برامج مرشحي الرئاسة مسألة فيها قولان, فيها قول مفاده أن تقديم المرشحين لبرامجهم يعد ضروريا حتي يتسني للناخبين المفاضلة بينهم ومعرفة ماذا سيفعل الرئيس القادم, وهذا هو الطبيعي في كل الانتخابات في مختلف دول العالم. وفيها قول آخر يتحفظ علي هذا المسلك لأسباب عديدة, من أهم هذه الأسباب أن المرشح لايعرف ولا نعرف نحن صلاحياته, ومنها أن البرنامج الانتخابي لن يكون هو العامل الفيصل في اختيار الرئيس القادم. وإذا افترضنا أن يكون للبرنامج الانتخابي دور محوري في الاختيار, فمن المحتمل أن يؤدي ذلك الي تحريف نتائج الانتخابات. وفي ظني أن هذا الاحتمال وارد بدرجة كبيرة لأن البرنامج الانتخابي قد ينطوي علي وعود براقة تجذب قطاعات كبيرة دون أن تكون قابلة للتطبيق الفعلي. أكثر من ذلك أنه في ظل الخريطة الحالية للمرشحين, والتي أصبح كل مرشح يعرف موقعه فيها كما يعرف جزءا كبيرا من مؤيديه, فمن اليسير أن يتوجه بخطابه الانتخابي الي الشريحة التي تعظم فرصته في الفوز فيسدي لها الوعود التي تلبي رغباتها ومطالبها, والتي ربما لاتستقيم مع الصالح الوطني في المرحلة الحالية. لنصرف نظر الآن عن قدرة الناخب المصري علي فهم البرامج الانتخابية والمفاضلة بينها, رغم قناعتنا بأن قطاعا كبيرا من الهيئة الناخبة لا تتوافر علي هذه القدرة أو لاتتوافر لها هذه الإمكانية. والحقيقة أن القضية أكبر من ذلك, فالمعروف أن البرامج الانتخابية تكون لها ضرورتها وجدواها في حالة النظم المستقرة التي تتبني سياسات مستقرة وتعرف توجهاتها الأساسية وتحظي بمساحة واسعة من الاتفاق العام حول ماهية المصالح العليا للوطن والمباديء العامة التي يسير عليها النظام, وفي هذه الحالة تنحصر المنافسة في البرامج في بعض التغييرات المحددة وربما المحدودة. أما في حالتنا فالوضع مختلف تماما, وإذا كان هناك من يري وبحق أن إسقاط هذا النظام لم يكتمل بعد, فمعني ذلك أن تكون الأولوية لإتمام هذه المهمة, ومن ثم فنحن في كل الأحوال إزاء تأسيس نظام جديد لم تتحدد هويته حتي هذه اللحظة, ولا أدري إذا كنا متفقين علي ملامح هذا النظام الجديد أم لا.. بل إنني أزعم أننا وضعنا هوية الدولة والمقومات الأساسية للمجتمع علي المحك وجعلناهما موضوعا للمساومة بين القوي المختلفة. من هنا ندرك أن هناك عوامل أخري قد تكون أكثر حسما من البرامج في قضية اختيار الرئيس القادم وفي مقدمة هذه العوامل هوية هذا الرجل, فإذا قلنا مثلا إننا نرفض من له هوية عسكرية أو دينية, وذلك من باب رفض الحكم العسكري أو السلطة الدينية, وإذا أضفنا أننا نرفض من ينتمي الي النظام السابق, فمعني ذلك أن المسألة صارت شبه محسومة أو كادت تكون محصورة في ثلة من المرشحين. بعبارة أخري لايليق بمصر( الجديدة) التي نأملها أن تكون دولة عسكرية أو دولة دينية أو دولة عرفية, وعليه فإن المطلوب هو دولة القانون.. وعلي عرش دولة القانون ينبغي ألا يجلس إلا هذا الذي ينتمي للثورة ويحرس أهدافها ويسهر علي مطالبها. كما أن المرحلة الحالية تحتاج الي رئيس مايسترو فيما يعني أن يكون خارج حدود دوائر الاستقطاب المستحكمة والمتحكمة في حياتنا السياسية الآن, وفيما يعني أيضا أن يكون علي مقربة من الجميع, فضلا عن قدرته علي استيعاب الجميع, وربما نضيف أن يكون مقبولا في الخارج.. نحن بحاجة الي برنامج سياسي لا انتخابي, وبالتحديد فإن المطلوب هو رؤية وليس برنامجا بالمعني الحرفي أو الفني. وبالنظر الي برامج أغلب المرشحين سوف نجد أنها تنطوي علي شعارات يصعب تطبيقها علي أرض الواقع, وحين فطن البعض الي ذلك عمد الي تقديم برامج تفصيلية تتعلق بالقضايا الشائكة والملحة والتي نعاني منها جميعا والتي هي أوضح من أن تذكر. ومن ناحية أخري فإن أغلب البرامج المطروحة من جانب المرشحين تجابه مشكلتين, الأولي هي مشكلة توفير الموارد المالية اللازمة لتحقيق ما تتضمنه هذه البرامج. والمشكلة الثانية هي كيفية تحقيق هذه البرامج رغم حرص المرشح علي تقديم برامج واقعية تقبل التطبيق. والواقع أن هذا الحرص قد حدا بهؤلاء المرشحين الي الإغراق في التفاصيل, والواقع أيضا أن كثرة التفاصيل لاتعني القابلية للتطبيق ولا ترادفها, وربما تعني أن مرشح الرئاسة قد انزلق في برنامجه الي ما يخص الحكومات, وقد ترك مهمة الرئيس خلفه دون أن يدري, وفي كل الأحوال يظل سؤال كيف؟ يطارد أغلب البرامج الرئاسية. لانريد من الرئيس القادم أن يشرح لنا كيف يتعامل مع قضايانا بهذا الشكل التفصيلي, ولكن المطلوب هو ذلك الرئيس الذي يعرف كيف يعيد بناء الدولة.. الدولة القادرة علي حل مشاكلها القائمة وعلي منع تكرارها وعلي حلها.