجيعا للمشاركة الشعبية فى تلك المشروعات التى تترك أثرا كبيرا فى وجدان الشباب، وتنمى الحس الوطنى والقومى لديهم. ثانيا: لابد أن يتم تضمين المناهج التعليمية فى المراحل الدراسية المختلفة نبذة عن تلك المشروعات، بشكل يتناسب مع عمر التلميذ والمرحلة التى يدرس بها، وبطريقة جذابة فى المواد الدراسية المختلفة مثل موضوعات القراءة والتعبير فى اللغة العربية، وموضوعات المواد الاجتماعية بفروعها، وغيرها. ثالثا: الاهتمام بالمساعدة فى انتاج أعمال درامية مستوحاة من واقع تلك المشروعات، وقد سبق على سبيل المثال عرض أعمال درامية عديدة تتناول موضوع استصلاح الأراضى قد يكون أشهرها مسلسلى سنبل بعد المليون وسر الأرض. وهنا يمكن استضافة بعض من كتاب ومخرجى الدراما بأشكالها المختلفة للقيام بزيارات متعددة لمواقع المشروعات الكبري، وتشجيعهم على معايشة الواقع بها، لمساعدتهم على كتابة أعمال درامية من وحى هذا الواقع، وتشجيع اتحاد الإذاعة والتليفزيون والفضائيات وشركات الإنتاج السينمائى على انتاج تلك الأعمال فى شكل درامى جذاب وبالاستعانة بالنجوم الذين لديهم رصيد جماهيرى كبير، مع المواهب الشابة التى تشكل نجوم المستقبل. ونفس الأمر ينطبق على الشعراء والملحنين من مختلف الأجيال الذين يجب أيضا تشجيعهم على معايشة هذه المشروعات القومية، ليستوحوا منها أعمالا غنائية كثيرة يمكن أن تبقى فى الوجدان الشعبى لسنوات طويلة، بالضبط كما نتذكر حتى الآن «ونقول كنا هنبنى وأدى إحنا بنينا السد العالي» رغم مرور أكثر من نصف قرن عليها، إذا كتبت ونفذت بصدق ومهنية عالية. بمثل هذه الأفكار وغيرها للتفاعل مع الرأى العام، نستطيع أن نغنى للفرافرة ولمحور قناة السويس وللمدن الجديدة، ولكل يد شريفة تحاول أن تضع طوبة فى مسيرة البنيان من أجل حياة حرة كريمة لكل مصري. أقوال: أهم درس يمكن أن نستفيده من التاريخ هو أن البشر لا يستفيدون كثيرا من دروس التاريخ ألدوس هكسلى كاتب انجليزي [email protected] لمزيد من مقالات فتحي محمود