هل يدرك الذين يطلقون لحاهم سواء عندنا أو في أفغانستان وباكستان أن عدو الرسول والإسلام الأول أبا جهل كانت لديه لحية بنفس طول ومواصفات لحاهم؟ هل يدرون أن أبا لهب الذي توعده القرآن الكريم في قول الله تعالي تبت يدا أبي لهب وتب.. كان هو الآخر يفخر بلحيته ويعتبرها مكونا أساسيا لشخصيته. هل دققوا في الأفلام والمسلسلات الدينية وأدركوا أنه لا فارق بين لحي الكفار والمؤمنين؟ وأن الفارق بين الاثنين هو الإيمان والأخلاق الكريمة وليس المظهر الذي كان قاسما مشتركا بين الجميع. وهل يدركون أن الرجال في كل مكان بالعالم في ذلك العصر كانوا يطلقون لحاهم وأن إطلاق اللحي كان يعتبر عنوانا للرجولة ورمزا للفحولة لا يتنازل عنه الذكور لأي سبب من الأسباب؟ واقع الأمر أن حلاقة الذقن لم تصبح عادة يمارسها غالبية رجال العالم إلا مع بدايات القرن العشرين وتدل صور قيصر روسيا وإمبراطور النمسا خلال الحرب العالمية الأولي أن اللحية كانت لا تزال سمة من سمات الرجولة والأبهة. لم تختف اللحية إلا في فترات تاريخية قليلة منها عصر إسكندر الأكبر في اليونان والذي كان يكره اللحية وكان يأمر جنوده بحلاقتها خاصة وأنها كانت عائقا للقتال حيث كان الأعداء يمسكون بلحي الجنود ويطرحونهم أرضا فيتمكنون من قتلهم. وعلي العكس كانت مملكة سبارطة العسكرية اليونانية تصر علي اللحية بل إن عقاب الفارين من القتال والمتقاعسين كان يتمثل عندهم في حلاقة ذقونهم وكانت تلك أكبر إهانة تحيق برجال سبارطة الذين اشتهروا بالروح العسكرية وبشدة البأس. وهل نعلم أن الغالبية العظمي من نساء العالم في عصر الدعوة كن يغطين شعورهن في كل مكان سواء في الشرق أو الغرب باستثناءات قليلة. والسيدة مريم العذراء تظهر في كل الصور واللوحات بغطاء للرأس لا يختلف كثيرا عن الحجاب كما أن الراهبات المسيحيات يغطين شعورهن حتي اليوم ولا تظهر خصلة شعر واحدة منهن, وكانت هيلانة الحسناء التي كانت سببا في اندلاع حرب طروادة تغطي شعرها حسب رواية هوميروس. وظلت نساء أوروبا يغطين شعورهن بطرحة فضفاضة طوال ما يطلق عليه العصور الوسطي وقبل بزوغ عصر النهضة والتنوير. آن الأوان أن ندرك أن التمسك الحقيقي بالدين هو التمسك بالمنظومة الأخلاقية التي وضعها الإسلام وتجسدت في شخص سيدنا محمد وليس في التشبث بالشكليات لأن الشكل دائما يكون علي حساب المضمون. التمسك بالدين هو في إعلاء قيم الإسلام ومثله العليا التي تقوم علي التسامح الحقيقي وليس التسامح اللفظي والحديث عن الرحمة باللسان ثم المطالبة بالقتل والرجم وقطع الرقاب. وقد أثبتت التجربة التاريخية أن التمسك الأعمي بمظاهر الدين تكون دائما علي حساب الجوهر. فالتركيز في الشكليات وفي الطقوس يتحول إلي هاجس أقرب إلي الوسواس القهري الذي يجعل القيم والمبادئ العليا تتواري وراء القشور. مع أن هناك مئات الأدلة في القرآن والسنة تؤكد ان الإيمان الحقيقي هو في المعاملات وممارسة الحياة بناء علي قيم الدين ومثله العليا أقربها إلي ذهني ذلك الحديث الشريف الذي يقول إن الله لا ينظر إلي صوركم وأحسابكم وأموالكم ولكن ينظر إلي قلوبكم وأعمالكم. فصورة الإنسان ليست الأساس طالما أنها لا تخالف مباديء الإسلام من النظافة وحسن الهندام والذين يريدون أن يوهمونا أن الرجل الذي لا يطلق لحيته والمرأة السافرة يخالفون شرع الله إنما لا يدركون المقاصد السامية للدين. إنهم كمن يلتهم قشرة فاكهة البطيخ الخضراء ويترك قلبها الأحمر الشهي الذي يحتوي علي كل مزاياها. علينا أن ندرك أن العالم اصبح يسير في اتجاه واحد ومن يعاند ويرفض السير في طريق التقدم الإنساني سوف يطحن تحت عجلات قطار التطور وإذا لم نجار ما يحدث في العالم فسوف نحكم علي شعوبنا أن تظل في حالة من الجهل والتخلف وتعيش سنوات قادمة تحت خط الفقر. ومجاراة التوجه العالمي لا تعني التخلي عن مبادئنا وعن قيمنا وعن ديننا لكنها تعني أن نسير في ركب الحضارة والتقدم ولا نتخلف عن غيرنا إلا فيما يميزنا من الالتزام بالترابط الأسري والمحبة والتراحم وليس اللحية والزبيبة والنقاب. وعلي كل من يتوجه اليوم وغدا إلي صناديق الاقتراع لاختيار أول رئيس منتخب في مصر أن يكون واعيا لكل هذا فيختار رئيسا يبحر بنا في اتجاه التيار العالمي ولا يسير بنا في طريق التقوقع والانغلاق. المزيد من مقالات شريف الشوباشي