في الخليج هناك رأي عام يتوقف مستغربا الضجة التي تبعت توقيع الاتفاق بين المملكة العربية السعودية ومصر حول ترسيم الحدود البحرية، وقد تجاهل كثيرون حزمة كاملة من الاتفاقات التاريخية لصالح البلدين، وعلي الرغم من أن الوثائق حول الجزر التي تم بيانها واضحة المعالم و موثقة في المؤسسات الدولية،و تناولتها الكتابات السابقة، فإن الضجة أخذت أكبر من حجمها، وفي مكان ما ابتعدت عن (حُسن النوايا الي سُوئها)، لا يجادل أحد في أن الجميع من حقهم الطبيعي أن يجهروا برأيهم في القضايا العامة، ولكن المناقشة والرأي الذي يجب عرضه علي الناس، من الأوفق أن يكون موثقا وقريبا من الموضوعية،يخاطب العقل لا العواطف، وبالتأكيد بعيدا عن الهوي والتسييس أو البحث عن مواقع لبطولة وطنية في غير موضعها، البعض أظهر في المناقشة هوي وموقفا مؤدلجا ومطعما بأفكار معممة وبطريقة فاضحة، وإن كان الرأي غير الموضوعي قد يصدر من البعض غير المطلع، فإن الأمر يختلف عندما يأتي الرأي من أشخاص وثق برايهم في السابق الجمهور العام. يري كثيرون أن فكرة بناء الجسر (جسر الملك سلمان كما اقترح الرئيس عبدالفتاح السيسي) فكرة استراتيجية لا يقدم عليها الا من كان ذا عقل استراتيحي حصيف يتجاوز الحاضر إلي المستقبل، وأيضا شخص أو أشخاص يتسمون بالشجاعة الادبية والسياسية، من الظلم الاستعجال في الحكم علي ما فعلوه بخفة ودون بينة. المعارضون، أو علي الأقل بعضهم، ارادوا ان يصطادوا في (المياه العكرة) وهي ان هناك منطقة ضبابية تبدو للجمهور العام لعبوا فيها لتضليل الرأي العام، وهو تحت تاثير عاطفي وطني مشوب بالانية ، فأرادوا الدخول من هذا الجانب كي يُصعدوا معارضتهم للنظام من خلال إظهاره علي غير الحقيقة وأنه فرط في (أرض مصرية)! وكان متوقعا ان يستفيد هؤلاء الذين يتمنون ان توهن مؤسسات النظام المصري القائم، من أجل الانقضاض عليه، وهم في الحقيقة لا يملكون مشروعا وطنيا أو تنمويا يقنعون به الناس، أو أن المشروع الذي في ذهنهم معطوب لا يقبله الجمهور، فلجأوا إلي حيلة تصعيد المعارضة للمشروع حتي تبقي مصر في عزلة وان يبقي فكرها الاستراتيحي قيد التردد والأخذ والرد. لم يكن ذلك فعلهم الأول، أي الانتقاد من أجل الانتقاد، لقد شككوا في السابق بأهمية مشروع قناة السويس، كما شككوا في مشروعات استراتيجية أخري، بل شككوا في المسيرة الديمقراطية بأسرها هم يريدون اقعاد الوطن عن مهماته المبادرة الكبري، للسباحة في مكان ضحل ترسمه لهم اهواءهم. للحقيقة أيضا واجب ان نشارك القارئ المصري تجارب من هذا القبيل،ولعلي من خلال تجربة واقعية أعرف أن هناك جسرا آخر بين بلاد عربية أخري خضع لنفس التشكيك، وما اعنيه هو جسر الملك فهد بن عبد العزيز طيب الله ثراه مع مملكة البحرين، فلما فُكر في بناء الجسر وصار الحديث حوله جديا، بدات الأقوال والكتابات تغمز من أطراف مختلفة لما سوف يجره هذا الجسر من سلبيات، والمقارنة تذهب إلي أكثر من ذلك، فقد كانت فكرة اقامة جسر بين البحرين والمملكة العربية السعودية قد طرحت اول ما طرحت في عام 1954 من الملك سعود بن عبد العزيز رحمه الله، وبقيت فكرة بسبب تلك المعارضة وتدخل القوي التي لا ترغب في التقارب، حتي نضجت في عهد الملك فهد. اليوم اصبح جسر الملك فهد شريانا هو الأهم للاقتصاد في مجمل المنطقة الشرقية للمملكة العريبة ومملكة البحرين، واصبح أيضا شريانا استراتيجيا بالغ الاثر في الحفاظ علي استقلال وحرية البحرين، اما الفوائد الأخري فهي تتعاظم يوميا لكلا الاقتصادين. جسر الملك سلمان بين مصر والمملكلة العربية السعودية سوف يجبر الاقتصادين معا، يأتي بفوائد اقتصادية أعظم وأكبر من خيال البعض، ليس لاقتصاد مصر والمملكة فقط، بل أيضا لدول الخليج وما بعدها من دول الشرق، ولمصر وما بعدها من دول المغرب. الفائدة الاقتصادية والاستراتيجية هائلة، ومعظم من سوف يستفيد منها هم العرب الحاليون والاجيال القادمة. الجسر المزمع انشاؤه سوف يُمكن أي مواطن مصري يعمل في عُمان أو اليمن في جنوب الجزيرة، ان يستقل سيارته مع عائلته ولا يتوقف الا في احدي المدن المصرية، كما سوف يجعل المواطن المصري في الاسكندرية مثلا يستقل سيارته الخاصة ولا يتوقف الا في جوار مكةالمكرمة، ستعبر منتجات مصر بيسر وسهولة إلي أسواق الخليج، وتعبر منتجات الخليج في نفس اليوم إلي المدن المصرية. وسوف تقام صناعات كثيرة حول الجسر، بعده او قبله علي الناحيتين، بل ستقام مدن حديثة مزدهرة ، وسوف يستقر الأمن القومي، الذي جناحاه لا شك سعودي خليجي ومصري ، لاي عاقل فطن، استقرارا لا يستطيع ان يهدده إرهاب، أو يقلقه عدو. وبدلا من صرف الجهد للنظر إلي المستقبل، سلت السيوف القلمية من أجل النيل من المشروع من جانب النكاية السياسية أو الخلاف الأيديولوجي، أو الجهل والتجهيل ، المراد منه تحقيق مصالح آنية أو الوقوف علي ارض ( وطنية) متخيلة، وفي نفس الوقت تجاهل أمن شعب عربي في الضفتين بكامله. بناء الجسور ( هو القائمة المبتغاة) أو المطلوبة لانعاش أي اقتصاد في العالم ، وهي علي راس ال Wish list لأي تفكير اقتصادي استراتيجي، فقط علينا ان نقرأ الأدبيات العالمية في هذا لمجال وهي كثيرة، لقد بنت الجسور أهم علاقة اقتصادية بين كندا وأمريكا الشمالية، كما بنت اهم اقتصاد في جنوب شرق اسيا، سواء في ماليزيا أو في كوريا الجنوبية. بل يحدثنا رئيس الجمهورية الكوري السابق لي ميونج باك في كتابه الرائع (الطريق الوعر) لما كان رئيسا لشركة هونداي الكورية انه ابلغ مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا مجرد ان وصوله الي السلطة ان (ابني جسرا) ينتعش الاقتصاد، فبنت ماليزيا اطول جسر بناء علي تلك النصيحة! لمزيد من مقالات محمد الرميحي