«عدى النهار .. والمغربية جاية تتخفى ورا ضهر الشجر وعشان نتوه فى السكة .. شالت من ليالينا القمر» الأبنودي هذه قصة وطن لم تزل تفاصيلها حية فى العقل والضمائر ، وتتناقلها أجيال وراء أجيال عبر دروب الكلام - ورغم السنين فإن القلوب ترجف بقوة قبل أن تصرخ الحناجر مع حليم ومع الأبنودى فى قصيدته «الخالدة» «عدى النهار»، وهو يقول بعزم السنين «كل الدروب واخده بلدنا للنهار .. واحنا بلدنا ليل نهار بتحب موال النهار .. لما يعدى فى الدروب ويغنى قدام كل دار». تلك هى مصر التى لا تتوقف عن الكلام؟! لماذا؟! لأن مصر عاشت قرونا بالأمل، ولا يحيى شعلة الأمل سوى الكلام .. هذه خلاصة رؤية السنين من بطرس غالى أحد أهم خلاصة العقول المصرية، كما أن مصر تصبح فى خطر عندما يتوقف المصرين عن الكلام بل السخرية، وهذا ما كتبه الكاتب الساخر الكبير محمود السعدنى لمبارك، وحذره من أن المصريين توقفوا عن إطلاق «النكات والقفشات!». والآن هناك دعوات للصمت، والتوقف عن الكلام، بل ذهب البعض ليقول «من يجرؤ على الكلام»؟ وأحسب أن المشهد صاخب بل غامض، ويقول رئيس الوزراء شريف إسماعيل «مصر لا تزال فى مرحلة الخطر». وفى معرض حديثه أمام مجلس النواب يقول إسماعيل «سنعمل معا للانتصار على البيروقراطية والفساد وسوء الإدارة»، ولكن كيف يجيب رئيس الوزراء على هذه التحديات «بالمصارحة والشفافية أسلوبنا». إلا أن الأمر فى مجمله يدعو للحيرة، فالجنيه المصرى يتراجع فى السوق السوداء، وحتى اللحظة لم تنجح حزمة السياسات لهشام رامز ثم طارق عامر فى وقف «الهبوط المتواصل» للجنيه أمام الدولار وبقية العملات، ومن قبل قال وزير الاستثمار السابق أشرف سالمان إن تخفيض الجنيه أمر حتمى إلا أنه فى المقابل فإن هذه «السياسة الكارثية» تسببت فى مشكلات كثيرة، وبل إن الاقتصاد العالمى المصرى محمد العريان كتب محذرا من «تخفيض قيمة الجنيه»، كما أننى عائل للتود من الهند، وفوجئت بأن وزير مالية الهند يرفض تخفيض قيمة العملة «الهندية» من أجل زيادة النمو!. وحسنا فعل طارق عامر عندما نفى وحود أى نية أو اتجاه لخفض جديد فى سعر صرف الجنية أمام العملات الأخري، وقد وصف محمد الأبيض رئيس شعبة شركات الصرافة باتحاد الغرف التجارية ما أسماه «الارتفاع الجنونى الذى تشهده أسعار الدولار بالسوق الموازية بأنه أمر غير طبيعي»، وأرجع الأبيض ذلك إلى «عمليات جمع الدولار على مستوى عال، واستبعد أن يكون الطلب المتواصل على الدولار بهذه الأسعار المرتفعة من المستوردين». وهنا المشهد يقول إن مصر فى خطر، بل وخطر شديد نظرا لأن البعض يتحدث عن «سيناريو الأرجنتين» وهذا سيناريو كارثي. وعلى الحكومة أن تتنبه لأنه إذا لم تكن سياسة حكومية، ولا تعليمات من صندوق النقد الدولي، ولا هى أيضا طلب طبيعى من المستوردين أذن هناك مؤامرة ضخمة ليست على نظام السيسى بل على مصر والمصريين، وبعض الهمسات التى ترقى للوقائع تذهب إلى حجز دولارات المصريين فى الخليج من قبل أنصار الجماعة الإرهابية، كما أن بعض رجال الأعمال يتركون دولاراتهم فى حسابات فى الخارج، هذا جزء من التفسير، ولكن هناك مؤشرات مؤامرة أخطر لتفجير الوضع الاقتصادى فى البلاد. والشواهد موجودة، لكن أحسب أن الأداء الحكومى جزء من المشكلة، وهنا الأمر يعود إلى السياسة النقدية وتعثرها فضلا عن الفشل فى استعادة الحركة السياحية، أو الفشل فى الصادرات المصرية وفتح أسواق جديدة، بالإضافة إلى فشل الحكومة والوزراء سواء فى التفكير خارج الصندوق أو خلق موارد جديدة للبلاد!. وأحسب أن «الخطر» الذى يتهدد مصر يأتى معظمه الأكبر من داخلها، وهنا فإن «التهديد الإرهابي» لم يزل قائما، وفيما يتعلق بتأمين الرحلات الجوية من روسيا إلى مصر بعد تحطم الطائرة الروسية.. قال الرئيس الروسى بوتين إنه لم يتم ايجاد الطريقة المفيلة بتأمين الرحلات بعد، مؤكدا أن رجال الأمن الروس والأصدقاء المصريين يعملون على حل هذه المسألة، مضيفا لا يحق لنا فى هذه الحالة إلا أن نقول للناس أن السفر إلى هذا البد أمر خطير، وجاءت هذه «النتيجة القاسية» من الصديق الروسى بوتين خلال حوار مباشر مع سكان روسيا، وهو حوار يجريه مع مواطنيه كل عام.. أذن هذه هى الحقيقة المرة، وتكشف عن أن «المستوى الأمني» ليس على المستوى المطلوب، وهنا فالأمن أمر لا يحتمل «سوء المستوي» ولا يهم الآخرين بل وحتى مواطنيك «أعذارك»! ومن الواضح أن الخطر الإرهابى لازال كبيرا، فقد ألمح الرئيس الفرنسى فرانسوا أولاند إلى أن فرنسا رهن الإشارة من أجل تقديم المساعدة لمصر وجيشها فى حربها ضد الإرهاب، ولكن فى المقابل قال الصديقى الفرنسى «إن الاستثمار فى مصر لا يمكن أن ينتعش إلا باستتباب الأمن والاستقرار فى مصر». وأحسب أن الرسالة واضحة، وعلينا أن ندرك أن تعاطف الأصدقاء وتفهمهم لأوضاعنا شيء جيد ورائع، ولكن عندما يأتى الأمر للواقع الفعلى فالرسالة واضحة «رتب بيتك من الداخل»؟!وهنا وصل إلى لحظة الحقيقة؟! فالأمر المزعج أن يعترف المرء بأن حالة المؤسسة الأمنية ليست على ما يرام، وأن حالة الباحث الإيطالى جوليو ريجينى ومن بعدها تزايد حالات انفلات «أمناء الشرطة» ولعل الأمر يتطلب وقفة جادة مع الأمر الذى بات مصدرا للخواطر السيئة، وقدم رئيس تحرير الأهرام محمد عبدالهادى علام تشخيصا مهما فى مقالته «الدولة ولحظة الحقيقة فى قضية ريجيني» حيث كتب يقول «الروايات الساذجة عن مقتل ريجينى اساءت لمصر داخليا وخارجيا، وقدمت للبعض مبررات للحكم على ما يجرى فى البلاد بأن شيئا لم يتغير، وكأننا فى مرحلة ما قبل 25 يناير. وينسى المدافعون، عن مواقف متهافتة غير مقنعة فى فرط هما سهم أن قضية مقتل خالد سعيد رغم ملابساتها لم تم مثلما ظن البعض فى حينه كما أن الحديث عن دور وسائل الإعلام فى تضخيم القضية، أو نشر معلومات غير دقيقة ليست «الشماتة المناسبة» لاقناع الجانب الإيطالى بماهو مطروح عليه. ويؤكد علام: فالأداء الإعلامى السيئ الذى يشكو من القارئ، والمشاهد قبل المسئولين أنفسهم، المسئؤل الأول عن حالته الراهنة هو بعض أجهزة الدولة نفسها التى تركت الباب مفتوحا أملم فوضى إعلامية بعدم التعامل المحترف فى قضايا مفصلية فى فترة تمر بها مصر فى منطف تاريخي، لا يمكن التعاطى معه بضعف أو بشخوص لا ترقى إلى مستوى الأحداث. هذه اسئلة تحتاج إلى أجوبة شافية وبسرعة!ويبقى أن مصر لا تزال فى خطر، وهذا توصيف رئيس الوزراء كما أن الرئيس عبدالفتاح السيسى نفسه يؤكد أن هناك مؤامرة داخلية جهنمية على مصر، وأحسب أن «لحظة الحقيقة» قد دقت حتى نعرف ماهى أبعاد المؤامرة وتفاصيلها، ومن هى الشخصيات التى تتآمر على البلد والنظام، وهل هؤلاء يعملون بمفردهم، أم عقدوا تفاهمات مع قوى إقليمية ودولية، وهل هؤلاء جزء مما تتعرض له مصر الآن، وأحسب أن الجميع بحاجة لمزيد من الوضوح وكشف المزيد مما استغلق على الكثيرين فى مصر، ففى مثل هذه الحالات يتوقف البعض عن الكلام، وينشط آخرون لزيادة الشائعات والبلبلة وتكدير الخواطر وإشاعة اليأس فى النفوس، إلا أن الحقيقة والصدق فى النفس ومع الغالبية العظمى من المصريين تقتضى أن نقول «إن مصر دوما على موعد مع النهار»، وأن مؤامرات أشباح الظلام مهما أشتدت فإن «الصباح» دوما قريب فى مصر، ويكفى أن ينظر المرء حوله ليرى أن لمصر درعا وسيفا هو المؤسسة العسكرية، كما أن يقظة المصريين وحرصهم على وطنهم ستعبر بمصر الخطر لا محالة. لمزيد من مقالات محمد صابرين