أسمعني صوتك لأعطيك صوتي.. شعار بات يرفعه الكثير من المصريين الآن مع إقتراب موعد الإنتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها اليوم وغدا ومع ازدياد حدة المنافسة بين المرشحين لإستقطاب أكبر قدر من الناخبين عرفت مصر موضة المناظرات التليفزيونية. والتي علي عكس أي وسيلة دعائية أخري تتيح لكل مرشح أن يقول ما يشاء ويظهر نفسه بأبهي صورة, وهنا يلجأ إلي المبالغة وأحيانا إلي الكذب وفي بعض الأوقات تتحول المناظرة إلي تراشق بالاتهامات بين الطرفين دون التركيز علي برنامج كل منهما, وكما أن المناظرات تظهر إيجابيات المرشحين فهي في الوقت نفسه تظهر العيوب والسلبيات, فكل حركة وإشارة لها دلالات, وكل ابتسامة أو نبرة قلق لها أبعاد, حتي شكل ربطة العنق قد تفقد المرشح الكثير من الأصوات, ومهما تحلي المرشح بالرزانة والجلد, فإن زلة لسان عابرة قد تقصيه بعيدا عن الرئاسة. وإذا كان عمر المناظرات في مصر لايتعدي بضعة أسابيع إلا ان معظم دول العالم إنتهجت هذا الإسلوب منذ عدة سنوات, ولعل أقدم مناظرة تليفزيونية وأولها علي الإطلاق تلك التي جرت في أمريكا عام1960 وكانت بين السيناتور الديمقراطي جون كنيدي ونائب الرئيس الجمهوري وقتها ريتشارد نيكسون, و تابع المناظرة عبر التليفزيون75 مليون مشاهد وإستمع لها في الإذاعة26 مليون أمريكي, وقتها بدا نيكسون- الذي عرف عنه انه كان متحدثا لبقا- سيئا للغاية أمام كاميرات التليفزيون, حيث كان يتصبب عرقا في بزته الباهتة اللون وتحت حرارة إضاءة التصوير, كما رفض وضع مساحيق للتجميل علي وجهه فبدت عليه علامات الإرهاق والتقدم في العمر, ورغم محاولاته أن يبدو متماسكا إلا أن كيندي كان وقتها صاحب حضور طاغي, فهذا الشاب الذي يشبه دائما نجوم السينما بدا أنيقا ووسيما ونشيطا للغاية, وكان عائدا من إجازة مكتسبا سمرة جعلته يبدو جذابا, الأمر الذي أوحي للجمهور أنه يملك زمام الامور, ولعل أكبر دليل علي أن الشكل الخارجي لعب دورا كبيرا في المناظرة, ذلك التعاطف الذي إكتسبه كيندي من جمهور التليفزيون, بينما اقتنع من استمعوا إلي المناظرة في الراديو بما قاله نيكسون. وفي النهاية أصبح كيندي الرئيس الأمريكي الجديد, وعاني نيكسون من حالة من الإحباط ورفض بعد ذلك أن يدخل في مناظرة في الانتخابات الرئاسية بين عامي1968 و1972, حيث أصبح رئيسا للولايات المتحدة من دون مناظرات, أما المناظرة الأشهر في تاريخ فرنسا تلك التي جرت بين المرشحين فرانسوا ميتران وفاليري جيسكار ديستان عام1981, والتي إعتبرها الأخير فرصة سهلة لطحن ميتران, ووصل به الأمر إلي حد مطالبة أحزاب اليمين الموالية له بالتركيز فقط علي الانتخابات التشريعية, لكن خلال المناظرة فاجأ ميتران الجميع وزعزع الهيمنة التقليدية للرئيس المنتهية ولايته حينما حاول جيسكار إمتحانه وطلب منه أن يعطيه تفاصيل دقيقة عن هبوط سعر الفرنك الفرنسي أمام المارك الألماني, حينها رد ميتران علي أسئلة جيسكار قائلا: ما الذي يعطيك شرعية امتحاني؟ أنا لست تلميذك وأنت لست رئيس الجمهورية الآن. أنت مجرد منافس لي. إنتهت المناظرة وفاز ميتران في الانتخابات بزيادة1.1 مليون صوت عن جيسكار ديستان.