رحل زكريا محيي الدين ومعه الصندوق الأسود الذي جمع فيه كل أسرار ثورة يوليو.. كان طرازا فريدا في الحسم والانضباط والقسوة أحيانا..وكان نموذجا حقيقيا لرجل الدولة في كل مواقع العمل التي شارك فيها.. جمعتنا الأقدار مرة واحدة أجريت فيها حوارا معه ربما كان آخر حواراته مع الصحافة.. يومها اتصل بي الصديق الراحل د. يونان لبيب رزق المؤرخ الكبير وسألني هل تحب ان تري زكريا محيي الدين قلت وهل هناك من يرفض ذلك.. كان د. يونان رئيسا للجنة التي تشكلت لإعادة ترميم مبني مجلس قيادة الثورة وكتابة أهم الأحداث التاريخية فيه مع من بقي من رجال الثورة كان زكريا محيي الدين قد اقترب كثيرا في السن والذاكرة من منطقة الخريف ورغم هذا حاولت يومها أن اناقش معه أكثر من قضية اعترف يومها ان محمد نجيب لم يكن صاحب دور اساسي في ثورة يوليو وان الضباط الأحرار اختاروه لأنه واجهة مناسبه فهو الأكبر رتبة وسنا.. واعترف ان قرارات مجلس قيادة الثورة في العامين الأولين كانت بالتصويت ثم انتهت إلي قرار فردي ملزم لشخص واحد واختفي تماما مبدأ التصويت واعترف ان يوسف صديق كان يمثل تهديدا فكريا للثورة بسبب توجهاته اليسارية وانه كان أقرب الضباط الأحرار إلي قلبه.. واعترف بأن ثورة يوليو ارتكبت أخطاء كثيرة فرضتها ظروف المرحلة والتاريخ.. واعترف ان قضية التنحي بعد نكسة67 كانت مسرحية وان عبد الناصر لم يبلغه بقرار تولي مسئولية رئاسة الجمهورية كما جاء في بيان التنحي وانه علم بذلك القرار مع الملايين من التلفزيون المصري وانه كان يرفض فكرة توليه المسئولية حتي لا يدفع ثمن أخطاء لم يشارك فيها.. ويومها سألته في آخر اللقاء متي تكتب مذكراتك.. إنها واجب تاريخي امام الله وامام الشعب ولديك أسرار كثيرة فقال هناك اعتبارات كثيرة تمنعني بعضها خاص وبعضها عام. ورحل زكريا محيي الدين دون ان يكتب شيئا عن اهم حدث في تاريخ مصر الحديث رحمه الله. [email protected] المزيد من أعمدة فاروق جويدة