تعد جراحات المخ والأعصاب من أدق وأخطر أنواع الجراحات التى تتطلب مهارة فائقة ودقة متناهية فى الأداء نظراً لارتباطها بأكثر أماكن الجسم تعقيداً وتشابكاً وهى خلايا المخ والأعصاب، وتظفر الجراحات المتعددة فى هذا التخصص كل يوم بثورات من التطور الفنى وسيل من التغييرات المتلاحقة لأحدث التقنيات وطرق المعالجة. وكما أوضح د.عمرو السمان أستاذ جراحة المخ والأعصاب بطب قصر العينى خلال الندوة التى أقامتها نوادى علوم الأهرام.. أن تطور جراحات المخ والأعصاب تاريخياً بدأ فى العصور الوسطى بمعتقد راسخ أن أمراض المخ والأعصاب المتمثلة فى حالات الصرع والحركات اللاإرادية لا تعدو كونها مساً من عمل الشيطان واقتصر دورهم آنذاك على محاولات طرد الأرواح الشريرة من جسد المريض، وتطور الأمر بعد ذلك بأخذ الجراحات منحنى يعرف بثقب الجمجمة «Trepanning» باستخدام آلات التربنة من خلال نزع عظام الجمجمة للوصول إلى مكان الإصابة، الأمر الذى ما لبث أن تطور بعد اكتشاف أدوات مساعدة للجراح تسهل له مهمة الجراحة بشكل دقيق جداً مثل المثقاب الهوائى أو الكهربائى. والتى تطورت بعد ذلك إلى الجراحة باستخدام الميكروسكوب الجراحى والذى يمثل أهم نقلة نوعية فى جراحات المخ والأعصاب خلال منتصف القرن العشرين، حيث يوفر للجراح إمكانية التكبير إلى حوالى 40 مرة والإضاءة الواضحة التى يصعب الوصول إليها بالإضاءة العادية، مما يرفع درجة وعى الجراح فى تعامله مع أنسجة جسم المريض، مما رفع نسب الشفاء إلى أعلى معدلاتها وأفضل مما كان فى الماضى. كما يستخدم الميكروسكوب الجراحى فى استئصال أورام المخ والحبل الشوكى دون الإضرار بالأنسجة السليمة، وتمثل جراحة المناظير فائقة الجودة وثلاثية الأبعاد نوعا من الجراحات ذات التدخل المحدود، وتعتمد على إجراء العملية باستخدام كاميرات ذات مناظير يتم إدخالها عبر فتحة صغيرة على سطح الجلد والعظم، كما فى الجراحات القديمة التقليدية. وفى نهاية القرن العشرين ظهر الجهاز الملاحى للمخ والعمود الفقرى الذى يتميز بدقةً عاليةً وتصور ثلاثى الأبعاد لمجال العملية، مما يساعد فى إنجاح العمليات التى كانت شديدة التعقيد من قبل والوصول إلى أماكن لم يكن الوصول إليها متاحا فى الماضى، كما أثبتت نجاحاً مبهراً فى جراحات عدة كاستئصال أورام المخ، وتعتمد آلية عمله على تحديد موضع الورم بدقة عالية وعمل أصغر فتحة ممكنة بالجمجمة ومشاهدة الأنسجة التى يتعامل معها الجراح وصولاً إلى الورم، ثم متابعة استئصاله ومعرفة حجم الجزء المتبقي إلى أن يتم استئصاله كليةً.ثم ظهرت أهمية استخدام الرنين المغناطيسي في تحديد مكان الورم بطريقة أكثر وضوحاً وبدقة عالية فى التصوير قبل الجراحة مع إمكانية وجود جهاز رنين داخل غرفة العمليات ليتمكن الجراح من إجراء العملية دون المساس بأى جزء آخر فى المخ بما يضمن للمريض حياة بدون مضاعفات بعد العملية، ويوضح د.عمرو أن العلماء مؤخراً توصلوا إلى أسلوب التوجيه الملاحى الإلكتروني ويتمثل فى جهازين إما شريحة إلكترونية توضع داخل المخ لعلاج حالات كالشلل الرعاش أو شريحة توضع فى الحبل الشوكى حيث تستطيع التقاط مسار الألم والتحكم فيه وإيقافه قبل وصول الإشارة إلى المخ، وهو الأمر المجدى مع الحالات المستعصية أو التى لا يمكن علاجها بشكل جذرى كما فى المراحل المتقدمة لمرضى السرطان، ويضيف أنه من أحدث المستجدات فى مجال الجراحات الإشعاعية هو استخدام «الجاما نايف» أو العلاج باستخدام أشعة جاما التى أحدثت تغييراً جذرياً بجراحات المخ والأعصاب، وقد عزز تطورها العلاجات المقدمة لمرضى أورام المخ وتشوهات الأوعية الدموية من خلال توفير خيار علاج آمن ودقيق وموثوق به دون التعرض لمخاطر الجراحة والقضاء على الآثار الجانبية والمخاطر الناتجة عن التخدير العام، بالإضافة إلى تميزها بالدقة المتناهية فى التشخيص،مع تجنيب الأنسجة المجاورة إلى الهدف المراد علاجه من الضرر. والجدير بالذكر أن من أحدث الثورات فى هذا المجال هو استخدام مجمل ما تم ذكره فى التوصل لثورة جديدة فى جراحات المخ والأعصاب، والتى تعتمد على إجراء العملية والمريض مستيقظ ودون أن يشعر بأى ألم، وذلك لضمان عدم حدوث أى مضاعفات بعد العملية كما فى حالات استئصال أورام سرطانية متلاصقة لمراكز الكلام أو الحركة، وينوه د.عمرو إلى عدم التوصل حتى الآن لنتائج مرضية فيما يخص الطب التكميلى أو استخدام الخلايا الجذعية على مستوى جراحات المخ والأعصاب، وأن الأمل معقود عليها وعلى التوصل لطرق تقوية الجهاز المناعى مستقبلاً، بالإضافة إلى تطلع العلماء لاستخدام الروبوت فى إجراء الجراحات المخية عن بعد دون الحاجة إلى سفر الطبيب لبلد آخر لإجراء الجراحة.