العمل قيمة عظيمة أعلى الإسلام من شأنها، وقرنها الله تبارك وتعالى في كتاب الكريم بالإيمان ، فعلى قدر عمل الإنسان يكون جزاؤه, وقال الله في القرآن الكريم "مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ". ولقد عمل الأنبياء الذين هم أفضل خلق الله بمهن مختلفة، وحثنا الرسول، صلي الله عليه وسلم، علي إتقان العمل فيقول: (ان الله يحب إذا عَمِلَ أحدكم عملاً أن يتقنه”، وأمسك النبي عليه الصلاة والسلام بيد ابن مسعود وكانت خشنة من العمل، أمسك يده ورفعها وقال: هذه اليد يحبها الله ورسوله، وقال أيضاً:”إن قَامَتْ السَّاعَةُ وَبِيَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ فَإِنْ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا يَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَفْعَلْ”. وفى نداء منهم إلى بناة مصر بمناسبة الاحتفال بعيد العمال، دعا علماء الدين، جميع العمال والمسئولين فى الوقت نفسه، إلى الالتزام بمواثيق العمل، وعدم تعطيل خطوط الإنتاج، إذ على العمال الإخلاص فى العمل وإتقانه، وفى المقابل إعطاء الدولة حقوق العمال كاملة، مطالبين الجميع بوضع المصلحة العليا للوطن فى الاعتبار حتى ينهض الاقتصاد. ويقول الدكتور عبد الفتاح العوارى عميد كلية أصول الدين بالقاهرة، إن العمل شرف عظيم، والعامل فى ميزان الإسلام له قدره ومكانته ويكفيه شرفا ان الله تعالى كلفه بعمارة الكون وأمره بهذا فى كتابه، حيث قال تعالى”..هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها ...”، وقال” هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ”، وقد بين الحق ان العامل متى أدى ما عليه من فريضة من العبادات، لا يحق له تعطيل العمل الذى هو مكلف به من أمور الدنيا، قال تعالى” فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون”، مشيرا إلى أن الرسول صلى الله عليه وسلم بشر العامل الذى يبيت كالا من عمل يده وسعيه فى طلب الرزق بحلال الله، بأنه مغفور له، كما جاء فى الحديث الشريف، ومن هنا فإنه حرى بالمجتمع أن يحتفل ويحتفى بالعاملين والعمال، حتى يعطيهم دفعة لمواصلة دورهم فى بناء المجتمعات وتطور الحضارات. مهمة عظيمة وأشار إلى أن الإسلام يعظم من شأن العمل، وليس أدل على ذلك من أن أنبياء الله جميعهم قد عملوا في مختلف المجالات، فهذا أبو البشر نبي الله آدم كان زارعا، وداود كان حدادا، وروح الله وكلمته عيسى ابن مريم كان صباغا، وسيد الخلق وخاتم النبيين محمد صلى الله عليه وآله وسلم عمل بالرعي والتجارة، موضحا أن النبي صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وسلم قد حث على العمل والاجتهاد فيه وإتقانه فقال: “لأن يأخذ أحدكم حبله، ثم يغدو إلى الجبل فيحتطب، فيبيع فيأكل ويتصدق، خير له من أن يسأل الناس”، وقال كذلك: “إن الله يحب إذا عَمِلَ أحدكم عملاً أن يتقنه”، مطالبا عمال مصر في عيدهم ببذل المزيد من الجهد والعمل من أجل النهوض بمصرنا وتنميتها وتنشيط اقتصادها، والإبداع والتطوير كل في مجال عمله، لأن قيمة المرء بما يحسنه من عمل، مشددا على ضرورة ألا يلتفتوا إلى أصحاب ثقافة الهدم والمثبطين، الذين لا يعرفون إلا التخريب والتدمير. تكريم الإسلام وفى سياق متصل، أكد الشيخ محمود عاشور وكيل الأزهر الأسبق، أن الإسلام سبق كل النظم والبروتوكولات الدولية فى تكريم العمال، فقد بين القرآن الكريم أن من يعمل عملا صالحا فى أى مجال من مجالات الحياة له أجره فى الدنيا والآخرة، قال تعالى” من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون”، كما دعا النبي صلى الله عليه وسلم أصحاب الأعمال إلى معاملة العمال معاملة كريمة. وأوضح أن من حق العامل، الأجر المناسب لقدراته ومواهبه، فيقول الله تعالى”ولا تبخسوا الناس أشياءهم..”, أي لا تنقصوا أموالهم, كما يحذر الله من سوء العاقبة إذا لم يتناسب الأجر مع العمل كما في قوله تعالى “وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ “، وفسر بعض العلماء معني المطفف بأنه المقلل حق صاحب الحق وأصل الكلمة من الطفيف أي القليل، كما يجب على العامل أن يأخذ أجره بقدر عمله وجهده في العمل، مؤكدا ان الإسلام يقرر سرعة دفع الأجر للعامل بعد الانتهاء من عمله مباشرة لقول الرسول (أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه). وعن مناسبة العمل للعامل، يوضح ان الله جعل التكليف في دائرة التوسع والطاقة فقال تعالى “لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ..”، مشيرا إلى أن العمل عبادة وجهاد، وهو سبب للبناء لا الهدم والتعمير وليس للتخريب.