شهد الوسط الفني والثقافي حالة فنية خاصة الأسبوع الماضي في افتتاح معرض الفنان الراحل منير كنعان الذي مر علي رحيله17 عاما إلا أن أعماله التي قدمها خلال مشوار حياته الحافل بالفن بكافة أشكاله وصورة حاضرة وبقوة, تكشف للأجيال القادمة اسرارا جديدة للخلود وملامح عصر مضي ورؤي للمستقبل بعيون فنية سابقة لعصرها, بجهود زوجة محبة ومخلصة وفنانة وكاتبة بحجم وقيمة سناء البيسي التي تقدم لنا نموذجا مشرفا للمرأة المصرية المقدرة لدور الزوج الفنان الذي عاشت معه في محراب فنه فكانت شاهدة علي لحظات ميلاد فن لم يخاطب عصره فقط لكن امتد لعصور لم يعشها فلكل لوحة نبتت علي جدران منزلها وأبدعها الفنان منير كنعان هي تأريخ للحظات حاسمة في تاريخ وطن وللحياة السياسية والاجتماعية والفنية, لذلك استحق منير كنعان بجدارة لقب جبرتي الفن وفارسه ........................................................................... أقيم افتتاح المعرض بحضور باقة من الشخصيات الفنية والسياسية والصحفية تحت رعاية الكاتب الصحفي ووزير الثقافة حلمي النمنم بقاعة أفق بمتحف الفنان محمود خليل وحرمة وقد كانت الكاتبة الصحفية سناء البيسي زوجة الراحل ونجله هشام كنعان في استقبال رواد المعرض الذي قام بتنسيق اللوحات الفنان المثال إيهاب اللبان مدير قاعة أفق ومجمع الفنون بالزمالك وهو الذي قام بتنسيق اليوبيل الفضي لمعهد العالم العربي بباريس وقد شهد المعرض حضورا منقطع النظير وكان من بين الحضور المهندس إبراهيم محلب مساعد رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء الأسبق والمفكر السياسي مصطفي ألفقي وعميد السفراء السفير عبد الرءوف الريدي والكاتب أسامة هيكل وزير الإعلام الأسبق ورئيس مدينة الإنتاج الإعلامي واللواء سمير فرج وأحمد حسنين هيكل والسفيرة مشيرة خطاب والمستشار محمد سمير المتحدث الرسمي لهيئة النيابة الإدارية والإعلامي مفيد فوزي والكاتب محمود مسلم رئيس تحرير جريدة الوطن والدكتور خالد منتصر والطبيب العالمي حازم ياسين والكاتب منير عامر رئيس تحرير مجلة فنون مصرية والكاتبة مها عبد الفتاح والكاتب صبري غنيم والفنانة سميحة أيوب والفنانة مديحة حمدي والفنان فاروق فلوكس والكاتبة الصحفية وفاء غزالي الحب في محراب الفن شاهدت من خلال جولتي في المعرض نماذج لأعمال فنية أشاد بها النقاد والفنانون علي مر السنين ولكن ما لم يخبرنا به أي ناقد هو كيف كان الفنان منير كنعان الفنان داخل محراب الفن ؟ تقول الكاتبة سناء البيسي الزوجة والحبيبة والفنانة كان يأكل ويشرب وينام ويصحو ويحيا فنا.. اللوحة هي كل حياته, ولست أنا ولا ابنه الوحيد هشام ولا أي مخلوق علي وجه الأرض له منزلتها حتي باتت عقيدتي والأعمار بيد الله أن كنعان قد توفي علي مرحلتين خلال العام الأخير من حياته1999 أولاهما مع بدايات الوهن الذي دب في أطرافة بالتدريج حتي بات يفكر في تجميع أعماله وفهرستها وتصويرها وترقيمها وإمضاء ما كان منها بدون توقيع وأصبح من كان يعمل من السادسة صباحا حتي ما بعد منتصف الليل وعندما كنت أسأله عما إذا لم يكن يتعب من الوقوف كان يقول عندما أعمل يغدو جسدي أثيريا كأجساد الهنود في ممارسة اليوجا لا أشعر به, مات كنعان عندما تعب ونقل الي المستشفي بعيدا عن لوحاتة التي كانت تحيط سريره الصغير كفراش طفل حتي لا يحتل حيزا يستقطعه من أحضان مرسمه المكدس باللوحات التي تحاوره وتناديه وتخاصمه وتثور عليه وتلهث نحوه ليتحسس أسطحها مات وأمنية عمره لم يحققها وهي الحصول علي مرسم واسع في إحدي العمارات القديمة ذات الحوائط المرتفعة ليستطيع التجول بحرية بين اللوحات العملاقة مضي وكان في صراع دائم مع الزمن يشعر وكأن الوقت يمضي بسرعة متزايدة مر الفنان كنعان بمراحل فنية متعددة كيف عاصرت هذه المراحل ؟ مر كنعان ب13 مرحلة فنية جعلتني اشعر أنني أمام فريق كامل من الفنانين قد قام بإنجازها وليس فنانا واحدا قام بكل هذا الجهد وتميز في كل مراحله وكان بإمكانه التوقف عند إحداهما ليغدو سيد موقفها وأفضل من رسمها لكنه ابدأ يعشق التجربة ويرحل مستكشفا قارة جديدة مراحله العديدة الانطباعية والسريالية والتجريدية ثم الكولاج وبداياتها جميعا تمثل عنده نظرية هندسية أو مسألة حسابية عليه الوصول فيها للحل وقد ظل في مرحلة ما بين التكعيبية والدخول في التجريدية يميل الي الألوان الفرعونية التي يرتفع فيها اللون الأزرق والزهري والأحمر الفرمليون ألطوبي وكان يسميها مرحلة النوبة ثم اللون الأسود والأحمر متجاورين وفي مرحلته البيضاء لم يقاوم النداء الملح الموجع للون الأبيض واستدراجه له كلما وقف أو تطلع إلي مساحة بيضاء تنادي يده وفرشاته ما السر وراء الإنتاج الغزير للفنان كنعان ؟ كان الزمن بالنسبة لكنعان يقاس بالرسومات التي أنجزها لا بأوراق النتيجة التي يقلبها وكان دائما في سباق مع الزمن في عقلة أفكار وطموحات يشعر أن الزمن سيهزمه قبل ان يحققها. كيف كان كنعان الحبيب والفنان وكيف كان يعبر عن حبه؟ كنعان الحبيب والفنان من التقيته في سنة أولي جامعة فستشعر بداخلي جمالا التقطته عيناه فيطلب مني تسجيله في لوحة غلاف فأطعت منساقة مبهورة منومة لأجلس أمامه موديلا أحتضن فروع زهرة المشمش وظهرت اللوحة غلافا لمجلة أخر ساعة وكانت بداية قصة حبي التي لم تنته الي يومنا هذا وكانت وسيلته للتعبير عن الحب هي أن أن يمسك فرشاته إشارة إلي أن حبة يمتد طولا وعرضا وأنه يتضمن نصل السكين ورقأة الفراشة وعضلات مصارع مفتول يرسم أرض مصر بمشرقها ومغربها وشمالها وجنوبها وناس الصعيد وناس وجه بحري مصر في الأسواق في الحارات في السجون في برج الحمام في الصحراء جوال يحمل ريشته علي ظهره يسجل الحياة اليومية بكل فنونها وتاريخها ونجومها وصناعها في جولات تشهد لأنه ابن بطوطة الفنان عاشق مصر يقبل ترابها وأحجارها وأشجارها ووديانها وصحراواتها ويوزع عشقه علي دلتاها وواحاتها وعلي مدار حياته الفنية التي بدأت في الأربعينيات وامتدت لأكثر من خمسين عاما أستحق عن جدارة لقب جبرتي الفن, حاز علي الجائزة الأولي في أول بينالي عربي عام1984 كما نال جائزة الدولة التقديرية في الفنون في عام1996 هل إقامة معارض كل فترة للفنان الراحل منير كنعان هي بمثابة إحياء لذكره أم أن هناك هدفا أكبر ؟ حرصت منذ رحيله علي أن يظل فنه تتوارثه الأجيال لان الفن الحقيقي لا يموت, و أن المعارض التي نقيمها كل فترة تخليدا وأحياء لذكره هي بمثابة دعوة لمحبي الفن وللأجيال الجديدة الاطلاع علي أعمال الفنان منير كنعان التي أثبتت مع مرور الأيام أنها رسالة من الماضي للمستقبل وهذا هو الفن الحقيقي بالإضافة إلي رغبتي وحلمي في المقام الأول من إقامة المعارض هو تمهيد لإقامة متحف فني لمجمل أعماله التي تروي جزءا مهما من تاريخ الوطن التي سجلها بريشته وبفكره من أهمها الأعمال الكاملة للمحاكمات الثورية التي أقامها جمال عبد الناصر وحظر التصوير فيها فسجلها هو بريشته.