أنت قررت الآن.. لقد قررت مختارة أن تقرئى هذه الكلمات فى هذه الساعات، فأنت وأنا نواجه فى حياتنا اليومية أموراً تستلزم منا أن نتخذ قرارات بشأنها، وأن نحدد منها موقفاً معيناً، ولكننا لا نتنبه فى كثير من الأحيان إلى أن ما نتخذه من قرارات تتعلق بالأمور المعتادة أو الروتينية فى حياتنا، كتقرير نوع الطعام الذى نتناوله فى كل يوم.. أو تحديد موعد استيقاظنا من النوم.. أو إقبالنا على قراءة كتاب جديد.. ولا نتنبه إلى أن معظم قراراتنا اليومية تلك مرتبطة مع المحيطين بنا سواء فى العمل، أو الدراسة، أو فى البيت وليس تنفيذاً لرغباتنا.. فعلى سبيل المثال.. فحتى لو كنت تعملين، وقررت أن تستيقظى متأخرة فى الصباح بعض الوقت، فإن ذلك مرتبط أيضاً ببرنامج بقية أفراد أسرتك، أو أصدقائك، أو البرنامج اليومى. وقد وجد فريق من العلماء والباحثين الأمريكيين أنه لا يوجد شخص واحد فى هذه الدنيا يملك أن يتخذ دائماً كل قراراته تبعاً لرغباته، ذلك أنه فى الوقت الذى من حقه أن يتخذ قراراً، عليه أن يراعى حقه وحاجة المحيطين به فى اتخاذ قراراتهم. وهناك من الأمور الكثيرة كما يقول د. عادل المدنى أستاذ الطب النفسى والأعصاب بكلية الطب جامعة الأزهر تتعلق بقرارات مهمة فى حياتك ومستقبلك عليك أن تفكرى فيها مرات ومرات قبل أن تقررى بشأنها أمراً ما.. لأنه من المفروض أنك الوحيدة التى سوف تجنين ثمار تلك القرارات سواءا كانت سعادة أم شقاء، مثل قرارات التعليم، والزواج، والإنجاب، وتربية الأبناء، ومعاملة الأهل والأبناء .. إلخ. .. ولكن.. لماذا يعجز البعض عن اتخاذ القرارات؟ وهناك الكثير ممن يشكون من عجزهم عن اتخاذ القرارات، فهناك من يتخذ طريقاً سهلاً لحياته فى اتخاذ قراراته، حتى فيما يتعلق بأدق الأمور وأبسطها بأن يقرر له من يثق فيه، وفريق آخر يتعلل بالعجز عن اتخاذ قرار.. أى قرار لما ينتابه من حيرة وقلق، فيلجأ أيضاً إلى مشورة من يكبرونه من الأهل لأنهم أكثر دراية وأوسع معرفة. ويرجع أستاذ الطب النفسى هذا العجز إلى أسباب مختلفة منها عدم الثقة بالنفس مما يدفع بالإنسان إلى الإحجام والخوف والتردد من النتائج، فيضطر إلى اللجوء إلى من يقررون له حياته، وبالتالى تضعف شخصيته أكثر. كما يبالغ البعض فى تخوفهم من الفشل الذى يلحق بهم نتيجة اتخاذ قراراتهم.. وقد يكون قراراً فاشلاً اتخذوه فى ماضيهم سبباً مباشراً فى إحجامهم عن المغامرة مرة أخرى باتخاذ قرار جديد. ويؤكد د. مدنى أن اتخاذك لقرار ما بشأن ناحية من نواحى حياتك هو فى حد ذاته نجاح ودلالة على نمو شخصيتك، وجودة بنيانك النفسى، ويؤكد أيضاً أن قراراً فاشلاً تصدرينه هو خير من الإحجام والتردد، فتحملك المسئولية فى اتخاذ قرارك من شأنه أن يثرى خبراتك ويضيف إلى تجربتك فى الحياة التى تتشكل بمزيد من مرات النجاح والفشل، أما إحجامك عن اتخاذ قراراتك، أو ترددك فى اتخاذها خوفاً من فشل آثاره ونتيجته فلن يقودك إلا إلى مزيد من التخوف وترقب الفشل مما يشل حياتك ويعوق تعاملاتك وعلاقاتك. ونحذر فى هذا الصدد أيضاً من أن التسرع فى اتخاذ القرار دون دراسة وفحص للجوانب المتعلقة به يجلب الإخفاق والندم لصاحب القرار، كما يجلب المتاعب للمتأثرين بهذا القرار، كما أن الالتجاء إلى النصيحة والمشورة ممن يكبروننا سناً وخبرة هو أمر مهم لضمان صحة ما نتخذه من قرارات فى بعض الأمور، ولكن الاعتماد الكامل على من يكبروننا فى اتخاذ القرارات لنا يأتى بالتعب على الكبار واحتمالات الإخفاق فى المستقبل فى القدرة على اتخاذ قراراتنا. وختاماً نقول إن الفتاة، أو السيدة، أو الشاب، أو الرجل الذى يواجه مفترق الطرق ومعه من زاد الخبرة ما يناسبه، فإنه يحقق نوعاً من البطولة لو اتخذ القرارات المتوازنة رغم تشعب الظروف وصعوبة الحياة المعاصرة..